الاقتصاد أم السياسة وراء تفجر الأوضاع في كردستان العراق؟
Dec 23, 2017
بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: أثارت التظاهرات المطالبة بصرف الرواتب المتأخرة في إقليم كردستان العراق، مخاوف محلية ودولية، من ان تكون بداية لتدهور أوضاع الإقليم وجره إلى نزاع أهلي مسلح، مع مؤشرات باحتمال تدخل القوات الاتحادية لوقف التصدي العنيف للتظاهرات.
فقد جاء تحذير رئيس الوزراء حيدر العبادي، حكومة أربيل، ان حكومته «لن تقف متفرجة إزاء ما يحدث في كردستان، وان واجب الحكومة الاتحادية هو حماية المواطنين في جميع محافظات العراق وحماية ممتلكاتهم وممتلكات الدولة» فيما اعتبره المراقبون تلميحا إلى امكانية تدخل القوات الاتحادية لفرض الاستقرار في كردستان إذا تدهورت الأوضاع الأمنية فيه. وحمّل العبادي مسؤولية ما يجري في الإقليم، للسياسة الخاطئة وقرار الاستفتاء والتفرد به والذي أصر مسؤولو الإقليم على إجرائه، داعيا «السلطات الأمنية في كردستان إلى احترام حق التظاهر السلمي وحرية التعبير» ورافضا في الوقت نفسه التجاوز على الأملاك العامة والخاصة.
أما رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، فأكد ان ما يجري في كردستان يجب ان لا يخرج عن إطار التظاهر السلمي الذي كفله الدستور، داعياً إلى التهدئة والمباشرة بالحوار.
وقال الجبوري في بيان ان «التظاهرات حق من حقوق الشعب وممارسة سليمة يمكن من خلالها المطالبة بالحقوق»، وانه «يقف مع حقوق الشعب ومطالبه، على ان لا تتعدى أساليب التظاهر إلى العنف والتخريب وتعريض حياة الآخرين للخطر».
وأعربت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» عن بالغ قلقها إزاء أعمال العنف والتقارير الواردة بوقوع ضحايا خلال التظاهرات التي شهدها إقليم كردستان العراق في اليومين الماضيين. وأكدت على حق التظاهر السلمي، داعية قوات الأمن في كردستان إلى توخي أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين الذين طلبت منهم تجنب أي أعمال عنف بما في ذلك تدمير الممتلكات العامة والخاصة، بينما دعت السفارتان الأمريكية والإيرانية رعاياهما إلى الحذر في التحرك في الإقليم.
أهداف التظاهرات
وكانت التظاهرات الغاضبة، عمت محافظتي السليمانية وحلبجة شمال العراق وأطرافهما لعدة أيام، احتجاجا على عدم صرف رواتب الموظفين والبيشمركه وتدهور الأوضاع المعيشية، وسط مطالبات بإقالة حكومة الإقليم التي اتهموها بالفساد وسوء الإدارة، مع ملاحظة ان محافظتي أربيل ودهوك اللتان يديرهما حزب مسعود بارزاني لم تشهدا تظاهرات بسبب الانتشار الأمني الكثيف.
وعكست التظاهرات حجم معاناة المواطنين من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيش فيها الإقليم منذ حوالي سنتين جراء قطع رواتب الموظفين وإيقاف الخدمات رغم وعود حكومة الإقليم بحل هذه الأزمة، ولذا أقدم المتظاهرون على اقتحام وحرق مقرات الأحزاب الكردية الخمسة وبعض الدوائر الحكومية، كما نظم موظفو بعض الدوائر اضرابات عن العمل، بينما قام متظاهرون آخرون بغلق الطرق الرئيسية بين السليمانية وكركوك وأربيل. وأعلنت السلطات في مدن جمجمال وكفري، عن حظر التجوال مساءً داخل القضائين بعد وقوع حوادث عنف متبادل أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين المتظاهرين ورجال الأمن.
ولم تقتصر الشعارات التي أطلقها المحتجون على الدعوة لصرف الرواتب المتأخرة ورفض تخفيضها فحسب، بل امتدت إلى مطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي والبرلمان الاتحادي بالتدخل لحل أزمة الإقليم، مع دعوات لقوات البيشمركه العسكرية والآسايش الأمنية بالانضمام إلى المحتجين، والذين انضم بعضهم إلى المتظاهرين فعلا. وقد رفع بعض المتظاهرون وقوى سياسية من سقف مطالبهم عندما طالبوا برحيل حكومة الإقليم وتشكيل حكومة طوارئ لحل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الإقليم، متهمين الأحزاب الكردية بالفساد والتخلي عن كركوك والمناطق المتنازع عليها. بينما أقدم بعض المتظاهرين على حرق العلم العراقي وتمزيقه متهمين بغداد بالمسؤولية مع حكومة الإقليم عن تدهور الأوضاع.
نظرة كردية للتظاهرات
ويقول فريد أسسرد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، لـ»القدس العربي»، ان الاتحاد الوطني أصدر بيانا انتقد فيه قرارات الحكومة وطالبها بإلغاء نظام الإدخار الإجباري، مقرا ان الواقع يشير إلى ان الحكومة في وضع لا يسمح لها بالتحرك لعدم وجود خيارات كثيرة لحل الأزمة، وان سياسة الحكومة السابقة تركت أثرا سيئا جدا على العلاقة بين الحكومة والمواطنين. وان ما يحدث هو انعكاس لتدهور هذه العلاقة، منوها إلى ان الشارع لا يفصل بين الأحزاب المشاركة في الحكومة والتي خارجها ويعتبرها جميعا تتحمل مسؤولية التدهور في أوضاع الإقليم.
وأقر القيادي الكردي بوقوع قتلى وجرحى أثناء الهجوم على مقري الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في منطقة رانية، معبرا عن اعتقاده ان الظروف غير مواتية لهذه التظاهرات خاصة انها لا تعبر عن برنامج وطني وتتجه نحو تخريب الممتلكات العامة والحزبية، وحتى بيوت المواطنين جرى الاعتداء عليها، مؤكدا انه سيكون هناك رد حازم على التجاوزات، وسـيــتم التعــامل مع التظـــاهرات على ان القائمين بها هم أشخاص مشــاغبون لديهم أجندة خاصة ليس لها علاقة بمطالب المواطنين. وعن الدور الممكن لبغداد في حل أزمة الإقليم، أشار أسسرد إلى ان حكومة بغداد يمكنها ان تساعد في حل مشاكل الإقليم، مثلا من خلال البدء في المفاوضات لحل المشاكل بين الطرفين وخاصة ما يتعلق برواتب الموظفين والبيشمركه. ويمكنها ان تكسب الشارع الكردي بصرف بعض الرواتب ولو بشكل مؤقت. ونفى صحة اعتقاد البعض في الشارع ان لبغداد دور في التظاهرات وانها تصب في صالحها لانه لا دليل على ذلك، قائلا ان الأمور تتحرك من أطراف داخلية بسبب عدم وجود خدمات وبعد قرار حكومة الإقليم الأخير بتخفيض جديد على رواتب الموظفين والبيشمركه والآسايش.
وأضاف ان حكومة الإقليم لا يمكنها تقديم المزيد من التنازلات بدون بدء المفاوضات، مبينا ان الاشراف الدولي على المفاوضات يطلبه الإقليم كطرف ضامن ورقيب على الاتفاق بين أربيل وبغداد، كاشفا عن ان هناك مقترحا قدمته هيئة رئاسة الجمهورية (فؤاد معصوم ونوابه) مؤخرا يرى ان الطرف الثالث في المفاوضات يمكن ان يكون الرئاسة، وهو أفضل باعتباره ضمانا داخليا وليس خارجيا.
الأزمة بين بغداد وأربيل
ويذكر ان الأزمة السياسية بين حكومتي أربيل وبغداد، تمتد إلى أكثر من سنتين عندما أوقفت بغداد صرف حصة الإقليم من الميزانية وقامت أربيل بتصدير نفط كركوك والشمال عبر تركيا دون العودة إلى الحكومة الاتحادية، إلا انها تنامت بعد الاستفتاء على الانفصال وقيام القوات الاتحادية في 16/10/2017 بدخول كركوك والمناطق المختلف عليها.
وزاد الطين بلة في العلاقة بين الطرفين تقديم حكومة العبادي مشروع الميزانية الاتحادية لعام 2018 إلى مجلس النواب الاتحادي، والتي جرى فيها تخفيض حصة محافظات كردستان من 17 إلى 12،6 في المئة، الأمر الذي اعتبرته القيادة الكردية يأتي ضمن سلسلة من إجراءات بغداد العقابية على الشعب الكردي جراء الاستفتاء على الانفصال، بينما أعلن العبادي ان إعادة النظر في نسبة ميزانية الإقليم جاءت لتصحيح السياق السابق في احتساب حصته ولتكون وفق نسبة السكان اسوة ببقية محافظات العراق، مؤكدا ضخامة وعدم دقة أعداد الموظفين والبيشمركه في الإقليم، كما أشار إلى وجود فساد في تهريب النفط من الإقليم.
مخاوف
وفي مؤشر على عمق الخلافات بين الأحزاب الكردية حول أزمة الإقليم، أعلنت حركة التغيير والجماعة الإسلامية تأييدهما للتظاهرات، بالتزامن مع إعلانهما الانسحاب من حكومة كردستان، كما قدم رئيس برلمان الإقليم يوسف محمد (من التغيير) استقالته من منصبه، بسبب اتهامهما لحكومة أربيل بالفساد والفشل في إدارة الإقليم، ولاستمرار التظاهرات التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وحذر مجلس أمن إقليم كردستان من الوقوع في «فخ خطير» يستهدف تهديد الأوضاع السياسية والاجتماعية في الإقليم داعيا المواطنين إلى الأخذ بحساسية المرحلة وعدم السماح باستهداف المؤسسات والأملاك العامة.
وقال المجلس في بيان إنه «للأسف شهدت الأيام الماضية في عدة مناطق في السليمانية وحلبجة وكرميان توترات أسفرت عن خسائر بشرية ومادية» معتبرا أن «ما يحدث هو خروج عن مفهوم التظاهرات».
وليس بوسع العراقيين سواء الشارع أو السياسيين والمتابعين، إلا إبداء القلق من تداعيات تأزم الأوضاع في الإقليم الذي لم يعد صراعا بين الأحزاب الكردية على السلطة، ولا بين حكومتي بغداد وأربيل فقط، بل أصبح الإقليم ساحة مفتوحة للتدخلات والصراع الإقليمي والدولي، وهو ما يفتح الأبواب على كل الاحتمالات التي يخشى ان يكون أبناء شعبنا الكردي حطبا لنار الصراعات ونتائجها، مع قلق جدي من ان تكون تظاهرات السليمانية بداية مخطط لجر الإقليم إلى الفوضى والاقتتال الداخلي، ولتشكل أزمة جديدة في عراق ما بعد تنظيم «داعش».