الولايات المتحدة أدخلت العراق في دوامة العنف وسحبت قواتها بعد ان جعلته بلدا مهمشا وضعيفا. ميدل ايست اونلاين بقلم: جاسم محمد
مازالت اداره أوباما منهمكة بعدد من الملفات ومنها افغانستان والعراق وايران بالاضافه الى ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مما جعلها بعيدة عسكريا عن المناطق الساخنة الاخرى ومنها القرن الافريقي وبالتحديد الصومال ذالك البلد العربي الذي يعاني من الفوضى (الخلاقة) منذ الغزو الاميركي 1993.
اميركا مازالت تعاني من عقدة الصومال بعد مشهد جر جنودها في شوارع مقديشو العاصمة 1993\ 1994 وتنأى عن اي تدخل عسكري مباشر في الصومال او القرن الافريقي.
لذا تتبع اميركا ومنذ ذلك الحين اسلوب ايجاد جيش بديل او ميلشيات تقاتل بالنيابة مقابل الدعم الاستخباري والمالي اي بتسليح مجموعات من داخل مناطق النزاع او دفع دول مجاورة او اقليمية وهذا ما عملته اميركا بتسليح وتمويل خصوم الامس امراء الحرب في الصومال (عام 1993 ) في مواجهه المحاكم الاسلامية اليوم وفي نفس الوقت تدفع حليفتها اثيوبيا لشن الهجمات على حدود الصومال او ضرب اهداف داخل الاراضي الصوماليه لكن يبدو ان جهود اميركا واجهت وتواجه انتكاسات مرة اخرى في القرن الافريقي رغم استعانتها بحلفائها الاوربيين.
اميركا تتجنب التدخل العسكري في المنطقه لكنها حريصة على تعزيز وجودها الاستخباري وتعتبر جيبوتي اكبر قاعدة اميركية في القرن الافريقي وتنطلق منها خلايا التجسس البشري والفني.
القرن الافريقي عاد الى الاضواء من جديد بعد تصاعد عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية، هذه العمليات هي ليست عمليات قرصنة بقدر ما هي عمليات منظمه تقوم بها ضمن باب "الجهاد" لتحقيق تمويل مالي وجر اميركا والغرب الى ساحه مواجهه جديده بدلا من ساحه العراق هذه العمليات تقع ضمن ستراتيجية المجموعات الجهادية ومنها الشباب المؤمن القريب عقائديا من القاعدة رغم اختلاف التنظيم والقيادات والتي تقوم على اجراء عمليات على اليابسة بهدف مسك البحر هذه العمليات ممكن ان تكون خطوة استفزازية الى اميركا لمنازلة جديدة بعد ارض العراق والسؤال هل القاعدة انسحبت من العراق؟ واذا انسحبت من يقف وراء العمليات الارهابية في العراق؟
اجمعت الدراسات والمراسلات السرية التي حصلت عليها الاستخبارات الاميركية والاجهزة الامنية في العراق بان القاعدة انسحبت من العراق باتجاه منابعها الاصلية واهمها افغانستان وشمال وشرق افريقيا وما تبقى من القاعدة في العراق هي فصائل عراقية ذات هوى قاعدي او من تدرب على ايدي المقاتلين العرب ومنها دولة العراق الاسلامية.
ما يحدث الان في العراق من عمليات هي تصفية حسابات ما بين الميلشيات السياسية وشد وجذب لانتزاع مواقف سياسية ولوي الذراع بالاضافة الى المجموعات المسلحة الاخرى التي تنشر العنف والإرهاب العشوائي، ناهيك عن المقاومة الوطنية سواء كانت عربية او اسلامية.
هذه العمليات تصنف ايضا ضمن اعمال العصابات وتمويل ايران ودول اخرى لزعزعة الامن والاستقرار في العراق اكثر ما هي قاعدية مستغلة ضعف السلطة وغيابها وازمة الحكومة.
خساره اميركا لدورها التقليدي في المنطقة وخاصة في ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يدفع اميركا للطلب من حلفائها التدخل للمساعدة حتى باتت المانيا وفرنسا منزعجة من الطلبات الاميركية وخاصة المانيا ويعطي الاوربيين ظهرهم لحرب اميركا على الارهاب رغم تعديل هذا المفهوم من قبل ادارو اوباما، هذه الشراكة اصبحت مهددة لانها تواجه تسونامي اقتصادي من نوع خاص غيّر خارطة القوى السياسيه قبل الاقتصادية في العالم ووضع نهاية لدور اميركا التقليدي.
تعتبر اميركا الصومال ملاذا جديدا للارهاب وهذا يعني هنالك حرب باردة في القرن الافريقي والتي حتما ستنتهي بمنازلة عسكرية في المستقبل البعيد.
تأخذ الحرب الان الطابع الاستخباري لكن هذا النمط من المواجهة ما بين اميركا والمجموعات الاسلاموية المسلحة ومنها الشباب المؤمن الذي بات لا يخفي دعمه اللوجستي الى تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية ومنازلة الجهد الاستخباري الاميركي اليمني المشترك على ارض اليمن، وقد تنجح القاعدة بسحب اميركا الى المربع الذي تختاره.
وقد كشفت اعترافات بعض اعضاء تنظيم القاعدة في اليمن عن عزم التنظيم لسحب الولايات المتحدة الى داخل اليمن اي ان القاعدة خططت كثيرا لسحب التواجد العسكري الاميركي داخل اليمن متخذه من طبيعة المجتمع اليمني والقبائل وتضاريس اليمن بيئة قتالية لا تختلف كثيرا عن افغا نستان لكن يبدو ان ادارة اوباما وادارتها الجديده ادركت ذلك رغم ان ستراتيجية اوباما الجديدة تقوم على اعادة تنظيم تواجدها العسكري واعتمادها اسلوب التزاوج الاستخباري من خلال خلايا وكالة المخابرات الاميركية المركزية وفرق الكامندوس واعتماد اوباما اسلوب تنسيق جديد ما بين البنتاغون ومحطات السي اي ايه في الخارج لضرب وتعقب الاهداف بالاضافة الى اعتماده ضرب اهداف استخبارية ذات قيمة عالية بواسطة طائرة بدون طيار مثلما فعلها في وزيرستان داخل افغانستان وفي شبوة داخل اليمن على سبيل المثال لا الحصر.
ويبدو ان ادارة اوباما بدات تخطو خطواتها تجاه ايران وبالتحديد ملفها النووي مستخدمة اسلوب العقوبات لتحجيم قدرتها النووية على حساب الملف العراقي الذي بات مركون في مكاتب البيت الابيض والخارجية الاميركية وفقد العراق اهميته في الاجندة الاميركية محاولة من ادارة اوباما تكثيف جهدها العسكري ونفقاتها باتجاه افغانستان وايران حتى باتت تقايض اطلاق يد ايران في العراق مقابل اتفاقها معها للوصول الى اتفاق حول الملف النووي والذي يصب اكثر في صالح حلفاء اميركا واسرائيل على حساب العراق .
اميركا ادخلت العراق في دوامه العنف وسحبت قواتها بعد ان ايقنت ان العراق سوف يبقى بلد ليس له تاثير اقليميا ومهمش وضعيف هكذا ارادت اميركا ترك العراق لاحول ولاقوه فهي من صاغ ديباجه الدستور العراقي وهي من خلقت هذه الكتل السياسيه وربتها على التبعية والاجندات الخارجية والفساد المتعمد والمقصود لنخر هذا البلد الى حد النخاع واستنزافه.
اما ايران فهي اللاعب الرئيس في المنطقة وبالتحديد في افغانستان والعراق والباكستان واليمن ولبنان، والمتابع لخارطة المناطق الحمراء والساخنة في الخارطة السياسية للادارة الاميركية يجد ايران وضعت نفسها بديلا للاتحاد السوفيتي ليمتد نفوذها حتى اسيا الوسطى.
فهي من تضع اصابعها في عين السياسة الاميركية في تلك الدول وتمولها استخباريا لاضعاف الدور الاميركي في المنطقة وان كان الثمن خراب تلك الدول، وهنا لا اريد ان اجير عمليات المقاومة في العراق او في تلك الدول لصالح ايران ابدا بقدر ما اوضح دور ايران التخريبي في المنطقة باثاره الفوضى والقتل وحتى اثاره الصراع العربي الفلسطيني لاشغال دول المنطقة بحروب لا نهاية لها من اجل اقامة او النهوض بدولة فارس من جديد والا اين تهديدات ايران بضرب اميركا واسرائيل منذ عام 1980 ولحد الان؟
هل اميركا قادرة على مواجهة عسكرية جديدة بعد ان خسرت ثقه حلفائها في المنطقه؟ بالتاكيد اميركا حريصة على استعادة دورها التقليدي من خلال الدخول بحرب اخرى ولكن في منطقة رخوة، وهذا ما يستبعد دخول اميركا في اية مواجهة عسكرية وتحتاج اميركا الى تعبئة راي عام جديد كما تعمله قبل اي حرب وهي ليست بقادرة على ذلك بعد مارثون العراق والنتائج الكارثية.
النتائج الكارثية للسياسة الاميركيه في "حربها على الارهاب" وتصحيح مسار الحرب على الارهاب بعد 11 سبتمبر تعتبر تركة ثقيلة على ادارة اوباما.
بعض التحليلات تشير إلى أن اميركا تبحث عن بديل جديد للخليج العربي التي استنفذت فيه اوراق لعبتها مع ايران واصبح الوضع لا يتحمل الكثير من المناورات السياسية، خاصة بعد اكتشاف ابار النفط في السودان ومصادر الطاقة في دول القرن الافريقي.
اما اليمن فقد تزايد قلقها بعد تواجد القطع البحرية بالقرب من سواحلها برغم تحالفها مع اميركا في مكافحة الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر.
اليمن متهمة من قبل اميركا بانها ملاذ للارهاب وهي تتمتع بموقع جغرافي عند باب المندب والقرن الافريقي وتتداخل ديموغرافيا مع اهل الصومال واثيوبيا وجيبوتي التي اصبحت معقل تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية واصبحت اكثر اهمية في اجندة اوباما بعد حادث محاولة تفجير طائرة الايرباص في اعياد الميلاد عام 2009 من قبل النايجري فاروق عبد المطلب والذي سبق له ان تدرب في اليمن وكذلك حادثة المجند الاميركي العربي الاصل نضال باطلاق النار على زملائه من الجنود الاميركان في احدى القواعد العسكرية وارتباطه بالمواطن الاميركي من اصل يمني انور العولقي الذي وصفته بعض وسائل الاعلام بانه الملهم الروحي لتنظيم القاعدة من الجيل الجديد وتعتبره بعض الدوائر بانه اسامه بن لادن الجديد.
هذه الاهمية التي حصلت عليها اليمن تركزت في مؤتمر لندن مطلع العام الحالي ومؤتمر الرياض الذي اعقبه ببضعة اشهر نيسان الماضي ولحقه مؤتمر برلين جميع هذه المؤتمرات تهدف الى دفع الدول المانحة بدعم اليمن في مواجهة الارهاب.
لكن النتائج والمعطيات للعمليات الاستخبارية للجهد الاميركي اليمني المشترك لم يكن يوازي النتائج ابدا وهذا مادفع بعض اعضاء الكونغرس الاميركي بزياره اليمن عده مرات لمتابعة تنفيذ الحكومة اليمنية تنفيذ خططها في مكافحة الارهاب.
اميركا استخدمت اسلوب القتال بالنيابة والاكتفاء بالتمويل والتجهيز لتقليص خسائرها البشرية وهذا الاسلوب سبق ان اتبعته بعد خسارتها في الصومال واتبعته في العراق تحت اسم الصحوات لمواجهة تنظيم القاعده في العراق والان تحاول استنساخ تجربة الصحوات في افغانستان خاصة وان باتريوس قائد القوات الاميركيه الحالية في افغانستان هو عراب الصحوات في العراق فهل ستخرج لنا صحوات جديدة في اليمن؟؟
اميركا ادركت خطر خسارة مكانتها التقليدية في العالم ووجدت نفسها في صراع مع الوقت لمواجهة التنين الصيني اقتصاديا وسياسيا بعد ان سحبت الصين البساط من تحت الحمار الاميركي في دول افريقيا وجنوب شرق اسيا واستراليا.
العراق هو الخاسر الاكبر في مارثون السياسة الاميركية والسياسة الاقليمية، ويبدو ان العراق هو اول من دفع ثمن تداعيات احداث 11 سبتمبر اكثر من معقلها في كابول.
اميركا تهرب من العراق وتعود للتفاوض مع طالبان حليف القاعدة وخصم اميركا اللدود للخروج من افغانستان باقل العمليات القتالية فاليوم العراق وغدا افغانستان اما ايران التي وصفها البيت الابيض بالدولة المارقة فسوف لا تتعرض لضربة اميركية وان فعلتها اميركا فستكون ضربة الشاطر.