الحرية في المجتمع .. الواجبات والحدود :
بقلم / تيسير الناشف نقد ودراسات
للتحمّل تجليات منها احترام الآخرين والمراعاة والتسامح رغم الاختلاف الذي
قد يكون قائما بين فرد وآحر ، ونظرا إلى الاختلاف القائم أحيانا بين أفراد المجتمع الواحد ،
ينبغي أنْ تقوم العلاقات بين أفراده وفئاته على التحمّل والمراعاة والتسامح .
ومن الطبيعي أنْ يكون أفراد المجتمع مختلفين في مستوياتهم الفكرية
وأفكارهم وتوجهاتهم وأهدافهم ومستوى معيشتهم وفي مجالات أخرى ، يمكن للاختلاف أنْ ينبعث
من إعتبارات منها الرغبة في التأكيد على الانتماء الثقافي أوالمحافظة على قيمة من القيم ،
من قبيل الحرية والاستقلال والحس بالكرامة الإنسانية وغيرها ، ورغم هذه الاختلافات
ينبغي أنْ يقبل الناس قيما ومبادئ عامة يشترك الناس في قبولها ومراعاتها
منها الحفاظ على الشعب ومصلحة المجتمع .
ونظرا إلى طبيعية هذه الاختلافات ، من غير الصحيح أنْ يُعتبر مبعث الاختلاف
تحديا للآخرين . يمكن أنْ توجد إختلافات وأنْ يحترم الناس في نفس الوقت بعضهم بعضا .
الحرية والتجريد :
والحرية من أهم القيم الإنسانية وهي حاجة أساسية بشرية ، وللحرية
– شأنها شأن مفاهيم أخرى - درجات متفاوتة من التجريد والتحديد ،
وكلما ازدادت الحرية تجريدا قل تحديدها
أو تعيينها أو تحقيقها أو اكتناهها الاجتماعي ، أيْ أصبحت أقل تحديدا في الواقع الاجتماعي .
ونظرا إلى الصفة الاجتماعية لمفهوم الحرية فإن تحقيقها أقل في حالة التجريد ،
حالة التجريد لمفهوم الحرية تجعل من الصعب اكتناهه ،
لأن من الأصعب على البشر فهم أو آكتناه مفهوم
من المفاهيم في حالة التجريد ومن الأسهل عليهم اكتناه ذلك المفهوم
في حالة السياق الاجتماعي الملموس أو الواقعي ، تجريد فكرة الحرية
يجعلها ليست ذات صلة أو أقل صلة بالحياة الاجتماعية .
الوعي والتقييد :
الوعي البشري مقيِّد ، ولا يدخل في نطاقه مفهوم غير مُقيَّد ،
وحينما يدخل أي مفهوم في وعينا نقيده ، والحرية المجردة الخالصة
لا مكان لها – أو لها مكان محدود – في الوعي البشري
الذي يتغذى بمصادر منها الخلفية التاريخية والثقافية والقيمية والمعرفية والاجتماعية .
وعند وعي فكرة الحرية يجري تقييدها بالوعي .
وكون شيء مفهوما معناه أنّ ذلك الشيء غير مكتنه تماما ،
والحرية المجردة غير مفهومة تماما . إنها غير مكتنهة ، لا تُعقل حرية
غير محدَّدة وغير محدودة وغير مقيَّدة . ولا يقبل البشر حرية غير مسؤولة
حيال أفراد المجتمع الذي له متطلباته ، لا تتحقق حرية مطلقة في المجتمع .
حدود الحرية في المجتمع :
من الحق الطبيعي للإنسان أنْ يكون حرا لأن إنسانيته لا تتحقق دون ممارسة الحرية .
وعضوية الإنسان في المجتمع توجب عليه واجبات إجتماعية وتمنحه الحق في الحرية .
ولعدم المساس بإنسانيته أو لعدم النيل منها من حقه ومن واجبه أنْ يكون حرا .
ومردّ وجوب التمتع بالحرية في المجتمع هو أنْ للمجتمع متطلبات ينبغي أنْ تراعى .
وجوب المراعاة هذا لا بد من أنْ يعني وجوب تحديد الحرية ، وبسبب إستحالة تحقيق
الفهم الكامل وبسبب حق كل فرد في المجتمع في الحرية فإن الحرية الفردية غير مطلقة .
حياة الفرد في المجتمع تلزمه بأن يراعي حقوق الآخرين ، وحرية الفرد في المجتمع
لا بـدّ من أنْ يصاحبها إلتزام بمراعاة حقوق الآخرين ، وإذا مارس الفرد حريته
دونَ مراعاة حقوق الآخرين آعتدى عليهم ، وبذلك تتقوض أسس المجتمع ،
ويفقد القدر الذي يمتلكه من التماسك ويتحلل نسيجه وتصبح الحياة
شبيهة بالحياة في ظل نظام الغاب ، ولا يعود الإنسان
يحيا حياة سليمة في المجتمع .
المصدر / الشّــبكة العربيّة العالميّــــة .