مجلة « ذي أتلانتك » الأمريكية : لماذا أعلن « داعش » الحرب على المسيحيين في مصر؟ !
الثلاثاء 11 ـ 04 ـ 2017
في أعقاب الهجوم الانتحاري على كنيستين مصريتين [ طنطا والأسكندرية ] ،
في يوم الأحد 9 أبريل / نيسان 2017 ، والذي يوافق أحد الشعانين ، نشر موقع مجلة
« ذي أتلانتك » الأمريكية مقالًا تناول فيه الهجوم ، الذي أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 44 وجرح 150
شخصًا ، كما تناول استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) في مصر،
وما قد يعنيه ذلك للمنطقة في السياق الأوسع .
بدأ مختار عوض ، كاتب المقال ، وهو باحث زميل بجامعة جورج واشنطن الأمريكية ،
بالتذكير بالهجوم الذي نُفِّذ منذ أربعة أشهر وأدَّى إلى مقتل 28 من المصلين المسيحيين
في القاهرة ، وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) مسؤوليته عنه .
وأشار عوض ، الذي يركز عمله على الجماعات الإسلاموية والسلفية في الشرق الأوسط ،
إلى أنَّ هجومي أحد الشعانين ، اللذين لم يفصلهما سوى ساعات ، استهدفا كنيسة في طنطا بدلتا النيل
والكنيسة المرقسية في الإسكندرية حيث كان الپاپا تواضروس يرعى القدَّاس ، في ما يُعَد
« أعنف هجومٍ موجَّه ضد الطائفة المسيحية الأكبر في الشرق الأوسط منذ عقود » ؛ ولم يكُن
من قبيل المفاجأة أن يعلن « داعش » مسؤوليته عن الهجومين بعد ساعاتٍ من تنفيذهما .
محللًا أسباب « داعش » في الاتجاه إلى هجمات كتلك على المسيحيين المصريين ، قال عوض :
إنَّ « داعش » قد دأب ، على مدى أشهر، على تسريع استقدام التكتيكات الطائفية العراقية
إلى مصر، وفي هذا الصدد ، يواصل المقال ، يأمل التنظيم في زعزعة استقرار البلد الأكثر
سكانًا في الشرق الأوسط ، وتوسيع نطاق مشروعه الذي بات هدفه واضحًا الآن بإبادة الأقليات
في المنطقة ، ولم تتمكَّن السلطات المصرية حتى الآن من التعامل مع هذا التهديد المتصاعد .
وقد يرجع ذلك ، إلى حد كبير، إلى عدم كفاءتها ، ولكنَّه يعكس أيضًا التطوُّر المتزايد لقدرات
« داعش » الموجَّهة إلى مصر؛ ومع تقهقهر التنظيم إلى وضعٍ دفاعي في دولٍ أخرى ،
فإنَّ الأراضي المصرية تُعَد منطقة جذَّابة جدًا لتكون جبهة محتملة في حملاتها الجهادية .
ويبدو أنَّ داعش يخصص لمصر الآن المزيد من اهتمامه وموارده ، والأهم من ذلك عناصره المميزة ؛
مما يجعل الوضع مرشحًا لأن يزداد سوءًا في المستقبل .
تهدف خطة « داعش » ، في رأي عوض ، إلى « إشعال الفتنة الطائفية
في مصر كخطوة أولى في تفكيك البلاد » ،
صحيحٌ أنَّ « داعش » ( أنصار بيت المقدس سابقًا قبل أن يُعلِن مبايعته
« داعش » في 2014 ) قد نفَّذ العديد من التفجيرات في القاهرة والدلتا في الأعوام الأربعة الماضية ،
لكنَّه يُرجِع ذلك جزئيًا إلى قوَّة الحكومة المركزية ، وسِمات الهواة التي تُميز
« داعش » ، وربَّما الأهم من ذلك هو التماسك النسبي للمجتمع المصري .
وعلى العكس ، حقَّق « داعش » نتائج أفضل بكثيرٍ في شمال سيناء ، حيث قتل أكثر
من ألف جندي حكومي في السنوات الأخيرة ، ولكن سيناء منطقة بعيدة للغاية عن القاهرة ، الأمر
الذي يجعل من الصعب أن تُشكِّل تهديدًا وجوديًا للحكومة المصرية .
ولهذا السبب ، يرى عوض أنَّ هذا الهجوم على كنيستي طنطا والإسكندرية يُمثِّل
« تغييرًا محوريًا في طبيعة التهديد الذي يواجهه المسيحيون المصريون الآن ، حتَّى وإن لم
يكُن أوَّل هجوم يضرب الأقباط سواء كان مصدره الجهاديين ، أو الإسلاميين ، أو حتى جماهير المسلمين العاديين » ،
ويقول عوض : لقد آتّخذ « داعش » خطوةً متطرفةً تتمثَّل في إفتراض
أن المسيحيين هم ، بالنسبة إلى مصر، كالشيعة بالنسبة إلى العراق ، معتنقًا موقفًا يقضي بأنَّ الأقباط
يُمكن قتلهم دون تمييز ودون سبب غير عقديتهم ، ومنذ تفجير كنيسة القاهرة
في ديسمبر / كانون الأول 2016 ، دفع مؤيدوا التنظيم على الإنترنت هذا المفهوم بقوَّة ،
مُدَّعين أنَّ « المسيحيين المصريين هم مشركون أولًا ، وقد أظهروا الغدر عبر التحالف
مع الغرب والحكومة المصرية ؛ ولذا يجب أن يُقتلوا » .
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى حملة للإخبار عن المرتدين أطلقها مؤيدوا « داعش » المصريون عبر الإنترنت
من أجل جمع معلوماتٍ عن كل « عسكري ، ومخبر، وفرد أمن ،
وأمين شرطة ، وضابط ، وعقيد ، ومدير بنك ، ورأس نصرانية كافرة ، وصليبي أو صهيوني مقيم بين ظهرانيكم » .
وظهرت الآثار المحتملة لهذه الدعوة في فبراير / شباط الماضي 2017 ،
عندما فرَّ مئات المسيحيين في شمال سيناء من منازلهم مذعورين بعد مقتل سبعة مسيحيين بوحشية على يد مقاتلي « داعش » ،
لكن عوض يؤكدُّ أنَّ هذه الاستراتيجية ليست في واقع الأمر نتيجةً لمراجعات أيديولوجية داخل « داعش » ،
وأنَّ تنفيذها له تداعيات خطيرة على أمن مصر، وعلى الاستقرار الإقليمي إن نجحت ؛
فلسنواتٍ طوالٍ كان ثمَّة سؤال يؤرق أعضاء التنظيم ، والجهاديين بشكل عام ، ألا وهو:
« لماذا فشل الجهاد في داخل الأراضي المصرية ؟ » .
وهذا السؤال محوريٌ للتنظيم ، ليس فقط بسبب مساحة مصر الشاسعة ، بل أيضًا لأنَّه يختبر
ما إذا كان المشروع الجهادي يمكن أن ينجح في بلدان لم تدمرها الحرب الأهلية أو تزعزع استقرارها
دون أملٍ في العودة إلى ما كانت عليه في السابق ، ويعرض الكاتب دراسةً كتبها
أحد منظري « داعش » ، أبو مودود الهرماسي ، بعنوان سر اللغز المصري ؛ يصف فيها المسلمين
المصريين بأنَّهم « كالماشية لعدم فهمهم واقع النضال ، قبل أن يُقدِّم « مفاتيح النجاح الجهادي » ،
ومن بينها « القتل الطائفي للمسيحيين من أجل إشعال المناطق الريفية ،
والأهم من ذلك استهداف كل مسيحي دون استثناء » ، مضيفًا أنَّ إثارة الفتنة الطائفية
ستكون « مفتاح الكشف عن واقع الصراع و( التحريض على ) المشاعر الكامنة في المسلمين
تجاه عقيدتهم ( المسيحية ) » . ويتابع أبو مودود الهرماسي ما يعتقده بأنَّ الجهاد لم يسيطر
على العراق ، وسوريا ، واليمن إلَّا بعد أن جرى استهداف الأقليات هناك ؛ ويختم رسالته
قائلًا : « لا تذروا [ ترحموا ] أيّ مسيحي كافر في مصر حتى تُهددوا حياته » .
ويُعلِّق عوض : « في الأشهر الأخيرة في مصر بدأت « داعش » أيضًا في تبني نغمة مماثلة
تجاه الصوفية ، الذين يُشكِّلون نسبة كبيرة من المسلمين في مصر، وشمال إفريقيا، وأماكن
أخرى ؛ فقطعوا رأس اثنين من رجال الدين الصوفية في سيناء وحاولوا إجبار الآخرين
على التوبة » ، ويختم عوض مقاله بالقول إنَّه من المستبعد نجاح هذه الاستراتيجية في مصر بالطريقة
التي يتصوَّرها « داعش » ، لكنَّ محاولة تنفيذها ستترك ضربًا من الدمار
الذي سيُحطِّم الأقلية المسيحية في مصر .
ويضيف : قد يؤتي برنامج الإبادة الجماعية الذي يتبنَّاه « داعش »
نتائج عكسية كما كان الحال بالنسبة إلى أسلافهم الجهاديين في الثمانينيات والتسعينيات ،
الذين جرَّف قتلهم الوحشي للمدنيين أي قاعدة من الدعم الشعبي ، ولكن ، كما يشير الهرماسي ،
فإنَّ للطائفية جذورًا عميقة في المجتمع المصري ، كان الإسلامويون ينشرونها منذ عقود .
وساهمت فيها السياسات الحكومية أيضًا ، وما زالت مصر ، شأنها في ذلك شأن العديد
من الدول الأخرى في المنطقة ، تفرض قوانين التجديف ، وتضع قيودًا تمييزية على بناء الكنائس ،
وتُخفِق في محاكمة الجناة الطائفيين ، بينما يواصل الإسلاميون إثارة الكراهية ضد الأقليات
دون رقابة ، لم تُكن الطائفية لتنجح مع « داعش » في مصر ، أو في أي مكان آخر قبلها ،
لو لم يجد التنظيم سياقًا أيديولوجيًا يمكن أن تزدهر فيه أفكاره المتطرفة .