البارزاني .. زعيم راهن على الاستقلال فحصد العزلة
تلقى الرئيس الكوردستاني مسعود البارزاني ردا قويا من الحكومة المركزية بالعراق
وبدعم إقليمي ودولي منذ إعلانه استفتاء الانفصال عن العراق ،
وكشفت التطورات التي لحقت الاستفتاء عن وقوع البارزاني في فخ دعم موهوم
لتيسير طريق بناء دولة كوردية، حيث لاقت هذه الخطوة تنديدا عربيا ورفضا دوليا،
واتفق الخصوم كما الحلفاء في المنطقة على ضرورة رفض الانفصال وكبح الحلم الكوردي
ما جعل الزعيم الكردي يعاقب بالعزلة، كما أسفرت معركة كركوك
عن القضاء على حلم الاستقلال بالضربة القاضية، وهو ما سيستوجب على البرازاني
مراجعة موقفه المتشدد وفتح باب للتفاوض.
الثلاثاء 24 ـ 10 ـ 2017
العرب : بغــداد ـ
خسر الرهان:
اختفى رئيس كوردستان العراق مسعود البارزاني عن شاشات التلفزيون
بعيد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، بعدما خسر رهانه
على دعم دولي لم يحصل عليه، ما جعله وحزبه
معزولين داخل العراق وخارجه ، واستعادت السلطات الاتحادية العراقية الأسبوع الماضي
السيطرة على معظم المناطق والمواقع النفطية المتنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب
قوات الييشمركة منها ، وتعتبر خسارة إيرادات الحقول النفطية
في محافظة كركوك بمثابة القضاء
إلى حد كبير على أحلام إقليم كوردستان العراق بالاستقلال.
وكان البارزاني الذي بادر إلى تنظيم الاستفتاء، ذهب بعيدا
في مشروعه الطموح لإعلان دولة كوردستانية مستقلة
عن بغداد التي أكد مرارا “فشل الشراكة” معها.
فالرجل الذي دعا إلى استفتاء الانفصال،
وقد أضفت عليه تلك الدعوة صفة الزعامة التاريخية بالنسبة إلى عامة الأكراد،
كان على يقين من أن هامش المغامرة في دعوته يكاد لا يُرى.
وحين عقد مؤتمرا صحافيا قبل يوم من الاستفتاء للتأكيد على المضي فيه
رغم المساعي الدولية لإيجاد صفقة تحول دون إجرائه، بدا المقاتل الكوردي السابق
ببزته الكوردية التقليدية وكوفيته، مرتاحا، إلى أن ظهر رئيس الوزراء العراقي
حيدر العبادي في كلمة تلفزيونية بثت بالتزامن.
تغيرت ملامح الرئيس الكوردستاني وقتها، وبدا متوترا بعدما لوح العبادي
بعدم السماح بالانفصال. لكنه مع ذلك، واصل مشروعه الانفصالي،
إلى حد بدأ الشارع الكوردي يعلّق آماله على
“تغريدة داعمة من الرئيس الأميركي” دونالد ترامب.
ويقول المحلل السياسي كيرك سويل ناشر مجلة “إنسايد إيراكي
بوليتيكس” إن “رهان بارزاني لم يكن إلا استنادا إلى دائرة ضيقة
من المستشارين وليس من خلال عملية ديمقراطية”.
ويوضح سويل أن “القرارات الاستراتيجية للرئيس الكوردستاني
على مدى سنوات كانت تتم بالطريقة نفسها، ولفت إلى أنه “على
هذا المقياس كانت اتفاقيات النفط مع تركيا قرارا
من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وليس قرارا صادقَ
أو اطلع عليه برلمان الإقليم”.
ويضيف المحلل السياسي في تصريحات صحافية “يبدو لي
أن البارزاني محاط بأشخاص يقولون له ما يريد سماعه” ،
ويتحدث العديد من الأكراد حاليا عن وقوع البارزاني في فخ
حول دعم موهوم أقنعه به مقربون، أبرزهم وزير الخارجية العراقي السابق
هوشيار زيباري ومحافظ كركوك المقال نجم الدين كريم.
القضاء على الحلم الكوردي :
تسعى عائلة البارزاني منذ عقود للانفصال عن العراق.
ويتطلع البارزاني إلى تجسيد طموحات الشعب الكوردي ويقدم نفسه على
أنه الشخصية القادرة حاليا على تحقيق هذا الهدف.
البارزاني قد يضطر إلى تجميد أو إلغاء نتائج الاستفتاء، في حال فشل سعيه لتأمين
دعم غربي من قبل أكراد الشتات ، لكن لا يمكن لهذا الأمر
في ظل التركيبة الحالية للعراق أن يحصل
من دون موافقة بغداد، ما دفع بالحكومة العراقية إلى قطع الأوصال الاقتصادية المهمة
عن إقليم كوردستان عقب الاستفتاء، وصولا إلى التقدم عسكريا والسيطرة
على جميع المناطق المتنازع عليها ، ولفت مراقبون إلى
أن حملة استعادة كركوك كانت ضربة له، شخصيا،
فهي طعنة نافذة للقضية الكوردية ذاتها ، فهو بمعركة كركوك لم يحقق شيئا
لشعب كوردستان سوى أنْ قضى على الحلم الكوردي بالاستقلال،
ودفنه لخمسين أو لمئة سنة قادمة،
ثم أخرج كركوك من خارطة الدولة الموءودة، من الآن وإلى زمن آت بعيد.
وكان البارزاني يدرك أن الحلم الكوردي لن يكون ذا معنى من غير كركوك،
المدينة الغنية بالنفط. لذلك فإن وعده بكوردستان المستقلة سيكون بمثابة
نفخة هواء إذا لم يتم الاعتراف، وهنا وقع البارزاني في المحظور دوليا ،
وزرع بخسارته في كركوك في أعماق كل مواطن كوردي شعورا بالخيبة والفشل
حين استفز أنقرة وطهران وبغداد ودمشق، معا، واستخرج أقصى ما لديها
من حقد مزمن ومتأصل على أيّ محاولة استقلال كوردية، حتى قبل أن ترى النور.
وقد أضاع على الشعب الكوردي، في ساعات، ما كسبه في سنين،
من الثروة والاستقلال والأمن والأمان. في المقابل حرضت خطوة إعلانه استفتاء الاستقلال
توحيد المواقف العربية والأميركية كذلك الترك الكارهين للتمدد الإيراني في العراق،
وجعلهم يقبلون بكارثة احتلال الحرس الثوري الإيراني لكركوك، خوفا من كارثة أكبر وأخطر
وأكثر عنفا ودموية قد تتسبب فيها مغامرة مسعود الانفصالية ،
لذلك بات الأمل الوحيد بالنسبة إلى البارازاني في حرمان العراق من دعم إقليمي ودولي،
ورأى سويل أنه “في ظل عمل حزبي الاتحاد الوطني الكوردستاني وغوران (التغيير)
مع بغداد، فإن الأمل الوحيد للحزب الديمقراطي الكوردستاني حاليا هو
أن تفقد بغداد الدعم الدولي”. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن “ذلك
لا يعني أن في الإمكان القول إن البارزاني
فقد كل شيء سياسيا، لأن إقليم كوردستان ليس نظاما ديمقراطيا،
ولا وسيلة لضمان أن الانتخابات المقبلة ستكون نزيهة”.
وفي هذا السياق يوضح المحلل السياسي في معهد الشؤون الدولية والاستراتيجية
في فرنسا كريم بيطار أن “الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأسره، باستثناء إسرائيل،
ملتزمون بوحدة العراق” ، ويضيف في تصريحات صحافية “سيتعين على البارزاني الآن
أن يعيد النظر في موقفه المتشدد وأن يعيد فتح قنوات التفاوض”.
وضع رئيس كوردستان الأكراد في موقف صعب من خلال
جمع دول متخاصمة أصلا ضدهم، وصولا إلى خلافات داخل البيت الكوردي ،
ويرى متابعون أن أكبر خطايا البرزاني اتخاذه الحقّ
القومي الكردي حجة له في عالم السياسة، وسلاحا أراد به ليّ ذراع حيدر العبادي،
المحمي إيرانيا وأميركيا، وإرهاب الحشد الشعبي، وكسر أنف الولي الفقيه،
ثم يخنق به إخوته “الأعداء” في السليمانية، ليفرض نفسه، في النهاية،
وأبناءه وأبناء أعمامه وأخواله، ملوكا لكوردستان.
التقليل من القومية :
يشير المحلل المختص بالشؤون الكوردية موتلو سيفير أوغلو إلى
أنه “بهذه السياسية البراغماتية فقثد وضع البارزاني الأكراد في موقف صعب
من خلال جمع دول متخاصمة أصلا ضدهم،
وصولا إلى خلافات داخل البيت الكوردي”،
معتبرا أنه “أخطأ في قراءة الموقف وتفسير الرسائل”.
ودعت حركة غوران الأحد البارزاني إلى الاستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ
وطني تتولى الحوار مع بغداد وتنظيم انتخابات ،
ويقول سيفير أوغلو للصحافة الفرنسية إن “الولايات المتحدة واضحة جدا
في دعم عراق موحد يلعب فيه الأكراد دورا موازنا”.
وتابع اوغلو “ربما كان البارزاني يعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان
لن يعارض استقلال الأكراد لأنه فضل أربيل على بغداد في السنوات الأخيرة،
لكنه لم يتنبأ برده القوي على الاستفتاء والاستقلال”.
وتبدي الحكومة الكوردستانية حاليا استعدادا للتفاوض مع بغداد من دون شروط، لكن العبادي
يضع إلغاء نتائج الاستفتاء شرطا لبدء الحوار. ولهذا، قد يضطر البارزاني
إلى تجميد أو إلغاء نتائج الاستفتاء، في حال فشل سعيه لتأمين دعم غربي
من خلال دعواته إلى أكراد الشتات بالتظاهر
في دول أوروپا ، وعزز الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 “الرؤية الكاذبة”
بأن البلاد ليست إلا فسيفساء من هويات عرقية وطائفية،
بحسب بيطار الذي يضيف أن “هناك اتجاها مشتركا مؤسفا بين العديد
من المحللين وصانعي السياسات للتقليل من القومية العراقية”.
ويؤكد، مستشهدا بالكاتب الأميركي الساخر مارك توين،
“يمكننا القول إن أحداث الأيام القليلة الماضية تشير إلى
أن تقارير وفاة العراق مبالغ فيها إلى حد كبير”.