'فصائل الحشد الولائي' تحرج العراق أمام المجتمع الدولي
إعلان المليشيات العراقية المرتبطة بإيران عدم تسليم سلاحها ومواصلة قتالها خارج البلاد تربك العبادي بعد دفاعه عن مليشات الحشد.
ميدل ايست أونلايبغداد - بعد ساعات على إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي انتهاء المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن قادة الفصائل الشيعية تسليم أسلحتهم ووضع مقاتليهم تحت تصرف الحكومة، ولكن الأمر ليس سهلا، فهناك فصائل ما زالت معاركها مستمرة.
حالة من الفزع سيطرت على سكان منطقة الدورة جنوب العاصمة بغداد بعد سماع صوت إطلاق نار كثيف، بعد دقائق تبين أن مصدرها مراسيم تشييع احد الموتى، فمن الأعراف العشائرية هناك إطلاق الرصاص في الهواء تعبيرا عن الحزن.
ولكن المفاجأة أن مراسيم التشييع كانت لأحد مقاتلي الفصائل الشيعية، تساءل السكان، أين قتل؟ فالحكومة العراقية أعلنت انتهاء المعارك ضد التنظيم تبين لاحقا انه قتل في سورية خلال معارك ضد الدولة الإسلامية في بلدة البو كمال، فالحرب بالنسبة لبعض الفصائل الشيعية العراقية ما زالت مستمرة رغم انتهائها في العراق.
في التاسع من الشهر الحالي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي انتهاء المعارك ضد الدولة الإسلامية وانتصار قوات الأمن العراقية على التنظيم الذي احتل ثلث مساحة البلاد صيف العام 2014، ومنذ ذلك اليوم لم يعلن عن مقتل أي عنصر في قوات الأمن العراقية.
وكما كان متوقعا أعلن المرجع الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني خلال صلاة الجمعة الماضي أن على الفصائل الشيعية الاندماج في قوات الأمن العراقية، وحذر من مشاركتهم في الانتخابات، ولكنه أكد أن المخاطر ما زالت مستمرة في البلاد، كما قال في بيانه الذي تلاه نائبه عبد المهدي الكربلائي.
ومنذ أيام ينشغل السياسيون في نقاشات حول مستقبل الفصائل الشيعية التي قاتلت التنظيم إلى جانب الجيش العراقي، وأعلن عدد من قادتها استعدادهم لتسليم أسلحتهم إلى الدولة ووضع مقاتليهم تحت إمرة الحكومة، ولكن في الواقع ليس جميع الأسلحة والمقاتلين.
تصنّف الفصائل الشيعية إلى ثلاثة أقسام، التابعة إلى إيران وترتبط دينيا بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والتابعة إلى المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف وليس لديها طموحات سياسية وترفض القتال خارج البلاد، والتابعة إلى الأحزاب الشيعية العراقية مثل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، و"المجلس الأعلى الإسلامي".
"فصائل المقاومة" أو "فصائل الحشد الولائي"، مسميات تطلق على الفصائل الشيعية التي تشكلت قبل هجوم الدولة الإسلامية والعامل المشترك بينها ولائها الديني للمرجعية الدينية في مدينة قم والمرشد الإيراني علي خامنئي وليس للمرجعية الدينية في النجف بقيادة السيستاني، ولعبت هذه الفصائل دورا في الملف الأمني في البلاد طيلة العقد الماضي.
ومع إعلان السيستاني فتوى الجهاد ضد التنظيم في حزيران (يونيو) العام 2014 انضمت هذه الفصائل إلى جانب آلاف المتطوعين الذين لبّوا فتوى السيستاني، وبسبب الحاجة إلى تنظيم هذا العدد الهائل من المقاتلين أسست الحكومة العراقية هيئة رسمية أطلق عليها "الحشد الشعبي".
فصيل "سرايا الخراساني" احد الفصائل التي شكلها القيادي في "الحرس الثوري الإيراني" حسن تقوي والذي قتل في معارك سامراء ضد الدولة الإسلامية في كانون الأول (ديسمبر) 2014، ويرفع هذا الفصيل صور علي خامنئي على مقراته وعجلاته العسكرية.
ويقول عباس المحمداوي احد أعضاء "سرايا الخراساني" خلال اتصال عبر الهاتف "هناك فرق بين "الحشد الشعبي" وفصائل المقاومة، الأول يقاتل في العراق فقط وتحت قيادة الحكومة العراقية، أما الثاني له أهداف اكبر فنحن نقاتل في اي ارض يتواجد فيها الإرهابيون في سوريا وغيرها".
تمتلك "سرايا الخراساني" لواء من المقاتلين في "الحشد الشعبي"، إضافة إلى لواءين آخرين في فصائل المقاومة، ويقول المحمداوي "قررنا وضع مقاتلينا المنضوين في الحشد الشعبي تحت تصرف الحكومة، وإعادة الأسلحة التي تسلمناها من الدولة، ولكن ذلك لا يشمل مقاتلينا في سوريا".
ويضيف إن "فصائل المقاومة لديها أهداف اكبر، نحن على استعداد للقتال في اي ارض تعاني من الظلم والإرهابيين، في سوريا أو لبنان وحتى اليمن إذا تطلب الأمر، وتشكيلاتنا العسكرية الموجودة في سورية تضم مقاتلين سوريين لا عراقيين فقط".
فصائل "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"سرايا الخراساني" و"النجباء" و"كتائب سيد الشهداء" ابرز ما تعرف بـ"فصائل المقاومة"، تأسس بعضها قبل عقود مثل "بدر"، وأخرى بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وأخرى تشكلت بعد اندلاع النزاع السوري عام 2011. وشاركت في القتال الدائر هناك إلى جانب النظام السوري تحت قيادة "حزب الله" اللبناني.
وعندما التنظيم العراق واحتل مدينة الموصل، دعا السيستاني إلى الجهاد ضدهم، وفتحت هذه الفصائل باب التطوع إلى صفوفها إلى جانب مقاتليها الأساسيين المعروفين بولائهم الأقوى وخبرتهم العسكرية الأفضل، أما اليوم وبعد القضاء على المتطرفين في العراق فأنهم سيتخلون فقط عن المتطوعين الجدد وليس مقاتليهم القدامى، لان هدف هذه التشكيلات ابعد من الدولة الإسلامية.
احد أهداف "فصائل المقاومة" المثيرة للجدل هي محاربة القوات الأميركية وفقا لـ أبو فاطمة الدراجي احد أعضاء "كتائب سيد الشهداء"، ويقول في اتصال عبر الهاتف إن "فصائل المقاومة ضد المحتل الأميركي، شاركنا في محاربة قواتهم في العراق منذ العام 2006 وكبدناهم خسائر كبيرة، وما زلنا نعتبرهم أعداء حتى اليوم".
في آب (أغسطس) الماضي قتل وأصيب العشرات من مقاتلي "كتائب سيد الشهداء" داخل الأراضي السورية على الشريط الحدودي مع العراق، وقبلها بثلاثة أشهر قتل وأصيب عدد من مقاتليها عند معبر التنف في الأراضي السورية أيضا، وهاتان الحادثتان تمت بواسطة غارات جوية أميركية، وفقا للدراجي.
ويقول الدراجي أيضا "قاتلنا الإرهابيين في سورية قبل أن يتسللوا إلى العراق، وشاركنا في معارك الغوطة الشرقية وريف دمشق وغيرها وقدمنا العديد من الشهداء والجرحى هناك، وبعد سقوط الموصل بيد الإرهابيين عاد المئات من مقاتلينا إلى جانب المتطوعين الجدد للمشاركة في القتال، وحققنا انتصارات في ديالى وصلاح الدين والموصل وطردنا الإرهابيين من ضواحي بغداد".
ترفض فصائل المقاومة الاندماج مع القوات الأمنية وتسعى لتكون قوة مستقلة عن الدولة كما هو نموذج "حزب الله" في لبنان، كما أنها تطمح للمشاركة في الانتخابات، وتعلن عن مواقف سياسية متشددة تخالف موقف الحكومة العراقية في بعض الأحيان، فقادتها مثلا يطلقون مواقف معادية ضد إقليم كردستان، ويرفضون التقارب الدبلوماسي مع السعودية ودول الخليج.
السبت الماضي قال زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي خلال احتفال في مدينة كربلاء أقيم بمناسبة الانتصار على "الدولة الإسلامية "بعد القضاء على داعش يبقى أمامنا ثلاثة أعداء، إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية التي تريد خداعنا من خلال فتح صفحة جديدة".
ولم يفت الخزعلي تقديم الشكر والثناء إلى إيران "وحزب الله" لوقوفهما إلى جانب العراق، وهو موقف تتباه جميع الفصائل القريبة من طهران.
بعد يومين على إعلان الخزعلي وضع مقاتليه تحت تصرف الحكومة العراقية، ظهر الرجل في مقطع فيديو بالزي العسكري عن الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وقال تعليقا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل "من الحدود مع إسرائيل تعلن فصائل المقاومة عن جاهزيتها للوقوف مع الشعب اللبناني والفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وقبل أشهر، في آذار (مارس) الماضي، أعلن فصيل "النجباء" بزعامة أكرم الكعبي عن تشكيل قوة عسكرية باسم "لواء تحرير الجولان"، وأكد أن هدفه تحرير منطقة الجولان في سوريا ومحاربة إسرائيل، وهو مؤشر إلى إن الفصائل الشيعية باقية حتى بعد القضاء على المتطرفين، بينما قرر الكونغرس الأميركي الشهر الماضي اعتبار "النجباء" منظمة إرهابية.
بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعت "فصائل المقاومة" في بيان رسمي إلى القتال، بينما كان موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي استنكار قرار ترامب وأكد أن الحكومة العراقية ضد استخدام العنف.
تناقض مواقف الفصائل القريبة من إيران يمثل تحديا كبيرا أمام الحكومة العراقية، وبرغم ان المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي قال الأسبوع الماضي ان "الحشد الشعبي هيئة رسمية وهي جزء من المنظومة الأمنية العراقية، ولكن الفصائل التي لا تنتمي إلى الحشد للشعبي لم يعد لها مسوغ قانوني"، في إشارة واضحة إلى ما تعرف "فصائل المقاومة".
العراقيون أمام تحد كبير في التعامل مع الفصائل الموالية لإيران والتي تقاتل خارج الحدود، بينما يمنع الدستور العراقي ذلك، وتقول المادة الثامنة "يلتزم العراق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النـزاعات بالوسائل السلمية"، ولكن هذه الفصائل تحرج رئيس الوزراء أمام المجتمع الدولي، وعليه إيجاد حل لهذه المشكلة الصعبة، وإلا فالعراق قد ينخرط في صراعات إقليمية جديدة.(نقاش)