تكثيف مسعود البارزاني رئيس كردستان العراق دعايته لفكرة استقلال الإقليم عن الدولة العراقية لا يخلو من دعاية سياسية في إطار صراعه على السلطة، وانتقادات شركائه ومنافسيه السياسيين لخطواته الدعائية لا تنفصل عن مخاوفهم من استئثاره بالقضايا الحيوية والمصيرية للإقليم ما يعني إحالتهم إلى الهامش.
العرب -أربيل (العراق) - خفّض رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني من سقف مطالبه وطموحاته التي كان يروم تحقيقها من وراء مشاركة قوات الإقليم في معركة استعادة الموصل المرتقبة التي تسارعت التحضيرات العسكرية لها والاتصالات السياسية بشأنها لا سيما بين الولايات المتحدة والأطراف المحلية والإقليمية ذات العلاقة بها.
وكان البارزاني أول من طرح بوضوح فكرة استغلال المواجهة مع تنظيم داعش في توسيع حدود إقليم كردستان العراق حين اعتبر أن حدود الإقليم باتت “ترسم بالدم”، ليتحوّل بعدها أبا ومدافعا ومروّجا لفكرة استقلال كردستان بشكل كامل عن الدولة العراقية.
وتواجه تلك الأفكار انتقادات من داخل الإقليم ذاته ومن قبل ساسة أكراد يرون ما يطرحه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مجرّد أفكار طوباوية غير قابلة للتحقيق وجزءا من البروباغاندا التي يمارسها في إطار صراعه الداخلي على السلطة، ضدّ شركاء يشكّكون في شرعية قيادته ويعتبرون فترته الرئاسية منتهية منذ أكثر من عام.
وعادت قضية الاستقلال لتطرح مجدّدا من قبل قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من ورثة جلال الطالباني الزعيم والمنافس التاريخي للبارزاني، في إطار خوفهم من أنّ استئثار أربيل بمناقشة القضايا المصيرية والحيوية للإقليم يحيل السليمانية إلى الهامش.
ووجه قباد الطالباني نجل جلال الطالباني نقدا لاذعا لإصرار البارزاني على طرح فكرة الاستقلال في هذا الظرف غير المناسب، معتبرا أن ذلك يضر بالقضية بدلا من أن يخدمها.
وخلال لقائه في أربيل بوفد أميركي ترأسه توني بلينكن نائب وزير الخارجية الأميركي اكتفى البارزاني بالمطالبة بوضع “خطة سياسية لفترة ما بعد تحرير الموصل، من أجل منع تعمق المشاكل وحماية وطمأنة المكونات وخاصة المسيحيين والإيزيديين في محافظة نينوى”.
وكثّف رئيس إقليم كردستان العراق خلال الفترة الأخيرة من تحركاته واتصالاته بالتزامن مع ظهور بوادر عن قرب إطلاق معركة استعادة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى من تنظيم داعش.
وقبل استقباله بلينكن زار البارزاني كلاّ من تركيا وفرنسا حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين في البلدين.
وقالت مصادر مطّلعة على شؤون إقليم كردستان العراق إنّ البارزاني حاول الترويج لفكرة توسيع حدود الإقليم بضم مناطق من محافظة نينوى وعدم سحب قوات البيشمركة من المحافظة بشكل كامل بعد مشاركتها في المعركة الفاصلة ضدّ تنظيم داعش هناك.
كما أكّدت المصادر ذاتها أنّ الزعيم الكردي اصطدم بمزاج دولي غير مهيأ للتسليم بحصول إقليم كردستان العراق على أي مكاسب ميدانية من وراء الحرب على داعش، وبإصرار القوى العالمية الكبرى على الحفاظ على الخارطة الحالية للعراق دون تغيير.
أما في تركيا –تضيف المصادر- فقد اصطدم البارزاني برفض قاطع لفكرة توسيع حدود الإقليم، وبرفض أشدّ لفكرة الاستقلال عن العراق وإعراض كامل عن مناقشة الضمانات التي أراد البارزاني طرحها على أنقرة في حال موافقتها على الفكرة.
ويرى شركاء لمسعود البارزاني في قيادة الإقليم أن طرحه لفكرة استقلال كردستان العراق مجرّد دعاية سياسية لشخصه.
وصدر أوضح نقد عن نائب رئيس وزراء الإقليم، نجل الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني، قباد الطالباني، الذي قال إنّ الإقليم غير مهيأ لإعلان الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد، مشيرا إلى وجود حقائق وصفها بـ”المرة المانعة لاستقلال كردستان عن العراق”.
وقال الطالباني عبر صفحته في فيسبوك، إنّه يجب عدم الحديث عن استقلال الإقليم في الوقت الذي يشم فيه عند النخب السياسية الرفيعة رائحة الانشطار الإداري، إضافة إلى عدم توحيد المعبرين بين أربيل والسليمانية.
ويقول مراقبون إنّ حدّة الخلافات الداخلية في صفوف أكراد العراق تضعهم أمام مفارقة صادمة، فبعد أن قضى قادتهم عشريات من الزمن يحلمون بدولتهم المستقلة، قد ينتهون بحلمهم إلى إقليم منقسم على ذاته بعاصمتين ومركزي قرار أحدهما موال لتركيا والثاني تابع لإيران، حيث لا تنفصل الصراعات داخل كردستان العراق عن الوضع العام في المنطقة وما يميزها من صراع على النفوذ.
ويبدو القطبان الإيراني والتركي واضحين في خلفية المشهد بكردستان العراق، حيث أن القيادة السياسية في السليمانية محسوبة تقليديا على الشق الإيراني، فيما قيادة أربيل محسوبة على الشق التركي، وازدادت اقترابا منه في الآونة الأخيرة.
ولئن اتضحت خلال السنوات القليلة الماضية النوازع الاستقلالية لإقليم كردستان العراق مستفيدة من ضعف الدولة المركزية، ثم من واقع الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي أفرز قوات البيشمركة والأسايش الكردية بمثابة قوات مسلّحة مهيئة لخدمة دولة مستقلة، فإن خلافات فرقاء السليمانية وأربيل ترسم مستقبلا غير مبشّر للإقليم حتى في حال استقلاله.
وتساءل الطالباني إذا كان الأكراد لم يستطيعوا حل المشكلات السياسية والإدارية الداخلية أو مع بغداد، فكيف بإمكانهم الاتفاق على مسألة مصيرية كالاستقلال، موضحا أن إقليم كردستان لا يزال في بداية الطريق ويسعى لكسب الأصدقاء والدعم المالي لتحقيق الاستقلال.
وأشار إلى صعوبة تغيير الموقف الدولي من القضية قائلا “ليس بالإمكان إحراق هذه البطاقة على المستوى العالمي بسهولة”، معتبرا أنّه “يجب أن نجعل من إعلان الاستقلال فرصة وكرنفالا على
استقلال كردستان العراق ورقة سياسية يتنازعها فرقاء الإقليم