اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما رسمياً امس انتهاء العمليات القتالية الامريكية في العراق، وقال ان العراقيين باتوا مسؤولين عن أمنهم، ولكن هذا الاعلان لا يعني انتهاء الاحتلال الامريكي للعراق، فما زالت تتواجد على أرضه وحدات عسكرية يزيد عدد افرادها عن خمسين ألفاً مجهزة بالطائرات من مختلف الانواع والاحجام، تتواجد في اكثر من تسعين قاعدة عسكرية منتشرة على طول البلاد وعرضها. القوات الامريكية هربت من العراق بعد ان ادركت، وبعد سبع سنوات من المواجهات الدموية، انها لا تستطيع الاستمرار، وان السيطرة على الاوضاع شبه مستحيلة، ولذلك قررت ان ترمي بمسؤولية فشلها ومشروعها الامني في وجه العراقيين، لكي يتدبروا امرهم بأنفسهم. الامريكيون يتركون العراق مدمراً، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات صحية او تعليمية، يتركونه وقد استنزفته الحروب الطائفية، ومزقت نسيجه الاجتماعي والسياسي، واغرقته في مسلسل من الكوارث يحتاج الى عقود للشفاء من اعراضها. الجريمة الامريكية في العراق هي الاكبر في التاريخ، ولا مبالغة في ذلك، فقد غزوا هذا البلد واحتلوه على اساس اكاذيب اسلحة الدمار الشامل والتعاون مع 'القاعدة'، وحتى غلالة الديمقراطية الواهية التي تستروا خلفها، لم تغط عورتهم، فبعد ستة اشهر من الانتخابات النيابية مازالت عملية ولادة الحكومة تبدو عسيرة للغاية. مليون عراقي قتلوا في اكبر مجزرة جماعية في تاريخ العراق بسبب الغزو الامريكي، وطبقة وسطى كانت مضرب المثل في المنطقة انهارت بالكامل، وخمسة ملايين يتيم عراقي، يهيمون على وجوههم في العراق الجديد دون عائل، ومع ذلك لا يبدي توني بلير احد المهندسين الاساسيين لهذه المجزرة اي ندم على قراره بخوض الحرب في العراق، واذا تأسف فانه يتأسف، كما ورد في مذكراته، لأرواح القتلى البريطانيين الذين سقطوا في هذه الحرب، اما القتلى والجرحى العراقيون فلا عزاء لهم او لاسرهم. الرئيس اوباما يسحب قواته من العراق من اجل تعزيز قواته الاخرى في افغانستان، على أمل ان ينجح في الاخيرة من حيث فشل في الأولى، ولكن الوقائع على الارض تثبت كم هو ساذج وقصير النظر في احكامه هذه. مأزق الرئيس اوباما في افغانستان اكبر بكثير من مأزقه في العراق. بل لا نبالغ اذا قلنا ان افغانستان قد تكون بداية النهاية في مسلسل سقوط الامبراطورية الامريكية العظمى. القوات الامريكية تهرب من المقاومة في العراق لتجد مقاومة اكثر شراسة في افغانستان، فعدد القتلى من الامريكيين في الشهر الماضي الذي فاق المئة، هو الاضخم منذ بدء الاحتلال الامريكي قبل تسع سنوات. ففي الايام الاربعة الماضية فقط قتل24 جندياً امريكياً. المنطق يقول بأن الامريكيين الذين كسروا العراق وحولوه الى شظايا وطن هم الذين تقع عليهم مسؤولية اعادة بنائه، لا ان يتركوه ويهربوا تحت جنح الليل، ولكن كيف نتعامل بالمنطق مع دولة عظمى متغطرسة لا يوجد للمنطق او القانون او حتى الاخلاق مكان في قاموسها؟ الشعب العراقي يجب ان يطالب بتقديم جميع المسؤولين والمشاركين عن احتلال بلاده، عراقيين كانوا ام غربيين، الى محاكم مجرمي الحرب، وتكوين لجان من خبراء القانون الدولي للمطالبة بالتعويضات، عما لحق به من خسائر مادية وبشرية، واول من يجب تقديمهم الى هذه المحاكم توني بلير وجورج بوش ودونالد رامسفيلد وديك تشيني جنباً الى جنب مع طابور طويل من العراقيين يتضمن جميع حكام 'العراق الجديد' دون اي استثناء.
الامريكيون يهربون من العراق : رأي القدس العربي اللندنية