– 25 سبتمبر, 2013
كتبت في قسم تقاريرصدى الحقيقة
لم يكن اعتقال الرئيس العراقي المقبور “صدام حسين” أمراً عادياً، فقد كان أهم أحداث العام 2004، ففي الثالث عشر من كانون الأول من ذلك العام نجحت القوات الأمريكية في الوصول إلى مكان وجوده، بعد عشرين شهراً وأربعة أيام من فشلها في إلقاء القبض عليه.
لكن هذا الحدث لفّته قصص ومزاعم واتهامات، وحتى أكاذيب من صنع ماكينة الإعلام الأمريكية، ولم تعرف إلى الآن حقيقة الشخصية التي وشت بالرئيس الراحل ودلت قوات الاحتلال الأمريكية على مكان وجوده. حدث بهذه الأهمية وهذه القوة لابدّ أن تحيط به أسرار وألغاز، ولكننا نبحث عن الحقيقة في أمر يهم كل مواطن عراقي. اتهامات.
اتهامات المتهم الرئيس في القضية هو (قيس نامق الدوري)، لكن عائلته تنفي ضلوع ولدها في القضية، وتوجه أصابع الاتهام إلى أقارب الرئيس من عشيرته (البيجات البو ناصر)، والذين كانوا يتحملون الجزء الأكبر من حماية الرئيس ومرافقته في الشؤون اليومية، فهذا هو علاء الدوري، شقيق قيس نامق، يوجه أصابع الاتهام إلى محمد إبراهيم العمر، وهو احد مرافقي الرئيس بعد الغزو الأميركي للعراق، في حين تتهم عشيرة الرئيس الدوريين في الوشاية به، بينما القوات الأمريكية المحتلة، التي غطت العملية كلها بأكاذيب وقصص ملفقة لتضليل الرأي العام العراقي والعربي والعالمي، لم يصدر عنها، إلى الآن، ما يسلط ضوء على الحقيقة، لكن الرئيس الراحل كان قد أخبر أحد محاميه بأن من وشى به هو قيس نامق.
وما يهمنا الآن هو الحصول على جواب عن هذا السؤال: من وشى بالرئيس وأين تكمن الحقيقة في كل ما قيل وروي عن الحادث؟ (آفاق الحرية) تبحث عن المتهم قررنا لقاء المتهم الرئيس في القضية، وبدأنا البحث الجدي عنه، ولكننا لم نفلح في الوصول إليه إلا بعد ثلاثين يوما، عندما تمكنت (مراسلة آفاق الحرية) من الوصول إليه من خلال وسيط في مدينة الدور، حصل على موافقة مبدئية على إجراء الحوار، ثم حصلت موافقة ثانية مشروطة، تتضمن إجراء اللقاء بلا تصوير فوتوغرافي أو فيديو، ولاعن طريق الهاتف النقال، ولا عن طريق الكاميرا، وافقنا على شروط العائلة وتم تحديد موعداً مناسباً للقاء. انطلقنا إلى مدينة الدور التي لا تبعد سوى نصف ساعة جنوب مركز مدينة تكريت، وعندما وصلنا إلى بيت الوسيط، طلب منّا التنقل إلى منطقة أخرى من المدينة دون أن يحدد اسمها.
ذهبنا إلى منزل أحد أبناء المدينة، الذي كان وسيطا آخر يرشدنا إلى الهدف، لكن هذا الوسيط الثاني اخبرني بأن اللقاء سيكون مع علاء نامق الدوري شقيق قيس نامق، والسبب إصابة قيس بمرض نفسي يمنعه من الإدلاء بأي حديث للصحفيين، أو إلى أيّ شخص آخر، وأن قيساً لا يجيد الحديث للصحفيين، لذلك فإن شقيقه علاء سيتولى المهمة بدلاً عنه.
كانت هذه مفاجأة كبيرة لنا، فالمتهم هو قيس، وليس علاء، وعدم الموافقة على لقاء قيس شخصيا ينطوي على أمور كثيرة. قاد السيارة التي انتقلنا بها مرافق الوسيط الأول إلى المزرعة التي اعتقل فيها الرئيس وهي مزرعة عائلة قيس نامق، ووجدنا الباب موصداً، وخرج علينا عامل في المزرعة هو من أقارب قيس لينكر وجود قيس أو أحد أفراد العائلة في المزرعة، ولكن بعد إلحاح وإصرار سمح لنا بالدخول إلى المزرعة مشيا على الأقدام، وأصرّ على أن نركن السيارة أمام باب المزرعة، ولم يفتح الباب الموصد بالمفتاح، بل اضطررنا للقفز فوق الأسلاك الشائكة، ومشينا مسافة طويلة إلى أن وصلنا إلى مكان الغرفة والحفرة التي زعم الأمريكيون أنهم القوا القبض فيها على الرئيس .
كانت هناك امرأة وطفل صغير، هما عائلة الفلاح المقيم في المزرعة، ومرة أخرى أنكر الفلاح وجود علاء أو أي فرد آخر في المزرعة، وبعد أن اتصل الوسيط الثاني بـ(علاء) بوساطة الهاتف النقال، حضر علاء ومعه ثلاثة أشخاص احدهم كان أخوه الأصغر واثنان من أقاربه.
وعندما طلبنا من علاء أن نلتقي قيساً، لكونه المتهم الرئيس.. قال لنا: إن قيساً ليس معنيا بالأمر فهو مريض ومستقيل من الوظيفة قبل الغزو، وأنه لم يكن موجودا برفقة الرئيس ليلة اعتقاله، كما أنه لم يعمل مرافقا للرئيس ضمن طاقم الحماية والمرافقين العاملين معه.
وأضاف ان الذي كان موجوداً ليلة الاعتقال هو أنا. ونفي علاء أن يكون قيس نامق قد أجرى أي لقاء إعلامي مع أي صحفي، كما نفى كل ما كتبته وسائل الإعلام نقلا عن قيس أو زوجته(خالدة). ليلة الاعتقال سرد لنا علاء تفاصيل ليلة اعتقال الرئيس، وقال إنه كان برفقة الرئيس عندما لحظ أن المروحيات الأميركية أخذت تجوب السماء بشكل كثيف وملفت للنظر.
وأضاف لم نبال في بداية الأمر لأن الأميركيين موجودون في القاعدة الخاصة بهم في الدور وكانوا قد طوقوا المزرعة مرات عدة وكان الرئيس موجودا في المزرعة فلم يتمكنوا من إلقاء القبض عليه، وقد داهموا المزرعة مرات عدة واستفسروا عن قذائف الهاون والنيران التي كانت تنطلق منها، لكن في تلك الليلة كانت القوة الأميركية التي داهمت المزرعة، خاصة وقد قدمت من بغداد وطوقت المكان، في الوقت الذي كان الرئيس الراحل يهمّ بأداء صلاة المغرب، فهم ّ بالنزول إلى المخبأ السري المغطى بالنباتات وأشجار الزينة.
وكان أول ما فعلته القوة المداهمة هو اعتقالي بعد رفسي بالأرجل مرات عديدة، مستفسرين مني عن مكان وجود الرئيس، وعندما أنكرت ضربوني وربطوني إلى شجرة، وجاءوا بعد ذلك بالمرافق الآخر للرئيس وهو (محمد إبراهيم العمر) الذي كان قد عاقبه الرئيس الراحل بسبب مشاكل معه، ونقله إلى بغداد عقاباً له، وكانت القوات الأميركية قد اعتقلته قبل يوم فقط من المداهمة، وعندما وصل استفسر مني عن الرئيس فأنكرت وجوده، ثم نظر باتجاه الحفرة، واخذ المجرفة (الكرك) وأزاح النباتات والأدغال التي كانت تغطي الحفرة وعندها أدرك الأمريكيون أن الرئيس مختبئ في الحفرة، وعندما هموا بإخراجه سمعت (زغاريد نسوة) أدركت أنهم عائلة محمد إبراهيم العمر وكانوا قد حضروا معه وزغردوا ابتهاجا بإلقاء القبض على الرئيس صدام.
وأبدى علاء استعداده للذهاب إلى أي جامع أو مسجد أو مكان عام لإعلان البراءة من الوشاية بالرئيس بعد تحرير العراق وتشكيل الحكومة الوطنية وذكر أنه حضر إلى مدفن الرئيس الراحل في أول أيام دفنه، وبكى على جثمانه الطاهر أمام عدد كبير من أبناء العشيرة. مصدر آخر لكن مصدراً مقرباً من عائلة نامق الدوري قال لنا: إن والدة قيس نامق الدوري وزعت مبلغ أربعة ملايين دولار أميركي بين أفراد الأسرة صبيحة تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس وكادت أن تقع مشكلة عائلية كبيرة عندما تم حرمان إحدى النسوة في العائلة من هذا المبلغ.
وأضاف إن عائلة نامق كانت تعيش في وضع مادي سيء جداً، بينما يملكون الآن القصور والبيوت في عدد من الدول الأخرى، ومنها البرازيل حيث ونبه المصدر إلى أن هذه المبالغ هي التي كانت موجودة بحوزة الرئيس الراحل يوم اعتقاله واستولت عليها العائلة فضلا عن المكافأة التي نالها قيس وعائلته من القوات الأميركية لقاء الوشاية بالرئيس.
وصية الرئيس علي الندا شيخ عشيرة (البيجات البو ناصر) في العوجة (10كم جنوب تكريت)، قال: إن الذي وشى بالرئيس المقبور وسلمه للقوات الغازية الأمريكية، حسب الوصية الشفهية التي بعث بها الرئيس الراحل صدام حسين إليّ عن طريق المحامي، هو قيس نامق الدوري، وقال في الوصية: بلّغ عائلتي وقيس نامق هو قريب عادل عبد الله الذي كان محافظ كركوك وعضو قيادة في الحزب.
وأضاف الندا: إن الرئيس الراحل ابلغ المحامي أن يبلغنا وقال له بالحرف الواحد: (بلغوا عشيرتي كي لا تحدث فتنة ويتهم آخرون) ونفى الشيخ الندا أن يكون الرئيس مختبئاً داخل الحفرة التي عرضت على شاشة التلفاز وقت إلقاء القبض عليه، وأكد أن المحامي خليل الدليمي ابلغه أن الرئيس اخبره انه كان في غرفة داخل المزرعة وكان يتهيأ لأداء الصلاة. أما الحفرة فكانت للطوارئ وهي بئر قديمة، ولكن الاحتلال استغل هذه الحفرة وصور الرئيس صدام بطريقة مسيئة ومذلة، لتشويه صورته لأنه كان رمزاً ولا يزال للمقاومة.
معلومات أميركية مضللة أما القوات الأميركية فهي تحاول إيهام الرأي العام العربي والعراقي وخاصة أنصار الرئيس صدام حسين بتقديم صورة وهمية للواشي، من خلال نشر صورة شخص التقطوا صورا معه وقدموه على انه الواشي الذي وشى بالرئيس صدام، فضلا عن تصريح قائد عسكري أمريكي أدلى بحديث لوسائل الإعلام قال فيه: إن الرجل الذي وشى بصدام حسين للقوات الأميركية كان الساعد الأيمن للرئيس العراقي السابق خلال الأشهر التي أعقبت الإطاحة بنظامه. وقال القومندان (ستان مورفي) رئيس الاستخبارات في الكتيبة الأولى التابعة للفرقة الرابعة مشاة الأميركية المتمركزة في تكريت لصحافيين: (انه رجل أصفه بأنه الساعد الأيمن لصدام حسين).
وأضاف: (انه شخص فاسد ويجب أن يقبع في السجن بقية حياته).. مستبعدا أن يحصل الواشي الذي لم يكشف عن اسمه، على المكافأة المخصصة لمن يساعد في القبض على الرئيس صدام وهي مبلغ 25مليون دولار.
وأوضح مورفي: (إن الواشي رهن الاعتقال حاليا في مكان مجهول، وهو ينتمي إلى إحدى العشائر الكبرى في منطقة تكريت التي اعتمد صدام عليها اثر فراره من بغداد عقب استيلاء القوات الأميركية عليها في نيسان 2003). وقال مورفي: (إن هذا الرجل يشكل بالإضافة إلى أربعة أو خمسة أشخاص آخرين من هذه العشائر الحلقة الضيقة القريبة من صدام التي كانت تساعده على الاختباء وتنقل أوامره بمهاجمة الأميركيين وتمول المقاومة وتزودها بالسلاح).
وأوضح: (إن صدام حسين كان يحدد الخطوط العريضة للعمليات ويقوم المقربون منه بتحويلها إلى أوامر إلى أشخاص آخرين إلى أن تصل التعليمات إلى منفذي العمليات). وقال: انه كان هناك (من أربعة إلى ثمانية وسطاء، غير انه ضمن الحلقة المقربة يمثل المخبر الذي وشى بصدام حسين اقرب الناس إليه). ووصفه مورفي بأنه رجل في الخمسين كان قد بدأ خدمة صدام منذ بداية شبابه وتدرج في سلم الترقيات إلى أن أصبح احد رجاله الموثوقين وانه (أصلع وبدين وزير نساء)!!.
وأضاف: انه شارك أيضا في اقتراف جرائم ضد الشعب العراقي) دون توضيح مسؤوليته بالضبط فيها. وأكد مورفي أنه (خلال مرحلة فرار صدام حسين تولى الواشي الإشراف على شخصين آخرين مكلفين بالإسناد وبتدبير مخابئ للرئيس العراقي السابق في شمال بغداد وغربها). وقدرت مصادر عسكرية أميركية عدد المخابئ التي ذكرها مورفي بين 20و 30مخبأ.
وقال مورفي: (إن صدام الذي يعاني من آلام في الظهر كان يقيم ليوم أو اثنين في المكان ذاته وربما أسبوعا وهو يتنقل عادة مع مجموعة صغيرة من المعاونين كانت تتولى قيادة السيارة والطبخ، وإنه كان يتنقل على الأرجح في سيارات أجرة).
وأضاف: (إن الساعد الأيمن للرئيس اعتقل في 12كانون الأول في بغداد بعد أن نجا من ثلاث عمليات في تكريت وسامراء وبيجي، ونقل إلى تكريت حيث كشف خلال استجوابه مخبأ صدام حسين في بلدة الدور قرب تكريت).. طبعاً هذه الإفادات تبقى غير مهمة، ولا يمكن الركون إليها أو الحكم في القضية إلا بعد سماع إفادات الأطراف الأخرى، وخصوصا محمد إبراهيم العمر، الذي لم نفلح بلقائه، وندعوه إلى الكتابة إلينا للدفاع عن نفسه أمام هذه التهمة والكشف عن التفاصيل التي يعرفها، كما لا يمكن الركون إلى كلام المصدر الذي ذكر إن والدة قيس نامق وزعت أربعة ملايين دولار أمريكي إلا بعد إثباتات وأدلة.