مخاوف من تدمير كلي لغرب الموصل… والحكومة أصرت على بقاء السكان فيها… وهزيمة تنظيم «الدولة» عبر القوة المفرطة تفكير جيد… وخطأ فادح لو دفع المدنيون الثمن
إبراهيم درويش
Mar 29, 2017
لندن ـ «القدس العربي»: اتهمت منظمة أمنستي إنترناشيونال في تقرير لها التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «الدولة» الذي تقوده الولايات المتحدة بعدم اتخاذ الإجراءات الكافية لحماية المدنيين.
وخلافاً للتقارير المتضاربة حول الغارة الجوية التي ضربت ثلاث مبان في غربي الموصل يوم 17 آذار/مارس وقتل فيها المئات، فقد طلب من المدنيين لزوم منازلهم قبل الغارات. واتهمت المنظمة الحقوقية الدولية التحالف الدولي بعدم اتخاذ المعايير الضرورية لحماية المدنيين في المعارك الدائرة بين القوات العراقية ومقاتلي تنظيم «الدولة» المتحصنين في أزقة وشوارع الحي القديم من الموصل.
واعترفت وزارة الدفاع الأمريكية يوم السبت بالهجوم الذي قال سكان محليون إنه قتل العشرات فيما لم تؤكد الولايات المتحدة العدد وتقول إنها تقوم بالتحقق من التقارير.
وقالت وزارة الدفاع إنها تقوم بمراجعة 700 فيلم فيديو لغارات قام بها طيران التحالف الدولي على غربي الموصل.
وقالت دوناتيلا روفيرا، المستشارة البارزة لشؤون الرد على الأزمة في أمنستي «إن قيام السلطات العراقية وبشكل متكرر بنصح المدنيين بالبقاء في بيوتهم بدلاً من مغادرة المنطقة يشير إلى أن قوات التحالف كانت تعي احتمالية تسبب الغارات بضحايا كثر بين المدنيين»، مؤكدة أن الهجمات غير المتناسبة والعشوائية تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وتمثل جريمة حرب. وجاء في تقرير أمنستي أن الأدلة التي جمعت من الميدان في الموصل «تشير لأشكال مثيرة للقلق عن الغارات التي يقوم بها التحالف بقيادة الولايات المتحدة والتي دمرت البيوت بكاملها وقتلت العائلات داخلها».
دمار
وتدور المعركة على استعادة الموصل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2016. ولم تعلن الحكومة العراقية عن اكتمال السيطرة على الجزء الشرقي إلا في كانون الثاني/يناير 2017 فيما حذرت المؤسسات الإنسانية والحقوقية من احتمال سقوط ضحايا مدنيين في غرب المدنية نظراً لكثافة السكان فيه.
وبسبب المقاومة الشديدة التي أبداها تنظيم «الدولة» فقد بات الجيش العراقي يعتمد بشكل كبير على غارات التحالف والقصف المدفعي لفتح الطرق أمام الجنود والسيطرة عليها بعد تمشيطها. وتعلق صحيفة «الغارديان» أن مدناً مثل الفلوجة والرمادي اللتين شهدتا قتالاً شرساً فقد هجر سكانهما بالكامل. وعلى خلاف ما حدث هناك فقد نصحت الحكومة العراقية مدنيي الموصل بالبقاء في بيوتهم.
وتقدر الأمم المتحدة عدد الباقين في المدينة الآن بحوالي 400.000 نسمة. وحسب الشهادات التي جمعتها المنظمة الدولية من الناجين أكدوا فيها على أن الحكومة العراقية طلبت منهم مراراً وتكراراً من المدنيين التزام بيوتهم.
وفي تقرير أعده باتريك كوكبيرن لصحيفة «إندبندنت» من شرقي الموصل قال إن المدنيين الذين يحاولون الفرار من غرب الموصل المحاصرة يتعرضون لقناصة تنظيم «الدولة» والجيش العراقي.
وحسب جاسم (33 عاماً) الذي يعيش قرب الفرقة الخامسة «حاولت إنقاذ أمي ونقلها إلى الجزء الشرقي إلا أن الوضع خطير. ويقتل الناس وهم يحاولون العبور إلى الجزء الشرقي حيث يطلق عليهم القناصة الرصاص».
وقال جاسم إن لدى «داعش قناصة يغطون ضفة النهر ما بين الفرقة الخامسة والسادسة». وأضاف أن «المشكلة هي أن الأمور ليست سهلة حتى في الليل».
ويفرض حظر التجول على الجزء الشرقي ليلاً ويطلق الجيش العراقي والشرطة الفدرالية وقوات مكافحة الإرهاب النار على أي شخص يأتي من الغرب ويعتبرونه من مقاتلي داعش. ونتيجة لهذا يقتل طرفا الحرب المدنيين الذين يحاولون الهروب «وفي أكثر من حالة أعلنت قوات الأمن العراقي عن قتل متسللين من تنظيم «الدولة» عبر نهر دجلة وقد يكون هؤلاء مدنيين حاولوا الفرار».
وتحدث جاسم عن مقتل العشرات في حيه كل يوم بمن فيهم الأطفال «ويوم أمس قتل طفلان نتيجة لقنابل هاون أطلقها الجيش العراقي من الجزء الشرقي». وأكد أن مزاعم الجيش العراقي عن استخدامه «مدفعية ذكية» غير صحيحة. وأكد ضباط عراقيون كلام جاسم في أحاديث خاصة.
وقال أحدهم إن سقوط المدنيين لم يأت بسبب الغارات الجوية لكن صواريخ «توز» الروسية الصنع المحملة على ظهر العربات وغير المزودة بنظام إرشاد. ويشير كوكبيرن إلى أن جاسم نفسه جرح نتيجة لغارة بطائرة بدون طيار بعد ساعات من حديثه مع الصحيفة وهو ما يظهر الخطر الذي يواجه السكان من الغارات الجوية.
وقدم جاسم صورة عن الحياة الصعبة في غربي الموصل حيث اتصل معه الكاتب من شرقي المدينة عبر الهاتف النقال.
لا ماء ولا طعام
وفي إشارة لنقص المواد الغذائية قال إن السكان في حيه يبحثون في النفايات عما يمكن تقديمه لأطفالهم. وبسبب الحصار لم يصل للسكان أي من الخضروات والفواكه. وتملك عائلته بعضا من الطحين والأرز ولكنه يريد الإحتفاظ به للحاجة القصوى كي يطعم أبناءه.
وفي حالة توفرت المواد الغذائية فهي غالية الثمن ولا يستطيع معظم السكان شراءها «وفي المخابز التي لا تزال عاملة تتسول النساء ويطلبن ممن لديهم مال شراء بعض الخبز كي يطعمن أبناءهن. ويعيش معظم أبناء حيي على الخبز والماء».
وفي بعض الأحيان يعتبر الحصول على الماء صعباً نظراً للحاجة إلى مضخة التي يكلف تشغيلها 15 دولاراً. وبالنسبة للكهرباء فهي متوفرة في بعض الأحياء. وتصل لمدة ساعتين إلى حي جاسم. ويقوم الناس في النهار بالانتقال إلى الأحياء التي تتوفر فيها الكهرباء لشحن هواتفهم النقالة. ويقول كوكبيرن أن المناطق التي يتحصن فيها مقاتلو التنظيم تتعرض لقصف شديد يقتل بسببه المدنيون.
وحتى في شرق الموصل لا يزال المدنيون يقتلون كما حدث يوم الإثنين في سوق النبي يونس. وتعرض لقنابل هاون أطلقها تنظيم «الدولة». وأصابت محلاً للعطور اندلعت فيه النيران مخلفاً 11 ضحية وطفلاً. ويعلق الكاتب أن قنابل الهاون التي أصابت سوق النبي يونس احد الهجمات اليومية يقتل فيها المدنيون بالموصل.
وتحدث كوكبيرن عن الجدل المستمر حول مقتل المدنيين في حي الجديدة والذي قتل فيه 240 شخصاً مع أن القوات العراقية تضع الرقم بـ 61 وحملت المسؤولية تنظيم «الدولة» الذي وضع مخفخخات في داخل البنايات وليس طيران التحالف. ومنعت القوات العراقية مرافقة الصحافيين لها بشكل يجعل من الصعوبة بمكان التأكد من صحة المعلومات. ونقل موقع «شفق نيوز» عن مصادر أمنية قولها إن العدد الحقيقي للضحايا في غرب الموصل منذ بداية العملية يصل إلى 3.864 شخصاً ماتوا و 22.759 جريحاً.
منظر الحرب
وفي الجزء الشرقي من الموصل لا توجد كثافة عسكرية أو أمنية نظراً لانتقال معظم الوحدات التي شاركت بعمليات استعادتها إلى الغرب للمساهمة في الحرب هناك.
ويمكن النظر للجزء الغربي من تلة النبي يونس التي دمر الجهاديون المزار فيها. ومن على البعد تبدو مثل خريطة ممتدة ولا أثر للحرب فيها باستثناء الدخان المتصاعد من بعض أحيائها. وبعد ذلك يأتي صوت المدافع.
ويقول كوكبيرن إن الحركة في الجزء الشرقي كثيفة وفتحت معظم المحلات أبوابها. وحسب المهندس المعماري أحمد الذي عاش بالمدينة أثناء سيطرة الجهاديين عليها أن المشكلة الرئيسية هي عدم توفر الكهرباء والماء الصحي باستثناء الماء المستخرج من الآبار.
وقال إن تصرف القوات العراقية على نقاط التفتيش أفضل مما كان عليه الحال قبل سيطرة تنظيم «الدولة»، إلا أن عدم توفر الخدمات والرواتب يجعل والحكومة غير محبوبين. ويخشى أحمد من تدمير غربي الموصل بشكل كامل. وقال إن سبعة من أصدقائه قتلوا هذا الشهر.أحدهم مات برصاصة قناصة تنظيم «الدولة». أما الستة الآخرين فقد ماتوا بسبب الغارات الجوية.
ونقل الكاتب عن هوشيار زيباري، وزير الخارجية والمالية السابق قوله إن الجزء الغربي ليس محاصراً بالكامل ويستطيع داعش الحصول على إمدادات عسكرية من وسط آسيا. وحسب جنرال عراقي قال إن قواعد الإشتباك لم يتم تخفيفها وهو ما أكدته مصادر أخرى. وختم كوكبيرن «الأخبار السيئة للموصل بأن أي مدينة محاصرة ويدافع عنها مقاتلون أشداء لا يريدون الإستسلام ويختلطون بعدد كبير من السكان يعني حتماً معاناة المدنيين وخسارة فادحة بالأرواح». ومن هنا تتم التضحية بالمدنيين من أجل تحقيق انتصار سريع كما كتب أنتوني لويد في صحيفة «التايمز».
سيندمون
وكتب قائلاً «سيندم التحالف الدولي على دك غربي الموصل للتقليل من حرب الشوارع مع تنظيم الدولة». وأشار قائلاً «ربما فاتك عدد «التايمز» من غرب الموصل يوم الخميس حيث قتلت أعداد كبيرة نتيجة للغارات الجوية والقصف المدفعي الثقيل وبات يخيف المدنيين خوفهم نفسه من تنظيم الدولة». وفي تقريره تحدث لواحدة ممن تم إخراجهم من بين الأنقاض وقالت «اختفت شوارع بالكامل».
وقالت أمل أحمد «لم نستطع الخروج من بين الأنقاض إلا بعد يومين». واضافت «بدأت رائحة الموتى تفوح وسمعنا أصوات الأحياء وهم يطلبون المساعدة».
وأحضرت أمل مع ابنتها التي أصيبت بجروح في عينيها إلى مركز الإسعاف. وتعرض زوجها لكسور أصابت حوضه والغرغرينا. ومع أن الصحافة البريطانية ركزت في تغطيتها الأسبوع الماضي على حادث ويستمنستر الذي دهس فيه متطرف مارة قبل أن يطعن شرطياً من حرس البرلمان، إلا أن المجازر في الموصل أعادت انتباه الإعلام من جديد.
وقال لويد إنه عاد من العراق ببعض الأفكار. منها أن القتلى والجرحى المدنيين هناك يهمون بريطانيا. خاصة أن طيرانها إلى جانب الطيران الفرنسي والبلجيكي والأسترالي والأمريكي يلعب دوراً مهماً في الحملة الجوية ضد تنظيم «الدولة». ومن هنا فالتصعيد يحمل معه ثمناً باهظاً.
وقال إن الأمم المتحدة ترددت في مواجهة القوات العراقية أو دول التحالف حول عدد القتلى. وقدرت عدد الضحايا المدنيين منذ بداية الحملة على الموصل بحوالي 5.333 مدنياً. ويشير هنا إلى أن الرقم الحقيقي أعلى وهو ما ورد في تقرير كوكبيرن. وتساءل الكاتب عن الشخص الذي يتحمل مسؤولية زيادة عدد الضحايا المدنيين وفيما إن كان دونالد ترامب؟
وذكر بوعود الرئيس الأمريكي الذي وصل إلى البيت الأبيض متوعداً بـ «سحق» تنظيم «الدولة» قبل أن يطلب خطة جديدة تتضمن تخفيفاً في قواعد الاشتباك.
ومهما قال ترامب فجذور العملية التي لم تلتفت للمدنيين مرتبطة ببدايتها قبل أشهر حيث وعد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي بتوفير الحماية للمدنيين بدون أن يفي بوعده. ففي شرق الموصل تعرضت القوات العراقية لخسائر فادحة.
ولم تتغير قواعد الاشتباك للطائرات الجوية بخلاف أن عملية المصادقة على الغارات كانت بطيئة. وعليه جرى تسريع عمليات منحها الإذن بطريقة أصبح من السهل على الضباط طلب مساعدة جوية وفي وقت سريع.
وتوصل المخططون للعملية العسكرية في الموصل إلى أن تصعيداً في الغارات قد يؤدي لنهاية المعركة وحماية المدنيين وبالضرورة تجنب حرب الشوارع التي واجهتها القوات العراقية في شرقي المدينة.
ويتساءل قائلاً «هل هم محقون في تقديراتهم أم أن تصعيدهم سيؤدي لعودة داعش بدلاً من هزيمته المؤقتة؟ ويجيب أن غالبية سكان الجزء الغربي للموصل كانوا رهائن للجماعة الإرهابية.
ويجب أن يكون الهدف الرئيسي للعملية هو إنقاذهم. ولو أصبح هذا الهدف ثانوياً كما هو الحال الآن فلن تتحقق المصالحة بين غالبية سكان المدينة السنة الذين تعرضوا لتعذيب من تنظيم «الدولة»، والحكومة التي يسيطر عليها الشيعة. ويعلق «يعتقد العسكريون أنهم على صواب. وتذكر من هرب من الموصل قبل ثلاثة أعوام تقريباً مخلفين المدنيين تحت رحمة تنظيم الدولة».
ولم تنس أمل «أشعر بالغضب من الجميع»، «فنحن لم نهرب من المدينة وتركناها لداعش بل هرب الجيش وتركنا نعاني. والآن عادوا بطيران التحالف ومن يدفع الثمن؟».
لن ينتصروا
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن التفريط بحياة المدنيين ليس أسلوباً لتحقيق النصر. وبدأت افتتاحيتها بالتركيز على الفرق بين الطريقة التي أدار فيها التحالف الدولي وأفعال روسيا والنظام السوري ضد مناطق المعارضة. ولم يتورعا عن ضرب الأهداف المدنية بما فيها المستشفيات وقوافل الإغاثة. وفي الموصل عانت قوات مكافحة الإرهاب من خسائر فادحة لتجنب المدنيين، هذا في شرقي الموصل. وأشارت الصحيفة إلى التقارير المتضاربة حول الغارات الأخيرة على حي الجديد.
وتناولت ما تحدث عنه الطرف العراقي وتحميله تنظيم «الدولة» مسؤولية المأساة مضيفة أن التنظيم معروف بوحشيته ولا شك بأنه يقوم باستخدام المدنيين كدروع بشرية إلا أنه من المهم تحديد دور التحالف في الحادث وإن كان مسؤولاً عنه فعليه تحمل تبعاته. ودعت الصحيفة الولايات المتحدة والقوات العراقية لحماية المدنيين أثناء عمليات استعادة الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة».
وقالت إن الحكومة في بغداد ستواجه بعد نهاية المعركة مشكلة صعبة بتحقيق الإستقرار في المدينة المتعددة الإثنيات. وستكون المهمة أصعب لو سقطت أعداد كبيرة من السنة في المعركة الحالية.
ومن هنا فهمت القيادة الأمريكية حسب الصعبة ثمن سقوط المدنيين وسارعت هيئة الأركان المشتركة إلى التأكيد على حماية المدنيين. لكنها التفتت لما قاله المراقبون عن ارتباط الضحايا المدنيين بوصول إدارة ترامب.
وعددت هنا غارة اليمن في 29 كانون الثاني/يناير التي قتل فيها حوالي 50 مدنياً والغارة على ريف حلب في 16 آذار/مارس الحالي. وفي الوقت الذي انتقد فيه باراك أوباما لإدارته المصغرة للحرب ينتقد اليوم ترامب لتسريعه إياها. ومن هنا ترى الصحيفة أن «هزيمة تنظيم الدولة سريعاً وعبر القوة المفرطة هدف جدير وسيكون خطأ فادحاً لو تحقق بثمن إنساني فادح».