امانة ايام زمان وخيانة هذه الايام الكثير من أحياء جيلي ..جيل الشيوخ والشياب والعجائز يقف حائرا اليوم لما اصاب المجتمع من انهيار قيمي واخلاقي بين ما تربينا عليه ايام زمان وكيف اصبحت عليه اخلاق الناس هذه الايام ولا سيما ما يتعلق بالأمانة ومفاهيمها ..
لقد كانت الام اول معلمة لتعليم طفلها على الامانة ونبذ اللصوصية من خلال قصص الاطفال البسيطة المحببة الى نفوسنا فبالرغم من كون اعتبار امهاتنا جاهلات في مقاييس الحصول على الشهادات هذه الايام فاليوم أنا ( واعوذ بالله من كلمة أنا ) فأنا اعتبرهن من ارقى المعلمات في تربية اطفالهن ...من خلال القدوة الصحيحة في السلوك اليومي والحنان والرقة في التعامل مع الطفل ...فكان الطفل يكبر وتكبر معه المحبة للحياة والناس والآمال الحلوة الجميلة ...
الام آنذاك بالرغم من جهلها كانت تعرف جيدا وكما ورثت وتعلمت من امها ان لقصص الآطفال تأثير تربوي راقي على الطفل وقناعاته وسلوكه المستقبلي ...
فأنا شخصيا ..ان انسى فلن انسى قصة حمدان التي رددتها علي المرحومة الوالدة مئات المرات الى ان حفرت في ذاكرتي حب الامانة وكراهية اللصوصية وخيانة الامانة ...
قصة الشاب اللص حمدان وامه بهية الذي حكم بالإعدام فقد كانت الوالدة تسردها بأسلوب شيق وبسيط وتصاحبه حركات تعبيرية محببة وبعضها تخويفية لا يمل منها الطفل رغم تكرارها يوميا قبل النوم ...
قصة الطفل حمدان الذي سرق بيضة من بيت جاره وعندما جلبها لامه بهية فرحت وقبلته ولم تنصحه بان عمله هذا خطأ ويجب ان لا يكرر ويجب عليه اعادة البيضة لأصحابها ..مما شجعه للاستمرار علي سرقة بيض دجاج الجيران ..وبعد فترة ارتقى فسرق الدجاجات نفسها ...والام في كل مرة تشجعه على فعل المزيد ... ومع التقدم بالعمر واصبح شابا عندها تحول الى لص محترف ويعيش على السرقة هو وامه ...
وفي اخر مرة القيت الشرطة القبض على حمدان واعترف بكل الجرائم التي ارتكبها فحكم عليه بالإعدام وفي يوم وساعة تنفيذ حكم الاعدام الذي كان ينفذ علنا امام الناس ليكون عبرة ودرس للمجتمع و للمتفرجين ... ونجح في تطبيقه صدام حسين الى درجة زرع الرعب في نفوس اللصوص والحرامية والفاسدين والخونة والجواسيس والتجار المحتكرين الى درجة جعلهم يفكرون مليون مرة قبل ان يقدموا على عمل ما ...ونجح في تطبيق القانون وحفظ الامن في العراق ...سواء اتفقنا معه او اختلفنا معه في حكمه ..ولكن هذه حقيقة تاريخية لا يمكن طمسها مقارنة بحالنا اليوم ..
وكان من عادة المشرفين على تنفيذ حكم الاعدام في ذلك الزمن ..زمن حمدان وأمه بهية ...ان يسألوا المحكوم عليه عن ما يشتهيه او يتمناه لأخر مرة في حياته قبل ان يعدم ... وكانت هذه الرغبات تختلف من محكوم واخر ...
وعندما سأل حمدان عن اخر رغبة وامنية يتمناها قبل اعدامه ...ففوجئ المشرفين على الاعدام انه يطلب رؤية امه ليقبلها أخر قبلة ان يموت ...ولتلبية رغبته فصاح المنادي على امه بهية ( بهية ...بهية ..تعالي لان ابنج حمدان يريد يبوسج من حلكج ) ..
وبما ان بهية كانت بين المتفرجين فخرجت من بين الصفوف وصعدت منصة الاعدام وهي تبكي وتولول ...واحتضنت ابنها حمدان بالأحضان ..ولم يلتفت حمدان لدموعها وانما قال لها بحسرة والم ...لا تبكي يا أمي علي فانا استأهل الاعدام لكثرة الجرائم التي ارتكبتها ... ولكني اريد ان اشكرك على تعبك معي بتقبيلك .. وعندما اقتربت منه .. قال لها احب ان اقبلك من لسانك ...فأخرجت له لسانها ..
وبدلا من تقبيلها عض لسانها بأسنانه بقوة الى ان قطعه ورماه على الارض وهو يصرخ ويلعنها ...عندها ضج المشرفون على الاعدام والمتفرجون مستنكرين هذا العمل الشنيع .. فهم لم يتحملوا رؤية مشهد الابن وهو يقطع لسان امه ..وصعب عليهم رؤية الام والدماء تسيل من فمها وتصرخ وتتلوى من الالم ..
عندها سألوه لماذا اقدمت على هذا الفعل الشنيع ...فأجابهم ...لولا لسانها الذي قطعته وتشجيعها لي عندما سرقت اول بيضة ...لما وقفت اليوم على منصة الاعدام واموت وانا محمل بالعار بسبب لسانها ..ولكي تعلم ان لسانها هو من اعدمني ..فلتتحمل جناية لسانها بقية عمرها...وصرخ على الجلادين اعدموني الان فسأموت مرتاحا بعد ان اخذت حقي ممن علمني وشجعني على السرقة ..
وهكذا ومن امثال هذه القصص التربوية التعليمية واهدافها الاخلاقية العديدة في الصدق والوفاء والرحمة وتشمل كل مكارم الاخلاق كانت الامهات والاباء هم من يزرعونها في نفوس الاطفال ..
ومن منا لم يدرس في اول مراحل حياته الدراسية في الابتدائية اخلاق نبي الرحمة والرأفة والمحبة وكيف كان يلقب (بالصادق الامين) وقصة كيف انقذ القبائل من الاقتتال حول رفع الحجر الاسود او امانته في تجارة خديجة بنت خويلد ..او كيف كان يرفق بالحيوان ..نستنتج ان الامانة تزرع في الطفولة وتحصد نتائجها بالكبر ..
فهل هذا ما نراه اليوم في سلوكية الناس من موظفين ومسؤولين ورجال فكر ودين ؟؟ ووصل السيل الزبى بعد ان استشرى الفساد وتغلغل في كل مناحي الحياة ..والاسباب لذلك عديدة ولا يمكن التطرق اليها وانما اهمها وكما اعتقد بسبب تراجع دور الام في اداء دورها التربوي بحكم شيوع ثقافة ان المرأة يجب ان تعمل على حساب الامومة ومصلحة العائلة ..والنتيجة تكون على حساب تربية الطفل كما اعتقد وانعكاساتها ملموسة على شباب وشابات اليوم ..
من الاقوال المأثورة والتي علمنا لها أهلنا ...( حرامي لا تصير من سلطان لا تخاف ) ..وتعني ان الانسان الامين يعيش بأمن وسلام ووين ما يروح وما يخاف الحاكم او السلطان فلا أحد يتحارش به كما علمنا أهلنا ...لان عقوبة الحرامي كانت قاسية و كما يقول الاسلام يجب ان تقطع يده وان كررها فتقطع رجله من خلاف ..
لقد كان السلطان سابقا عادلا منصفا وليس حرامي ولا سارق ولا يتستر على الفاسدين كما يفعلون اليوم ( باسم الدين باكونا الحرامية ) فقد تغيرت المفاهيم وجمدت القوانين والشرائع السماوية وأصبح السلطان والمفروض به ان يحكم بالعدل والإنصاف ومحاسبة الحرامية تبين انه هو زعيم الحرامية وحامي لهم ومتستر عليهم ويساعدهم أي حاميها حراميها..
فالأمانة هي أحد الأخلاق التي تفرضها الاديان والشرائع الانسانية والالهية على اتباعها ..فهي قيمة عالية وخلق رفيع واس من اسس بناء المجتمع الصحيح ..
فاين أصبح موقع المجتمع العراقي اليوم وناسه من الامانة التي اصبحت من التراث والفولكلور الشعبي ؟؟ بالتأكيد ستكون الاجابة بالحضيض ..
علما ان النّبي عليه أفضل الصّلاة والسّلام قد اكد على خلق الأمانة مبيّنًا أنّ غيابها هو من العلامات التي تؤذن بقرب قيام السّاعة ونهاية البشرية ،
فهل قربت الساعة بانتخاب الرئيس الامريكي ترامب ؟؟ ووجود الكوري الشمالي حفيد كيم أيل سونغ ؟؟ وظهور الدواعش والبراغيش ؟؟؟
فما هي الامانة وببساطة ؟؟؟
الامانة هي في حفظ الوديعة واعادتها لأصحابها
الامانة هي في حفظ اموال الناس وممتلكاتهم واعراضهم
الامانة هي في حفظ الوطن والدفاع عنه
الامانة في تربية الأطفال والحفاظ على تماسك وقدسية العائلة والاسرة
الامانة في اداء الواجب والوظيفة وفقا للقانون وتجنب الغش والرشوة
الامانة في نشر العدل والمساواة بين الناس
الامانة في تجريد النفس عن المطامع والاهواء الشخصية
الامانة في تنفيذ القانون والشرائع السماوية السمحة التي تدعو للمحبة والسلام
الامانة اداء العمل كما يجب وحتى في اختيار أحسن الكلام والتعامل مع الناس
من هنا نجد ان التفريط بالأمانة ترتقي الى درجة الخيانة ...فإيهما اشرف للإنسان ...الافتخار بالأمانة ...او عار الخيانة ...فما يطلق عليه اليوم بالفساد والفاسدين هم بالحقيقة ليس لصوص فحسب وانما خونة واعداء للقيم والاخلاق..