الأكراد أخطر منْ « داعش » ؟
بقلم / غسان شربل
بين أنقرة وطهران وبغداد ودمشق مصالح كثيرة وحساسيات قديمة . بينها سموم التاريخ ولعنة الجغرافيا .
تلتقي هذه الدول وتفترق . تندرج في أحلاف متصارعة ثم تتصافح وتتحدث
عن صفحة جديدة . البند الثابت بين العواصم الأربع هو الخوف من تمسك الأكراد بحلمهم القديم
على رغم الويلات التي أُنزِلت بهم . واليوم تتصرّف هذه الدول إستناداً إلى قناعة تتردّد
في إشهارها ، ومفادها أنّ الأكراد أخطر من " داعش " .
يعرف المتمرّسون في شؤون المنطقة وشجونها أنّ تنظيم « داعش » محكوم بالهزيمة .
وأن وجوده أكبر من قدرة المنطقة والعالم على الاحتمال . وأنّ الإرهاب يحفر قبره بيديه حين يصير له عنوان معروف
يمكن الانقضاض عليه . لهذا تتصرف الدول الأربع على أساس أنّ « داعش » خطر كبير عابر، في حين
أنّ الأكراد خطر هائل ومقيم ! .
ليس الخوف من « داعش » هو ما أرغم رجب طيب أردوغان على السير فوق ركام غروره .
إنه الخوف من الأكراد . أكراد الداخل وأكراد سورية .
هكذا يمكن فهم رحلته إلى سان بطرسبورغ ، ورحلته المقبلة إلى طهران ، وإعلان أنقرة قبولها
بدورٍ للرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية .
سلوك أردوغان الجديد شجّع النظام السوري على كشف أوراقه . هو أيضاً يعتقد بأن الأكراد أخطر من « داعش » .
الاشتباكات الأخيرة في الحسكة كانت عملياً أشبه بتبادل الرسائل مع تركيا .
الموقف المتشدد من تطلعات الأكراد قد يكون الجسر الذي يمكن ترميمه بين أنقرة ودمشق ،
على رغم الودّ المفقود بين الرئيسين .
إيران مهتمة بدورها بإعادة تحجيم الأكراد . لا تستطيع قبول أنْ يطالب كوردي إيراني بوضعٍ شبيه بالذي
حصل عليه الكوردي العراقي ويتطلع إليه الكوردي السوري . لدى انتصار الثورة آستقبل الخميني
وفداً كردياً زائراً . طرح الوفد على زعيم الثورة مسألة حقوق الأكراد فرد بأن المشكلة
لن تكون موجودة لأنّ الثورة إسلامية . لم تحل الثورة مشكلة أكراد إيران ، والدليل
أنّ بعضهم إستأنف الكفاح المسلح . لدى إيران مصلحة فعلية في إجهاض حلم الأكراد السوريين .
سورية الفيديرالية لا يمكن أنْ تطمئن إيران .
فوز الأكراد بحقوقهم يطرح موضوع المكوّنات الأخرى ، وبينها الأكثرية السنّية .
كبح التطلّعات الكردية يشكل جسراً جديداً بين أنقرة وطهران ، يضاف
إلى المصالح الاقتصادية والرغبة في عدم آلتقاء القوى الإقليمية السنّية
على موقف يضبط شهيات إيران في العراق وسورية . إيران أيضاً تتصرف على أساس
أنّ الأكراد أخطر مـنْ « داعش » .
النقاشات الجارية في بغداد حول دور البيشمركة و« الحشد الشعبي » في معركة تحرير الموصل
مـنْ« داعش » ، تؤكد هي الأخرى التفريق بين خطر كبير طارئ وخطر كبير مقيم .
يتصرف بعض القوى المؤثّرة في قرار بغداد حالياً وكأنها نادمة على ما آضطرت الى التسليم به للأكراد ،
رغبة منها في إزاحة نظام صدام حسين . وأغلب الظن أنّ طهران هي التي أجازت لحلفائها
يومها قبول المطالب الكوردية قبل الغزو الأميركي ، لاعتقادها بأن إطاحة صدام تشكل مكسباً استراتيجياً ،
وهو ما تبيّن في النهاية . شكّل تنظيم « داعش » بعد إطلالته المدوّية خطراً كبيراً أقلق المنطقة والعالم .
لكن وحشية « داعش » شكّلت في الوقت ذاته فرصة اقتنصتها دول وقوى لتنفيذ أجنداتها ،
سواء في العراق أو سورية . فتحتَ لافتة محاربة « داعش » تضاعفت التدخلات الخارجية في العراق وسورية .
أدت الضربات المتعدّدة الجنسية إلى إرغام « داعش » على الانحسار، وإنّ استمر قادراً
على إرتكاب مجزرة هنا أو هناك . لكن رقصة المواقف وإعادة التموضع بدت مرتبطة
بالخطر الكوردي الدائم أكثر منها بالخطر « الداعشي » العابر.
واضح أن المخاض الدموي طويل وعنيف . إنّ التعامل مع الأكراد انطلاقاً من إعتبارهم ألغاماً مزروعة
في خرائط الدول التي يقيمون فيها ، يُنذر بمزيد من الحروب والتمزّقات .
لا تمكن إعادة أكراد سورية إلى ما كانوا عليه قبل خمسة أعوام .
ولا تمكن مطاردة أكراد تركيا إلى الأبد . ولا يمكن حلّ مشكلة أكراد إيران منْ طريق زعزعة
إستقرار إقليم كوردستان العراق . إنّ رفض الاعتراف بحق الاختلاف مصيبة لا تقتصر
نتائجها الكارثية على الأكراد وحدهم .