الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: في ذكرى رحيل جبران خليل جبران .. ال ٨٠ الخميس 29 سبتمبر 2016 - 21:07
في ذكرى رحيل جبران خليل جبران .. ال ٨٠
ايلاف/سالم اليامي:زرت مدينة بوستن الامريكية قبل شهر .. المدينة الشهيرة في ولاية ماساتشوسس القريبة من نيويورك.. وأثناء السير وسط المقاهي الجميلة دخلت ميدانا واسعا تتوسطة حديقة خضراء وأشجار تتعملق بجانب ناطحة سحاب ..
وعلى طرف الحديقة ينتصب رمز تذكاري للعبقري جبران خليل جبران .. تتوسط الرمز صورته المنحوتة .. ونبذة مختصرة عنه .. وإحدى عباراته التي كتبت بلغة انجليزية اترك لكم ترجمتها وتفسيرها: It was in my heart to help a little because I was helped much. سبح خيالي في الخيال الجبراني مثلما يسبح كوكب في فضاء الكون الواسع وتعانقا كعناق طفل بثدي أمه... فكتبت من وحي ذلك العناق الخيالي موضوعي هذا متأثرا بشعور ذلك اللقاء الذي شعرت فيه بروح جبران وهي تحلق في المكان وتمطره بوهج ابداعه .. وتخيلت سماء المكان تهطل كل كتبه فوق رؤوس الناس المتجمعين وسط الحديقة التي تتزين بالرمز الجبراني وحول الميدان الكبير الذي يزهو بصورة جبران وعبارته العظيمة. جبران : عالم اخر من عوالم الفكر والأدب .... عقله في قلبه .... أو ... أن قلبه عقل ! يتشابه مع نيتشه في إستمطار الخيال ... ويختلفان في وسيلة الإستمطار . نيتشه : يستمطر خياله بآلة عقله ... وجبران : يستمطر خياله بغصن وردة. قلب نيتشه : قطعة حجر .... وقلب جبران : زجاجة عطر. وكلاهما يحلقان في الخيال بأجنحة من نور. قرأت كل كتب جبران .. لكن وعيي في هذه اللحظات لايذكر الا القليل جدا مما كتب.. الا ان عقلي الباطن يختزن الكثير من فكر وادب جبران .. وهذا هو سر خطورة المعرفة لو كانت معرفة سلبية لا ترتقي بعقل وخيال ووجدان الانسان الى الفضآت الرحبة أيا تكون الأساليب المعرفية علمية او فكرية او شعرية او ادبية بشكل عام. اما عندما يكون اللاشعور في الانسان مفعما بفكر وادب وفلسفة عبقري كجبران فانه لابد لذلك اللاشعور ان يحلق بصاحبه سعيدا كلما تذكر تلك اللحظات الباذخة وهو يغوص في أعماق مناجم الابداع الجبراني لذلك العربي اللبناني الذي ملك سحر البيان بلغته العربية الخالدة وحتى باللغة الفرنسية والانجليزية .. ومثلما هو أحد سحرة البيان اللغوي العربي فقد اعتبروه ايضا احد اعظم ملوك البيان باللغة الانجليزية. فترجمت كتبه بأغلب اللغات العالمية ودشنت الحدائق الكبيرة بإسمه لتتزين بعباراتة البديعة .. وخلدت ذكراه في الكثير من متاحف الشموع كأحد عباقرة الأدب الشامل المعبر عن روح الانسان المتمرد على نزعة الشيطان فيه الذي لا تسيطر عليه أنانية الانتماء الى مساحة ضيقة أو فكر لايقبل التنوع ولا يعتقد أنه من جنس آخر غير الجنس الآدمي المنتمي للكون كله . وهكذا كان جبران .. بروحه الشرقية : كونا يتسع لكل العاشقين الى معانقة الحقيقة التي لا نهاية لها ولا فناء .. يأخذك وأنت تحلق معه في عالمه الى آفاق رحبة تشعر فيها وكأنك حقا تتلحف بالسماء وتتعطر بالنور .. وتتوسد بحرا من الحب الذي لاينضب غناؤه! كان اديبا .. يفكر بوجدانه.. وشاعرا يستمطر خياله.. وفنانا يرسم اللوحة بحروف صامته تنعكس منها الصورة وتختفي الحروف ويتعمق في الاحساس بسببها شيء من الاندهاش الذي تتحول معه اللوحة مع مرور اللحظات الى قصيدة مرسومة في لوحة خيال العاشق للبوح الجبراني ادبا وفكرا وشعرا ورسما. بل أن العلاقة مابين القصيدة واللوحة في خيال جبران: علاقة ذات أبعاد متعددة الإتجاهات ،يراها كل من المتبصر في تأويل اللوحة والمتعمق في بحر القصيدة بنفس الصورة المرسومة بالماء أو الكلمات من مختلف زوايا العقل أو الوجدان وتلك ميزة الفلسفة الجبرانية التي تجعل المتبحر فيها لايفرق بين عقله ووجدانه وهو يقرأ شعرا أو فكرا أو يتأمل في ملامح لوحة دون أن تطغى حدة العقل ودقته أو تطفح خرافة العاطفة. يضعك جبران في إتزان روحي وعقلي دون أن تفقد شيئا من توازنك لتبقى محلقا بروحك وسابحا بعقلك في سماء الخيال النقي . ولو أن أمة ينتمي اليها جبران تستطيع ان تدرس أدبه في عقول اجيالها لتحولت المساحات المتجردة من خضرتها الى حقول مزهرة .. ولرقصت الجداول على أنغام الصبايا وهن يحتفلن بمواسم البهجة .. ولأصبحت الموسيقى بديلة لعنف المفردات .. ولرأينا فيروز تشدو في كل صباح ومع شروق الشمس: أعطتني الناي وغن فالغناء سر الخلود و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور فتتبعت السواقي و تسلقت الصخور هل تحممت بعطر و تنشفت بنور و شربت الفجر خمراُ في كؤوس من أثير أعطني الناي و غن فالغناء سر الوجود و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب و العناقيد تدلت كثريات الذهب هل فرشت العشب ليلاً و تلحفت الفضاء زاهداً في ما سيأتي ناسيـًا ما قد مضى أعطني الناي و غن فالغناء عدل القلوب و أنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب أعطني الناي و غن و انس داء و دواء إنما الناس سطور كتبت لكن بماء .
... وسوف تتعانق الأزهار في أحضان الشوارع .. وتتهادى القلوب ورود المحبة.. ويطرب الحجر، ويختفي القبح ومعتنقوه ليبقى لنا صوت فيروز وبوح جبران ! وقد تذكرت حوارا كتبته في التسعينيات متخيلا جبران يتحاور مع مواطن عربي ... واستعرت في الحوار بعض عبارات جبران الفلسفية وهو يرد على المواطن العربي الذي يحاوره وتفاجأت بعمق ذلك الشعور عند شاب مثلي يتلمس طريقه في عالم الكتابة ذلك الوقت ويحمل ذلك الهم وذلك الانتماء العروبي ... لأجد الآن أن الإنتماء لم يعد بنفس الحجم وأن الهم يكبر وتتسع مساحته في واقع عربي يتصاعد نزولة النازل أصلا ، كلما أوغل الظلام في تغييب عقل هذا العربي عن الإقتراب من معانقة حريته . وها أنا أعيد ذلك الحوار في ذكرى مرور ثمانين عاما على رحيل أحد عباقرة العرب الذي تعددت مواهبه فلم يجد وطنا يحتويه ويحمله غير وطن الغربة الذي كرمه خير تكريم واحتفى بمواهبه وابداعاته الفكرية والفلسفية والشعرية والفنية ولايزالون يحتفون به رغم كل السنين ، بينما لاتزال أمة جبران تحتفي بالقتلة ومصاصي الدماء ومدمني الظلمة والكراهية... وتقصي الانسان عن التعبير عن نفسه كإنسان!
***.
جبران: كيف حال أمتنا؟ - مواطن عربي: أمتنا في أسوأ حال لها منذ أن تركتها... تصارع الجهل والفقر والتمزق والتخلف والموت. جبران: (وهل وهبنا الله نسمة الحياة لنضعها تحت أقدام الموت وأعطانا الحرية لنجعلها ظلاً للاستعباد)؟! - مواطن عربي: أية حياة وأية حرية؟! نحن لا نعيش سوى حياة الضيم وليس لنا من الحرية إلا الصبر على تلك الحياة الرخيصة. جبران: (من يصبر على الضيم ولا يتمرد على الظلم ... يكون حليف الباطل على الحق، وشريك السفاحين بقتل الأبرياء). - مواطن عربي: وكيف يحلق طائر مكسور الجناحين؟ جبران: (الطائر المكسور الجناحين يدب متنقلاً بين الصخور ولكنه لا يستطيع أن يسبح محلقاً في الفضاء). - مواطن عربي: لكننا يا أستاذنا الكبير كلما حاولنا التحليق في الفضاء، لا نسلم من لسعات الأفاعي ونهشات الذئاب! جبران: (إن من لا تلسعه أفاعي الأيام، وتنهشه ذئاب الليالي... يظل مغروراً بالأيام والليالي). - مواطن عربي وكيف نقوى على النظر إلى الأنوار الساطعة ؟ جبران: (إن العيون الرمداء تحدق إلى الأشياء الضئيلة، لكنها لا تقوى على النظر إلى الأنوار الساطعة). فلتعالجوا عيونكم الرمداء أولاً. - مواطن عربي: كنتم تبدعون في زمانكم رغم ظروفكم الصعبة، حتى في مهجركم أنت ورفاقك المبدعون: أروع أنواع الفكر والأدب، وعشتم أحلى أيام حياتكم.. أما نحن فلا إبداع، ولا فكر، ولا أدب، ومازلنا "نكره" أكثر مما "نحب" فالظلام يحجب عن أنفسنا الحب. جبران: (إذا حجب الظلام الأشجار والرياحين عن العين، فالظلام لا يحجب الحب عن النفس). (الحب: كنز ثمين يودعه الله النفوس الكبيرة). (المحبة: التي تولد في أحضان اللانهاية وتهبط مع أسرار الليل ,لا تقنع بغير الأبدية ولا تستكفي بغير الخلود، ولا تقف متهيبة أمام شيء سوى الألوهية). - مواطن عربي: هل من كلمة أخيرة يمكنك أن تقولها لنا لتحفزنا أمام الأعداء المتربصين بنا من كل حدب؟! جبران: (قل لأمتنا هلموا يا قومنا نقف أمام الأعداء، متلقين شفار السيوف بصدورنا, فإن صُرعنا نمت كالشهداء, وإن تغلبنا نعش كالأبطال، لأن عذاب النفس بثباتها أمام المصاعب, والمتاعب أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن والطمأنينة). ولكن..! حذار من المبالغة في الكره "والتعصب" والعدوانية، وإذا أتاكم السلام الذي لن تنالوا أكثر منه بالحرب... فاقبلوه فإنه أشرف لكم من عار الحرب والهزيمة!!