محطات في تاريخ شرطة العراق:قراءة في ملف جرائم "أبو طبر" بعد ٤٣ عاماً
من لم يعش حقبة "أبو طبر"، ذلك السفاح القاتل الجزار المخيف الذي ظهر في بداية السبعينات، فانه حتما قد سمع به من ابيه وامه او من كبار السن الذين عاصروا تلك المرحلة التي تحول فيها "القاتل" الى بعبع مخيف استنفر الناس من أجله في حراسات ليلية ويقظة مستمرة اذهبت عنهم النوم، خوفاً من القادم المجهول الذي اظهرته الاشاعات كأنه "قدر" لا يمكن تداركه. لقد تحوّلَ "أبو طبر" بفعل الإشاعة والسلوك الجمعي، إلى "أسطورة" و"بعبع" ولفقت له أو نسبت اليه، افعال وجرائم وتصرفات مبالغ فيها بفعل التهويل الناتج عن حالة الرعب التي سادت البلد في تلك الفترة، حتى تسمية الطبر كانت مخالفة للواقع الذي أثبت أن أبو طبر يستخدم (هيم أو قضيب حديدي) في ارتكاب جرائمه وليس (طبراً)!! لكن تسمية :أبو طبر" أختزنت في الذاكرة الشعبية مقرونة بتأويلات الرعب والخوف، بصفته "قاتلا" جاهزا، يمكن أن يستوعب كل الجرائم التي ترتكب في البلاد. وقد استغلت قضية "أبو طبر" من أطراف عديدة، لكن القليلين استوعبوا تلك الظاهرة، وفسروا دوافعها وحقيقتها، اذ ان الاغلبية الساحقة من الناس لم تكن تعي مسالك السياسة ودهاليزها المظلمة. وما زالت قصة ابو طبر تثير قريحة مختلف القوى والتيارات السياسية لتأويلها وتفسيرها حسب الهوى السياسي، لكنني سالجأ للخبرة المهنية والوقائع من خلال ملفات رسمية عايشتها كضابط شرطة له صلة بالادلة الجنائية والتحريات الفنية.
أيام الترويع التي أحدثتها جرائم أبو طبر؟ كثيرة هي الإشاعات والروايات التي نسجها خيال الناس من سكان العاصمة (بغداد)، والعديد من محافظات العراق، أوائل السبعينات وتحديداً عامي 1973 و 1974 عن مجرم سفاح وحش شرس، أطلقوا عليه تسمية (أبو طبر) على أساس أنه يقتل ضحاياه بـآلة (الطبر) الحديدية، ويغتصب النساء بعد قتلهن، ولا يتورع عن ارتكاب جرائمه ليلاً أو نهاراً، وكان ماهرا بحيث لا يترك أثراً في مسارح الجرائم التي أرتكبها،وذهبت القصص والروايات ونسجت الإشاعات إلى أكثر من ذلك بكثير، وبدأ الناس يغادرون دورهم ويتجمعون في دار احد الاقارب، وانخفضت اسعار الدور في الاحياء الراقية وبخاصة مناطق المنصور الى سعر خيالي قياسا الى اسعارها الحقيقية او ما كانت عليه قبل وقوع حوادث أبو طبر، وكانت النفوس الخائفة المرعوبة جاهزة لتقبل كل الاقاويل والاشاعات وتضيف عليها من عندياتها، والذين عاشوا تلك الفترة تختزن ذاكرتهم الكثير من تلك الروايات والإشاعات والتهويلات التي تصاعدت مع كل جريمة تحصل، وكان مجرد صوت تحدثه قطة في حديقة منزل كافيا لأنطلاق عشرات الأطلاقات النارية خشية من وجود (أبو طبر) في حديقة الدار، وحين كان أحد اللصوص يقع في قبضة الناس أو الشرطة، كان يصرخ ( يا إمعوّدين آني حرامي عادي ...والله مو ابو طبر !!) خوفا مما سيناله من ضرب كي يقر بجرائمه لو كان أبو طبر، ولم تنقطع عملية نسج الاشاعات والحكايات إلا حين وقع (أبو طبر) الحقيقي في قبضة رجال الشرطة ويظهر على شاشة التلفزيون يعترف بجرائمه، لكن الوقائع التي سردت من خلال الاعترافات التلفزيونية لم تقنع كثيرين من المثقفين والبسطاء على حد سواء، فهناك ثغرات بقيت مجهولة حول دوافع هذا الشخص وهل كانت هناك جهات معينة تقف وراءه ام انه كان يرتكب جرائمه من منطلقات فردية ذاتية اشباعا لنزوة الجريمة والعنف في دواخله؟ وهل كان مدفوعاً من قبل أجهزة السلطة لتصفية الخصوم والمعارضين؟ وغير ذلك من التأويلات والتفسيرات. وهذا ما سنحاول في هذه المقالة التاريخية أن نوضحه إحتراماً للتاريخ.
ناظم كزار الأبعاد والجوانب السياسية في حوادث أبو طبر؟هل لها صلة بقضية ناظم كزار؟ ولابد من التطرق الى الجوانب السياسية في الموضوع، فقد وقعت أحداث ابو طبر بُعَيْد إنكشاف المحاولة الأنقلابية لناظم كزار وجماعته في 30 حزيران 1973، الذي كان قد خطط بإتقان لقتل البكر وصدام وبقية الوزراء في مطار بغداد الدولي لدى تواجدهم لإستقبال البكر العائد من بلغاريا، وكان ناظم كزار قد اعتقل وزيري الدفاع والداخلية، وبعد انكشاف المحاولة قام بقتل وزير الدفاع حماد شهاب ولكن وزير الداخلية سعدون غيدان فلت من القتل، وتم القبض على كزار وهو في طريق الهرب باتجاه ايران، واعدم، وكان البعض يتصور أن هذه الأحداث الجنائية التي هزت بغداد وعموم محافظات العراق ذات أبعاد سياسية لابد ان يكون بقايا ناظم كزار، او ربما غيره من المعارضين (وهم كثيرون)هم الذين يرتكبوها، او هم الذين يقفون خلف هذه الحوادث المروعة. وكان هذا التصور يطغى حتى على تفكير نظام الحكم آنذاك، ولكن الذي يضعف التفسير السياسي هو ان ضحايا الحوادث اناس عاديون لا علاقة لهم بالسلطة من قريب او من بعيد، لكن التفسير يقوى حين ينظر الى الآثار الأمنية والنفسية التي تنتاب الناس من رعب وخوف وإضطراب، وما خلقته من بلبلة في الوضع الأمني أدت الى إقالة مدير الشرطة العام، ومدير شرطة محافظة بغداد، ومدير مكافحة الأجرام، وتحميلهم مسؤولية التقصير في كشف الحوادث التي وقعت والتراخي في موضوع القبض على الفاعلين، كما أصدرت السلطة قرارا بإيقاف برنامج الشرطة التلفزيوني الشهير (الشرطة في خدمة الشعب) !!!. الاستعانة بخبراء من فرنسا والاتحاد السوفيتي: وكانت الاجهزة الامنية والحزبية كلها قد ادخلت في اقصى درجات الانذار، كما تم استدعاء خبراء من الاتحاد السوفيتي وفرنسا بينهم مديرا شرطة موسكو وباريس،للمعاونة في اجراءات وتحقيقات الشرطة العراقية في تعقب الفاعلين. منع تجوال في بغداد وتفتيش المساكن: وعلى اثر المعلومات التي قدمها الخبراء الاجانب عن مواصفات الجاني (من حيث الطول خاصة) جرت حملة شاملة في الأول من تشرين الأول 1973 الموافق للثالث من رمضان وصادف يوم جمعة، إعلان منع تجول شامل في عموم بغداد....
وتم إغلاق مطار بغداد الدولي في وجه حركة الملاحة الجوية، وقاد الحملة طه الجزراوي وتم تقسيم بغداد الى قطاعات ساهم في الحملة مسؤولون حزبيون إضافة الى الأجهزة الأمنية والشرطة، وتم تفتيش جميع الدور في بغداد للبحث عن اشخاص بمثل مواصفات ابو طبر التي اعطاها الخبراء الروس والفرنسيون، ولكن بدون أي نتيجة (ومما يجدر ذكره في هذا المجال أن الفاعل وهو حاتم كاظم هضم كان قد شارك مع الرفاق الحزبيين في منطقة البياع والعامل وأم الطبول في حملة التفتيش بإعتباره كان من الرفاق في المنطقة!!)... علما ان اجهزة الامن العامة استغلت هذه الحملة الكبيرة للبحث عن المطلوبين من السياسيين والمعارضين وتم القبض على كثيرين من خلال حملات المداهمة والتفتيش. وأستمرت القناعات الحكومية بأن للحوادث أبعادا سياسية، وحتى حين تم القبض على حاتم كاظم هضم، من قبل الشرطة، لم تقتنع السلطة بتحقيقات الشرطة وخشيت ان تقوم الشرطة بـ (لفلفة) الموضوع!!، فأمرت بإحالة التحقيق الى جهاز المخابرات، ومع ذلك لم يتم التوصل الى الأبعاد أو الدوافع السياسية للحوادث، ولم يظهر وجود صلة لأبي طبر مع مخابرات أجنبية أو عناصر سياسية. ولابد لي من الاقرار بان الاجهزة الامنية والتحقيقية، في تلك المرحلة وبسبب حالة الارباك والفوضى والنقد الشعبي الواسع وحالة الرعب التي اصابت الناس، كانت تستعجل في القبض على اشخاص تحت طائلة الشبهة والشك، بمن فيهم مسجلين سابقا، او متهمين بحوادث عادية، لانها كانت تقع تحت ضغط من السلطة ومن الناس للاستعجال في كشف المجرم.. وكثير من الابرياء بمن فيهم اشخاص ذوي صلة بالضحايا نالوا اجراءات قاسية تصل للاعتقال والتعذيب بسبب التوسع في دائرة الشك من قبل الاجهزة. الى ان جاءت حرب تشرين (10 رمضان) فانشغل الناس قي اخبار الحرب ونسوا قضية ابو طبر الذي هو ايضا انطوى وترك ارتكاب الجرائم من تشرين الاول 1973 الى ايلول 1974 حيث تم القبض عليه.
من هو (أبو طبر) ؟ تقول اضبارته الجنائية في التسجيل الجنائي ان اسمه (حاتم كاظم هضم) من مواليد 1932 في قضاء المسيب بالحلة ((وهنا عليَّ أن أقرّ بأن العائلة التي ينتسب إليها حاتم كاظم المسماة ((آل الهضم)) في المسيب من العوائل الكريمة والمعروفة، لكن لكل قاعدة شواذ، ولاتخلو عشيرة أو قبيلة في اي مكان وزمان من أناس شواذ يخرجون عن طور سمعة وتقاليد العشيرة وهو أمر لا يخل بسمعة العشيرة)، أكمل حاتم الدراسة الابتدائية عام 1946 والمتوسطة 1949 ودخل مدرسة المفوضين عام 1949 وتخرج منها عام 1951 برتبة مفوض ونسب إلى شرطة لواء الحلة، لكنه ما لبث أن فصل من الخدمة عام 1952 لأسباب مهنية ضبطية. بنفس السنة عاد للدراسة وأكمل الرابع الثانوي عام 1953 والتحق بكلية القوة الجوية (الطيران سابقاً) ولكنه مالبث ان فصل منها عام1956 وهو مازال في الصف الثالث منها لكونه تسبب عمداً في إصابة طائرة التدريب بخلل نتيجة الطيش قيل أنه كان يروم استعراض مهارته بالطيران فوق دار خطيبته في منطقة المسيب.سافر بعدها إلى الكويت عام 1957 للعمل الحر...وعاد إلى العراق عام 1959 واشتغل بوظيفة محاسب جباية في دائرة أوقاف كركوك. ولكنه ما لبث أن فصل منها لتسببه في إحداث أضرار بأموال الدولة وحكمت عليه محكمة كركوك بالسجن لمدة سنتين ونصف.ثم سافر إلى أوربا عام 1962 وتنقل ما بين بلجيكا والنمسا وألمانيا وسويسرا واليونان وإيطاليا والولايات المتحدة...
واستقر فترة طويلة في (ميونخ) بألمانيا الغربية حيث كان يعمل في تهريب السيارات والأسلحة من بلجيكا وألمانيا إلى اليونان وتركيا وسوريا لحساب مهربين وتجار ألمان ويونانيين. كان يجيد إضافة إلى العربية اللغات الإنكليزية والألمانية والفارسية والكردية. يشير سجله الجنائي الى انه قد تم توقيفه عدة مرات خارج العراق بسبب التورط في حوادث الشجار أو انكشاف التهريب وحكم عليه في إحدى الدول الأوربية بالحبس لمدة عشرة أشهر عاد بعدها إلى العراق. كما تضيف صحيفة أعماله الجنائية القول:
أنه مجرم خطر، يدخن بإفراط ويحتسي الخمور الإفرنجية والعرق، كان يهوى النساء ويقيم علاقات جنسية معهن وكان يفضل الطبيبات وكان لا يتردد عن قتل ضحيته إذا امتنعت عن تلبية رغباته.قام عام 1970 بتزوير شهادة عدم محكومية لتفادي كشف محكوميته السابقة إذ كان كلما يتقدم بطلب لشهادة عدم المحكومية، تظهر سوابقه فيمنع من تلك الشهادة، حتى تفتقت ذهنيته الإجرامية عن تزوير شهادة عدم محكومية حقيقية بوضع صورته عليها ومسح اسم صاحبها بمادة كيميائية وكتابة اسمه فوق المسح وتكملة ختم الشهادة على صورته بالقلم. وقد كنت ضمن فريق الخبراء الذي قام بفحص هذه الشهادة المزورة وكشف التزوير الحاصل فيها.
الجرائم التي ارتكبها (أبو طبر): بعد ان تم القبض على ابو طبر اعترف بأنه إرتكب الحوادث التالية: 1.قام بقتل شخص يهودي يجهل اسمه في منطقة البتاويين كان يظنه من الأثرياء لكن بعد تنفيذ جريمته وجده لا يملك شيئا . جريمة قتل المجني عليها المرحومة (ماجدة الحمامي) زوجة المدعو (رشيد مراد رشيد) في منطقة المنصور بالاشتراك مع ابن شقيقته (حسين علي حسون) حيث دخل المجرم حاتم إلى الدار وصادفته المجني عليها فقام بمسكها وشد وثائقها، وكمم فمها واستفسر منها عن مكان المصوغات والنقود، إلا أنها امتنعت فما كان منه إلا أن يعاجلها بضربة واحدة بـ (هيم) حديدي يحمله فلفظت أنفاسها. ثم قام بتفتيش الدار مع شريكه، إلا أنهما لم يعثرا على شيء سوى قطع زوالي قاما بوضعها في سيارة المجني عليها، ونقلاها إلى دارهما في أم الطبول،ومن ثم قاما بترك السيارة في منطقة العامرية وعاد بسيارة أجرة إلى داره . وكان العقيد إحسان الهرمزي مدير مكافحة الإجرام في بغداد حينها قد استدعى ستة من اشهر محققي مكافحة الاجرام في حينها الى محل الحادث وطلب منهم اجراء الكشف على محل الحادث واستنباط مايرونه من دلائل، والضباط هم كل من (الرائد محمد صالح ضابط الكرادة الشرقية لمكافحة الإجرام، والرائد محمود عبد العزيز ضابط الأعظمية لمكافحة الإجرام، النقيب عبد الكريم الشعلان ضابط الكاظمية لمكافحة الإجرام،النقيب أيوب ياسين ضابط الكرخ لمكافحة الأجرام ...
ملازم الأول طارق عبد لفتة ضابط مدينة الثورة لمكافحة الإجرام..
و الملازم طاهر جليل الحبوش ضابط غربي بغداد لمكافحة الإجرام). بعدها تقرر تأليف لجنة تحقيقية في هذه الجريمة من السادة العقيد عبد القادر الكنعاني مدير شرطة الأعظمية رئيساً والرائد محمود عبد العزيز ضابط مكافحة الأعظمية عضو،الملازم الأول نوري ضابط مركز مكافحة إجرام الكاظمية عضوا، الملازم طاهر جليل ضابط غربي بغداد لمكافحة الإجرام عضو).
2.في يوم 4/9/1973 إرتكب جريمة قتل عميد الشرطة المتقاعد بشير احمد السلمان وعائلته في مدينة الشرطة الأولى (قرب النفق) حيث دخل (حاتم) الدار مع ابن شقيقته (حسين) عن طريق تسلق الجدار إلى الدار المجاورة وبقي في حديقة الدار من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. ومن خلال دار الجيران تسلق (حاتم) الجدار عن طريق السخان ثم فتحة التبريد إلى سطح دار المجني عليه (بشير) وعائلته وكانوا نائمين على سطح الدار (كما هي عادة اهل بغداد في الصيف بسبب الحرارة) وبعد أن تأكد من أنهم جميعاً نائمين بدأ بقتلهم مبتدئاً بـ (بشير) حيث ضربه على رأسه ثم زوجة بشير (بشرى أحمد خليل) معلمة في مدرسة الأزدهار كما قتل ابنهما (احمد) 12 سنة طالب في الصف الرابع الابتدائي، كما قتل شخصاً رابعاً تبين أنه (إحسان جميل احمد) 21 سنة طالب جامعة وهو ابن شقيق زوجة بشير،وكان ضيفاً لديهم، ثم قام مع ابن شقيقته (حسين) بإنزال الجثث من السطح إلى داخل الدار ووضعوهم في بانيو الحمام، أما الإمرأة فقد وضعها على سرير المنام. ثم نقلا المسروقات بسيارة المجني عليه إلى دارهما ومن ثم قاما بترك السيارة خلف مستشفى اليرموك .
3.في اواخر شهر ايلول 1973 ارتكب جريمة قتل عائلة المدعو (جان آرنيست) في منطقة كرادة مريم (على مبعدة 200 متر عن بوابة القصر الجمهوري عند الجسر المعلق) بعد أن قام بالترصد والتأكد من قلة عدد أفراد الدار، وكان يصطحب عدته المعهودة التي استعملها في معظم جرائمه والمكونة من (قضيب حديدي) ومسدس وقفازات، وذهب للدار حوالي الواحدة ظهراً وبصحبته ابن شقيقته (حسين) . وحين دخل حاتم الباب الخارجي وطرق الباب الداخلي فتحت له صاحبة الدار الباب وبادرها بسؤال سريع (من منكم مسافر خارج العراق؟) أجابته: ( نحن مسافرون غدا)ً، وحين لاحظ أن الشكوك تبدو على الإمرأة تجاهه، عاجلها بضربة بالقضيب الحديدي على رأسها أسقطها صريعة أرضاً . .ومن ثم جاءت ابنتها، فضربها على رأسها وسقطت صريعة على الأرض، ثم قام بفتح الباب لابن شقيقته (حسين) ثم انتقلا إلى غرف الدار فوجدا بنتاً اخرى نائمة في الفراش فضربها بنفس الآلة، ثم قام وابن شقيقته بسرقة بعض الأغراض من البيت، ونقلاها بسيارة المجني عليها إلى دارهما في ام الطبول،وبعد ان افرغ محتويات السيارة من المواد المسروقة، قام بسياقة السيارة الى منطقة مدينة الشرطة وهناك ترك السيارة وعاد الى داره بسيارة أجرة.وكان حاتم خلال عملية ضرب المجني عليهن بالقضيب الحديدي قد أخطأ وأصاب ابن شقيقته (حسين) إصابة جعلته ينزف دماً في الدار. وقد انتبه خبراء الأدلة الجنائية فيما بعد إلى وجود دماء في الدار لا يطابق صنفها مع دم المجني عليهن . 4.أما آخر جريمة قتل ارتكبها فهي قيامه بقتل حلاق (يجهل اسمه) في منطقة النعيرية والكيارة، وقام بسرقة مخشلات ذهبية ونقود وأثاث وسجاد وذلك بسيارة المجني عليه وتركها في منطقة الشعلة، وقد اشترك معه في ارتكاب الجريمة قريبه المدعو حمد عبد المهدي . 5.كان أشقاء (حاتم) كل من حازم وغالب ووالدتهم وزوجة حاتم يشاركونه في جرائمه من خلال معاونته في تصريف المواد المسروقة، والتستر على أفعاله الجرمية . 6.محاولة سرقة دار الدكتور احمد العندليب، حيث ترصد (حاتم) مع (حسين) دار الدكتور بعد أن عرف أنه غني ويمتلك نقوداً وذهباً وحين دخل الدار لم يجد أحداً وإنما قام بنقل الذهب والنقود والأثاث بسيارة إلى داره . 7.وحين وجه المحقق سؤاله إلى (حاتم) : أليس بإمكانكم أن تنفذوا ما تريدون من جرائم سرقة .... دون اللجوء إلى القتل ؟ أجاب حاتم : (إن سبب لجوئي إلى القتل يعود لسببين : الأول إن الخطة التي كنت ارسمها لدخول الدار مقتحماً و سيكون أصحاب الدار في حالة يقظة . . والحالة هذه لا أستطيع أن أقوم بالسرقة أو الاغتصاب .... إلا عن طريق القضاء على من في الدار . ومن ناحية أخرى إن قتل أهل الدار يفسح المجال لي للتصرف بحرية . بالإضافة إلى عامل آخر هو إني كنت تحت ظروف نفسية (....؟) تدفعني للقتل، حتى ولو تطلب الأمر شرب دماء البشر ) !!
كيف تم القبض على أبو طبر قَدراً ؟ استخبرت سيطرة النجدة في الساعة 14.55 من بعد ظهر يوم 30/3/1974 هاتفياً من عائلة أميل رؤوف مخبرين بوجود لص داخل الدار المجاورة لهم الواقعة في شارع الصناعة والعائدة للدكتور يوسف بولص بيدروس الجادرجي .وحضرت دورية النجدة وقبضت على المدعو (حاتم كاظم هضم) الذي أدعى في البداية أنه ضابط طيار متقاعد، مما اثار شكوك الدورية، ثم تراجع وقال أنه صاحب محل في ناحية الاسكندرية، وقد سلمته دورية النجدة إلى مكتب مكافحة الإجرام في الكرادة، وهناك اعترف أنه دخل الدار وهي خالية من ساكنيها عن طريق كسر الباب وخلع الشباك وقام بتجميع المواد الثمينة تمهيداً لنقلها،وعثر بحوزته على مسدس حجم 5 ملم مع شاجور و 6 أطلاقات ودرنفيس وشيش حديد (قضيب) مع حربة مع سلك طويل نهايته (جنكال) . وعند انتقال هيئة التحقيق إلى دار المتهم (حاتم) عثروا على كثير من المسروقات التي تطابق أوصاف المواد المسروقة من دور الضحايا . وكانت اللجنة تبحث عن سروال من قماش نادر ثمين كان الجاني قد سرقه من دار المدعو (جان آرنيست) . وقد ضبط السروال في دار المتهم غالب كما تم ضبط راديو مسجل نادر مسروق من دار جان آرنست كما عثر على تلفزيون صغير كان قد سرق من دار ماجدة الحمامي ومعه منشفة حمام كان المجرم قد حملها مع الجهاز.
شرطة بغداد تستنفر قوتها على أثر وقوع الجريمة الثالثة (جريمة قتل بشير السلمان) وجه مدير شرطة محافظة بغداد برقية الى جميع أقسام بغداد، جاء فيها : (وقعت حادثة خطيرة ثالثة في مدينة الشرطة راح ضحيتها أربعة مواطنين أبرياء . وضابط شرطة قديم ، زوجته، طفله، شاب قريب له .. ولغرض اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية أرواح المواطنين اطلب إليكم كافة استنفار جميع مرتباتكم بجميع صنوفهم للقيام بالدوريات والمراقبات والاستخبارات لتقصي آثار الجناة المجرمين، وإننا إذ نقدر فيكم الروح والشهامة الإنسانية للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة، نعلمكم بأن وزير الداخلية قد أمر بتخصيص مكافأة قدرها خمسمائة دينار لكل من يدلي بمعلومات حول الموضوع أو يقدم النتائج المساعدة في هذا المجال). كما عمم مدير شرطة بغداد برقية أخرى إلى جميع المديريات جاء فيها : (لمقتضيات المصلحة العامة ومتطلبات الأمن واستكمالا للإجراءات التحقيقية الجارية بصدد الموضوع اطلب إليكم مراقبة جميع الأشخاص المشتبه بهم من المراهقين الذين يتجولون في غير مناطق سكناهم). الأشخاص الذين كان لهم دور في القبض على حاتم كاظم أشار كتاب مديرية شرطة بغداد 7402 في 9/9/1974 ان الأشخاص الذين كان لهم دور في القبض على المجرم حاتم هم كل من : 1.المواطن فيصل عباس سلمان : حارس الدار العائدة للدكتور يوسف الجادرجي 2.المواطن أميل رؤوف جبوري : طبيب بيطري يسكن الدار المقابلة للدكتور يوسف وقام بتعقيب المتهم مع الحارس وأخبر شرطة النجدة . 3.المواطن سعد عبد الله حمزة / طالب يسكن المنطقة نفسها حيث دخل المتهم بعد القبض عليه . 4.دورية النجدة : كل من المفوض أحمد علوان محمد والمفوض لطيف أحمد. 5.هيئة التحقيق من مكافحة الإجرام التي حققت مع المجرم حاتم كاظم هضم وزمرته، هم كل من: •مقدم الشرطة فيصل محجوب: مدير شرطة مكافحة الإجرام • رائد الشرطة منذر سليم حمدي: معاون مدير مكافحة الاجرام •نقيب الشرطة مناف عبد الكريم حسين الصالحي ضابط المكتب الجنائي • ملازم الشرطة إدريس حسن البدراني معاون مكتب الكرادة لمكافحة الأجرام •كما شارك معهم (18) منتسباً من شرطة بغداد (المحلية والمكافحة) كمفارز للقبض والتحري والتفتيش .
ماذا قال المرحوم فيصل محجوب عن أبو طبر: نشرت مجلة ألف باء في الثمانينات لقاء صحفياً أجراه الصحفي سلام الشماع مع المرحوم عقيد الشرطة فيصل محجوب كشف فيه بعض الاسرار والتفاصيل عن جرائم ابو طبر وعن كيفية اعتقاله والتحقيق معه. يقول المرحوم فيصل محجوب: اقتحم (أبو طبر) دار طبيب كان مسافراً إلى خارج العراق وليس في الدار غير الحارس، فصرخ الحارس في وجه (أبو طبر) وطارده فأجتمع شباب المنطقة وشاهدت إحدى الجارات، وهي معلمة، ما يحدث فأسرعت وأخبرت شرطة النجدة، التي تعقبته حتى ألقت القبض عليه.. كنت، وقتها، مديراً لمكافحة الإجرام في بغداد، وكنت، في تلك الأيام أتمتع بأجازة في الموصل ورن جرس الهاتف في البيت، وإذا على الطرف الآخر من الخط مساعدي (مناف الصالحي) يدعوني للتوجه إلى بغداد في الحال.. موضحاً لي أنهم ألقوا القبض على شخص (وضعيته) غريبة ويشتبه بأنه هو (أبو طبر)، الذي استنفرت الدولة أجهزتها كلها للقبض عليه.. قلت له: احتفظوا به حتى أصل إلى بغداد.. قال لي: تعال بسرعة لأن مدير الشرطة العام طلب ذلك.. وفعلاً اتصل بي مدير الشرطة العام، بعد دقائق، من إغلاق الخط مع مناف الصالحي وقال لي: نحن بانتظارك.. فأسرع بالمجيء لتحقق مع هذا الشخص فقد يكون هو (أبو طبر) فنريح ونستريح.. فامتثلت للأمر وحضرت إلى بغداد وطلب مني مدير الشرطة العام الذهاب إلى الكرادة الشرقية للمباشرة بالتحقيق مع الشخص المذكور.. وقد اصطحبت معي مساعدي مناف الصالحي وذهبنا إلى الكرادة الشرقية واستدعيت المتهم. لابد أن تعرف، في البداية، أني لا أميل أبداً إلى استعمال العنف في التحقيق وألجأ دائماً إلى أسلوب المجاملة، بعد التعرف على شخصية المشتبه به وميوله النفسية ،ولكني اتفقت مع مساعدي مناف الصالحي على أن يدخل علينا ويطلب مني السماح له باستعمال العنف مع المتهم ليعترف.. عندما جيء به قال لي إنه ضابط طيار متقاعد، وأراني هوية ضابط طيار.. فأجلسته، وبينما أنا أتحدث معه دخل مناف الصالحي وقال لي:(سيدي إن هذا الشخص لا يريد أن يعترف فلنأخذه ونذيقه مرّ العذاب حتى يعترف).. فرفضت بشدة وقلت له كيف تعذب ضابطاً طياراً.. اتركه ولا شأن لك به.. وعندما خرج مناف الصالحي من الغرفة بذلت محاولاتي مع المتهم لدفعه إلى الاعتراف ولكنه لم يعترف، وعند الظهر شعرت بالجوع فأعطيت أحد أفراد الشرطة ديناراً وطلبت منه أن يجلب لنا نصف دجاجة.. وضعت الطعام على المكتب ودعوت المتهم لتناول الغداء معي فرفض ولكني ألححت عليه، ثم شربنا الشاي سوية.. ساورني شك قوي بأن هذا المتهم هو (أبو طبر) بعينه لأن شرطة النجدة وجدت معه حقيبة جلدية جلبتها إليّ فيها (جطل) سيارة وحديدة رفيعة ومسننة، قيل لي إنها جزء من أجزاء السيارة. وزاد الشك في داخلي أن هذا المتهم ارتكب جرائم عدة.. وسألته عن محل سكناه، فأخبرني أنه يسكن قرب جامع (أم الطبول). فطلبت من (مناف الصالحي) أن يجلب كل ما يشك به من مواد وأثاث كانت لدينا صورها.
عدل سابقا من قبل Dr.Hannani Maya في السبت 3 ديسمبر 2016 - 5:30 عدل 1 مرات
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: رد: محطات في تاريخ شرطة العراق: قراءة في ملف جرائم "أبو طبر" بعد أكثر من ٤٠ عاماً السبت 3 ديسمبر 2016 - 5:28
وماذا وجدتم؟ كان احد البيوت المسروقة لمهندس متقاعد يعمل مقاولاً وقد سرقت منه سجادات صغيرة وقتلت خادمة البيت، وقد التقطنا صوراً للمسروقات.. وعندما عاد مناف قال لي:(أبشّرك يا سيدي فقد عثرت على السجادات المسروقة من دار المهندس في بيت المتهم).. وهذا ما جعلني أثق أن هذا المتهم هو (أبو طبر) لأنه عندما سرق بيت المهندس ضرب الخادمة بطبر على رأسها، والحادثة الأخرى هي حادثة جان آرنست، الذي كان بيته في كرادة مريم وكان (أبو طبر) قد سرقه وضرب زوجته بالحديدة المسننة على رأسها وعندما نزلت ابنتها من الطابق الثاني وهي تصرخ لحق بها وضربها على رأسها بالطريقة نفسها.. وكانت خادمة البيت نائمة وعندما استيقظت ضربها على رأسها فأغمى عليها، فظنّ (أبو طبر) أنها ماتت بعد أن تلطخت يداه بدمها.. ولما صعد إلى الطابق الثاني امسك (المحجّر)، الذي على السلم فرسمت كفه وفيها الدم..ثم أن (أبو طبر)، قبل تنفيذه هذه الجريمة، كان قد نفذ جريمة أخرى بالأسلوب نفسه هي جريمة قتل المرحوم بشير احمد السلمان مدير شرطة كركوك الأسبق وزوجته وولده وأحد أقاربهم يشاركه ابن أخته حسين.. ولكني لم أبين أمام المتهم أني اعرف ذلك كله وبقيت أجامله وقد مال هو إليّ نتيجة ممانعتي استعمال العنف ضده ومجاملتي الزائدة له،ولكني أرسلت في طلبه يوماً وكلمته وأنا أتصنع أني شارد الذهن مهموماً اضرب أخماساً بأسداس.. فسألني المتهم حاتم كاظم هضم (أبو طبر) عما بي وما إذا كان ثمة ما يضايقني فرويت له أن وزير الداخلية هددني بالنقل إلى نقطة نائية على الحدود وبالعقوبة إذا لم اكتشف من هو مرتكب الجرائم التي أقلقت بغداد وأرعبتها.. وفجأة قال لي المتهم حاتم: اكتب..اكتب..أنا(أبو طبر) وأنا الذي ارتكبت هذه الجرائم! الخبز والملح وما الإجراء الذي اتخذته عندما سمعت هذا الاعتراف الصريح؟ ابتسم المرحوم فيصل محجوب قبل أن يقول لي: - لقد تصنعت عدم التصديق وقلت له إن (الخبز والملح) الذي أكلناه سوية وعلاقتنا القوية جعلك تفعل ذلك لتنقذني من النقل والعقوبة وأنا صاحب عائلة كبيرة فأخذ المتهم يقسم لي انه هو (أبو طبر).. فخرجت من الغرفة بحجة الذهاب إلى المغاسل واتصلت بمدير الشرطة العام من غرفة مجاورة وزففت إليه البشرى باعتراف المتهم حاتم كاظم هضم بأنه هو (أبو طبر)، فأتصل المدير العام بوزير الداخلية، الذي طلب مني إنهاء التحقيق مع (أبو طبر) وإحالته إلى لجنة خاصة شكلت للتحقيق معه.. ونشرت وسائل الإعلام كلها نبأ تشكيل اللجنة التحقيقية التي ستحقق مع (أبو طبر) والمكونة من حاكم ومعاون أمن وأنا بينهم.. وذهبت إلى مديرية الأمن العامة مصطحباً (أبو طبر) ،فوجدت بانتظاري العضوين الآخرين في اللجنة التحقيقية، اذ أودع (أبو طبر) في موقف مديرية الأمن العامة، واتفقنا على أن نأتي كل يوم للتحقيق مع (أبو طبر) مستعينين بالتحقيق الأولي الذي أجريته معه.
مقتل حلاق * وما الجديد الذي حصل في هذا التحقيق؟ - استعرضنا الجرائم والحوادث كلها،التي حصلت في بغداد وروي لنا (أبو طبر) حادثة مضحكة، هي أن زوجته كانت مريضة وذهب بها إلى الطبيب، فطلب منه الطبيب الخروج من غرفة الفحص ليقوم بفحصها ولما أبدى رفضه زجره الطبيب.. فخرج (أبو طبر) من غرفة الفحص وقرر في نفسه أن يقتل الطبيب ،فأعاد زوجته إلى البيت وعاد لينتظر الطبيب حتى خرج من العيادة ومشى خلفه حتى تعرف على السيارة وأخفى نفسه ،فقاد الطبيب سيارته ودخل بها إلى مرأب بيته ودخل الدار، فقفز (أبو طبر) من صندوق السيارة وتسلق بسرعة نخلة كانت في حديقة الدار وبقي ينتظر حتى ينام من في الدار ليقتل الطبيب، ولم يطل انتظاره فقد أخذ يسمع لغطاً في دار الطبيب تحول إلى عياط وصراخ ثم أخذ الناس يدخلون ويخرجون من بيت الطبيب، ثم تبين أن الدكتور قد فارق الحياة، وقبل الفجر نزل (أبو طبر) من النخلة وذهب إلى حال سبيله! وروى لنا (أبو طبر) حادثة أخرى عن حلاق قتله بعد أن تعقبه إلى بيته، والسبب أنهما اختلفا على أجرة الحلاقة وقال الحلاق لـ(أبو طبر): لو كان عندي مادة لاصقة للصقت شعرك على رأسك مرة أخرى، وكنا قد ساورنا الشك بزوجة الحلاق وتم توقيفها، وعندما حصلنا على هذا الاعتراف من (أبو طبر) أطلقنا سراحها
أهم الدروس المستنبطة من تلك الجرائم 1.إن المجرم الذي يرتكب جريمته، و مهما تحوط واحترز واختفى، لابد أن يقع في قبضة العدالة وينال جزاءه العادل . 2.إن العمل العلمي الدقيق، والهادئ غير المنفعل والمستند إلى ربط الوقائع يؤدي إلى كشف الجريمة . 3.أهمية دور المواطن في الإبلاغ الفوري عن أية حالة اشتباه، والأتصال بالشرطة حين يلحظ حركة مشبوهة أو شخصا يتردد على المنطقة بوضع يجلب الريبة والشكوك. 4.أهمية مقاومة الإشاعات وعدم ترويج الأقاويل والدعايات الكاذبة التي يبثها البعض بحسن نية نتيجة الخوف والقلق، او بسوء نية من أجل خلق البلبلة والفتنة . 5.لا يتورط في ارتكاب الجرائم البشعة والجماعية غير أصحاب النيات الإجرامية والذين يمتلكون الاستعداد والتأهيل . 6.أثر واهمية دور العائلة في منع المجرم من القيام بجرائمه وعدم الانصياع لرغباته، ولو وقفت عائلة (حاتم) ضده وضد مشروعاته الجرمية و منذ جريمته الأولى لما أستمر حاتم بجرائمه، غير ؟أن تستر عائلته عليه ومعاونتها له في تنفيذ جرائمه ومعاونته في اخفاء المسروقات وفي تصريفها، وعاونته في إجرامه مما شجعه على المزيد . 7.أهمية اتخاذ المواطن للاحتياطات الأمنية اللازمة لمنع المجرم من ارتكاب الجريمة.
تحريف قصة ابو طبر تلفزيونيا لاغراض سياسية ايديولوجية: في السنوات الاخيرة، تم استثمار بل استغلال قصة ابو طبر من اطراف سياسية للتاليب ضد النظام السابق، من خلال اتهام النظام بانه كان وراء جرائم ابو طبر، والمستفيد منها، ومنها ما قامت به احدى القنوات الفضائية العراقية باعادة تمثيل جرائم ابو طبر واظهاره بمظهر المدفوع من مخابرات النظام لارتكاب افعاله الاجرامية او ان النظام ارادها لتصفية خصومه.المشكلة في هذا المسلسل أنه يوثق لمرحلة تاريخية أراد المسلسل محاكمتها وفقا لقناعاته السياسية والشخصية، من خلال إصطناع التوثيق حدّ التزييف، لكنه بدلا من اختيار عنوان للمسلسل يضم المرحلة التاريخية الخاضعة للمحاكمة الدرامية التوثيقية، نجد المنتج اختار إسم شخصية إجرامية أرعبت بغداد لبضعة أشهر خلال فترة النصف الثاني من عام 1973، وحشر في حلقاته الـ29 أحداث تعود لفترات من 1968 إلى 1979 تقريبا، وهذا مأخذ تاريخي يضاف إلى مأخذ الأمانة والدقة، خصوصا وأن ثلث العراقيين تقريبا مازالو يحملون ذكريات وقصص تلك الحقبة التاريخية التي عاصرو احداثها وشهدوها، ويستطيعون أن يحكموا عليها، ولا ننكر أن للأجيال الأخرى من عراقيي اليوم القدرة على الربط والتحليل والتقييم لأسلوب تناول الدراما لتلك الحقبة وتمييز المقبول من المتناقض والمرفوض. لاشك أن المسلسل، كُتِبَ من وجهة نظر خصوم للنظام السابق، وأنفقت عليه ميزانية ضخمة جدا، وإمكانات هائلة، وقام بتأدية الأدوار ممثلون على درجة من المهارة والقدرة الفنية، لكنهم كانوا أسارى الوهم الذي اصطنعه معدو المسلسل في محاولة لإقناع المشاهدين بوجهات نظرهم الخاصة!!. بان هذه الشخصية هي من بنات افكار المخابرات العراقية وانها صنيعة مخابراتية كان الهدف منها تنفيذ مخططات اغتيالات واعتقالات لعدد من الشخصيات السياسية المعارضة آنذاك!!
إشكالية قانونية مع عائلة (آل هضم): عائلة حاتم، أو عشيرته، كانوا ممتعضين جدا من إقدام القناة على إنتاج المسلسل دون أخذ موافقتهم، وهذا شأن إعتباري قانوني، كان يجب على منتجي المسلسل أن يلاحظوه وأعتقد أن من حق العائلة أن تقاضي منتجي المسلسل عن القيام بإختيار شخصية بل مجموعة من عائلة (آل هضم) وتمثيل قصتهم، فضلا عن التغيير الحاصل في الوقائع، ومن يريد الإطلاع على تلك التحريفات فليراجع مقالتنا السابقة "محاكمة شرطية لمسلسل أبو طبر" على العديد من المواقع الالكترونية.
لا أتفق مع نظرية المؤامرة في قضية ابو طبر
ليس دفاعا عن نظام الحكم آنذاك، ولا عن جهاز مخابراته، إلا أنني لا اتفق مع ما يذهب اليه منتجو المسلسل من محاولة الترويج الى ان شخصية ابو طبر صناعة حكومية مخابراتية، وانه استخدم من قبل الدولة لتصفية معارضين لها، فهذه الامور لاتقوى على دليل ولا برهان وإنما هي محض خيال وتصورات، ولا يمكن قبولها عقلا، فالنظام الحاكم كان مازال في سنواته الاولى، وكان بحاجة لتثبيت اقدامه على الارض، ولا شك ان الامن هو احد ركائز اقامة واستمرار اي نظام، وان جرائم ابو طبر كانت تشكل اعظم تهديد للوضع الامني، وللنظام الذي كان على شفى الانهيار بسبب تكرار جرائم ابو طبر في مناطق متعددة دون ان تسفر جهود الدولة والحكومة والحزب في كشفها وانهائها. وهي الجرائم الوحيدة التي استعانت الدولة فيها باجهزة امن عالمية اخرى حيث تم الاستعانة بخبراء فرنسيين وخبراء من الاتحاد السوفيتي، لفحص مسارح جرائم ابو طبر والمبرزات التي خلفها في تلكم المسارح، واعطى الخبراء الروس والفرنسيون ملاحظات واستنتاجات فنية الى الجهات القائمة بالتحقيق. ولو كانت الدولة او اجهزة امنها ومخابراتها تريد تصفية ضحايا جرائم ابو طبر، فكان بامكانها ان تصفيهم واحدا تلو الآخر دون الحاجة الى قتل الابرياء من النساء والاطفال معهم بشكل وحشي، كما أن تلك الجرائم كانت تشكل تقويضا وتهديدا للامن والنظام العام واقدمت السلطة حينها على عدة اجراءات ادارية منها إستبدال وزير الداخلية واقالة مدير الشرطة العام ومدير شرطة بغداد ومدير النجدة بتهمة التقصير في كشف هذه الجرائم البشعة التي هزت المجتمع العراقي عموما والبغدادي خصوصا على مدى عام كامل. وكانت على وشك ان تقوض النظام الأمني كله لولا وقوع حرب تشرين في العاشر من رمضان 1973التي الهبت المشاعر القومية للعراقيين وجعلتهم ينسون جرائم ابو طبر وانصرفوا لمتابعة اخبار القتال على الجبهة السورية وحركة الجيش العراقي بمدرعاته باتجاه الجبهة السورية، حتى إنتشرت إشاعة ساخرة في بغداد حينها "أنّ أبو طبر إلتحق جنديا بالجبهة!".. وفعلا فقد انقطعت جرائم ابو طبر بعد حرب تشرين لعدة شهور!
اللواء مناف الصالحي
الدولة هي التي كانت تتوقع ان تكون مخابرات اجنبية وراء هذه الجرائم.. اما موضوع استغلال الدولة لتلك الحوادث الأجرامية البشعة في ملاحقة خصومها، فأود أن أعيد التاكيد على امرين هامين:
الاول ان الدولة كانت تضع في حساباتها وتوقعاتها ان تكون جرائم ابو طبر من فعل او تخطيط جهات معادية سواء مخابرات اجنبية او عناصر معارضة من داخل العراق أو خارجه بغية اسقاط النظام وهو في سنواته الاولى، لكن ان يكون بين ضحايا ابو طبر من هم معارضون للنظام فهذا لم يثبت قطعيا، الأمرالآخر بالنسبة لتحركات واجراءات الدولة لكشف الفاعلين، فقد كان قمة ذلك هو يوم فرض منع التجوال الذي فرضته الدولة على بغداد ومنعت حركة الطائرات من والى بغداد، ومنعت التجوال تماما في شوارع العاصمة، وامرت الناس بلزوم دورهم، واتذكر ان ذلك حصل في اول يوم جمعة من شهر رمضان 1973 وقبيل نشوب حرب تشرين بايام قليلة، وقسمت بغداد الى قطاعات.. وكان آمر الخطة هو طه الجزراوي، وتم تجميع عناصر التفتيش في ملعب الادارة المحلية بالمنصور قبل يوم من فرض منع التجوال، وتشكلت مفارز لتفتيش جميع الدور والمباني في بغداد باشرت عملها من الصباح الباكر وحتى وقت متاخر من المساء، وكانت كل مفرزة تتالف من الحزب والامن والمخابرات والشرطة. وقد زودت اللجان التفتيشية بمعلومات وفق المعطيات التي وفرها الخبراء الفرنسيون والسوفييت عن علامات واوصاف المجرم ابو طبر التي استخلصوها من خلال الوقائع الجرمية وآثار الاصابات على الضحايا، واذكر منها مواصفات الطول وضخامة الجسم وهو ما صدق فعلا حين تم القبض على حاتم كاظم. وبالاضافة لذلك كانت هناك معلومات امنية عن اشخاص يشتبه النظام باحتمال صلتهم بهذه الجرائم ومعارضين سياسيين تم التوجيه بالتركيز على تفتيش مساكنهم اكثر من غيرها.
أنا أول من أعاد فتح ملفات ابو طبر في مجلة الشرطة
كنت قد ساهمت خلال اعوام 1996-1998 بنشر سلسلة مقالات بحثية توثيقية في مجلة الشرطة العراقية التي كنت أرأس تحريرها عن "جرائم ابو طبر"، وسرعان ماتلقفت هذه الحلقات "قناة الشباب التلفزيونية" آنذاك بما لديها من امكانات وقدرات حرة على الحركة والانتاج، وانتجت سلسلة من برنامج وثائقي معززا بمشاهد تمثيلية تناول جرائم ابو طبر استنادا الى الملفات التحقيقية التي وفرناها لهم من ارشيف الشرطة والصور والافلام المتوفرة عن الكشف على مسارح الجرائم، فضلا عن توفير لقاءات مباشرة مع القائمين بالتحقيق حينها من كبار ضباط الشرطة والذين سردوا الوقائع كما حصلت من خلال تجربتهم ومعاينتهم واشتراكهم في التحقيق. وما زلت اعتقد ان قضية جرائم أبو طبر تصلح لان تتحول الى دراما تلفزيوني شيّق شريطة توخي الدقة والموضوعية والتزام الوقائع وعدم ادلجة الموضوع او تسييسه بما يخدم مواقف مسبقة من بنات افكار منتجي هذا المسلسل . بالنسبة لي شخصيا كنت حين وقعت حوادث ابو طبر 1973 ضابط شرطة برتبة ملازم اول عايشت التحقيق في جرائم ابو طبر (كوني حينها خبيرا بالادلة الجنائية والآثار الجرمية وعليه حضرت عددا من مسارح جرائم ابو طبر) كما اشتركت في فحص بعض المبرزات الجرمية من خطوط وبصمات ودماء من مخلفات جرائم ابو طبر. وكانت الشرطة من خلال مكافحة الاجرام هي التي تتولى التحقيق في جرائم ابو طبر بدءا من اولاها انتهاء بالقبض عليه في الكرادة منطقة ساحة 52 او ساحة الواثق. إلا أنه بعد القبض على حاتم كاظم واعترافه بجرائمه تم تشكيل لجنة مشتركة من الشرطة والامن والمخابرات تولت التحقيق مع حاتم وجماعته، وكان مقر اللجنة في البتاوين (حاكمية المخابرات) وسبب اشراك المخابرات في اللجنة التحقيقية كان هو ظن واعتقاد الدولة آنذاك ان حاتم ربما يكون عميلا أو مجنداً لأحد أجهزة المخابرات الاجنبية او ان جرائمه ذات صلة بمخابرات اجنبية، ولم يثبت ذلك، وكان الذي يبعث على الاعتقاد بوجود دور للمخابرات الاجنبية المعادية ان الجرائم حصلت في اوائل حكم البعث...
والنظام كان يسعى لتثبيت اقدامه، كما انها حصلت عقب كشف محاولة ناظم كزار اغتيال رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، وكان لابد من التاكد من وجود صلة بين ذلك الحادث والجرائم التي حصلت بعده. ولم تثبت اية صلة بين ذلك الحادث وبين الجرائم التي ارتكبها ابو طبر.
إعدام أبو طبر: اثار المسلسل التلفزيوني الى موضوع أن أبو طبر لم يتم إعدامه، وإنما تم ((تسفيره!!)) من قبل الدولة آنذاك إلى أوربا أو أمريكا (وهي فذلكة جديدة من تهيؤات صناع السلسل)!!! لإستكمال إدعاء أن الدولة كافأت أبو طبر عن تنفيذه ماأمرته به!!! وإذا كان أبو طبر موجود في أوربا فلماذا لم يظهر بعدها أبدا؟ ولماذا لم يكشفه أحد من المعارضين العراقيين الذين كانوا يملأون أوربا وأمريكا؟؟. أراد صناع المسلسل أن يروجوا لنا أن المجرم حاتم (أبو طبر) لم يتم اعدامه، فأظهروا أن عملية إعدام ابو طبر شنقا فشلت ثلاث مرات.. ولسنا ندري من أين جاء منتجو المسلسل بهذه (الفذلكة) التاريخية المزيفة والمناقضة للواقع، وكان بودي أن يطلع منتجو المسلسل على محضر تنفيذ حكم الاعدام بالمجرم حاتم الذي جرى في قاعة الاعدام بسجن أبو غريب، وبتوقيع المسؤولين، وكذلك الإطلاع على ورقة شهادة الوفاة التي نظمها معهد الطب العدلي لجثة حاتم والتي بموجبها تم دفنه...
المرحوم الطبيب العدلي وصفي محمد علي وفي مقابلة اجراها: الصحفي الراحل رشيد الرماحي ونشرت في مجلة الف باء 20 آب 1980 اكد الدكتور وصفي محمد علي انه أجرى الكشف الطبي على جثة المعدوم حاتم كاظم (الشهير بأبي طبر) بعد إحالة الجثة للطب العدلي بعد تنفيذ حكم الاعدام بحقه ومن معه من المشاركين في الجرائم.
اخطاء الاجهزة الامنية في فترة جرائم ابو طبر: نتيجة الضغوطات الشديدة على الاجهزة الامنية للاسراع في كشف الجرائم، وتتابع الحوادث واحدة عقب الاخرى، سواء ضغوطات السلطة او القيادة، وضغوطات الراي العام الذي اصيب بالرعب الجمعي، وقعت الاجهزة الامنية عموما وشرطة مكافحة الاجرام المعنية بالتحقيق في حوادث ابو طبر وقعت في اخطاء فادحة، منها توجيه الاتهام الى بعض ذوي الضحايا المقتولين بارتكاب الجريمة مثلما حدث مع المحامي زوج الضحية ماجدة الحمامي اذ تم اعتقال الزوج واتهامه بانه الفاعل وكذلك قامت المكافحة باعتقال اشخاص للشبهة ومنهم عدد من شقاة بغداد المشهورين، واتذكر انني قابلت احد المعتقلين كان ضابط في الجيش معروف سابقا قبل 17 تموز 1968 بانه من الجهاز الحزبي الخاص بالمهمات الخاصة، وقد تعرض للتعذيب الشديد نظرا لان الشكوك حامت حوله، واعتذر عن ذكر اسمه احتراما لسمعة عائلته ولانه ليس مهما التطرق لاسمه بل اوردته في نطاق التعرف على اخطاء وقعت فيها الاجهزة الامنية، ولا ادعي ان ما فعلته تلك الاجهزة في توجيه الاتهامات هو شئ خطأ، فمقتضيات التحقيق في الجرائم الغامضة شحيحة الادلة تضطر الى توسيع الاتهام ليشمل من يحيطون بالضحية الى ان تنجلي الحقيقة، ولا شك ان للعدالة ضحايا وهؤلاء هم جزء من ضحايا العدالة وخاصة حين يضغط الراي العام من اجل الاسراع في كشف الجرائم ذات الصدى الكبير والمقلقة للمجتمع. ولعل من الطريف أن أذكر أن من محاسن فترة جرائم ابو طبر أنها جمعت شمل العوائل البغدادية، وجعلت الرجال يتحولون الى نواطير لحراسة بيوتهم وعوائلهم، كما أن من حسناتها انها ادت الى تقليل الجرائم بل انعدمت السرقات تماما، لتخوف اللصوص من القبض عليهم واتهامهم بارتكاب جرائم ابو طبر!!!!! ختاما اقول ان جرائم ابو طبر لم تخضع لما يجب ان تخضع اليه من دراسات تحليلية، من النواحي النفسية والاجتماعية والسلوكية والامنية والقانونية والانثروبولوجية، فلم تكتب حولها سوى رسالة ماجستير واحدة في قسم الاجتماع بجامعة بغداد للاستاذة ناهدة عبدالكريم حافظ تم اعتبارها سرية ومحدودة التداول ولم يسمح بنشرها.. وحاولت من خلال مجلة الشرطة في التسعينات ان اعيد فتح ملفات ابو طبر وسارعت محطة تلفزيون الشباب الى توظيف تلك الحلقات والمعلومات لتحويلها الى برنامج تلفزيوني اعتمد اعادة تمثيل الحوادث وعرضت من خلال شاشة تلفزيون الشباب اواسط التسعينات.. وما زالت هناك حاجة لمزيد من التحليلات العلمية لظاهرة أبو طبر في المجتمع العراقي.
محطات في تاريخ شرطة العراق: قراءة في ملف جرائم "أبو طبر" بعد أكثر من ٤٠ عاماً