الفساد وفوضى الإدارة يعرقلان فرص إعادة إعمار العراق
يقول محللون إن إعادة إعمار المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش تواجه عقبات كبيرة وإن نوايا الجهات المانحة قد لا تترجم إلى الواقع، إذا لم تتمكن بغداد من لجم الفساد وزيادة شفافية وكفاءة المؤسسات العراقية، التي ستعمل مع الجهات المانحة على تنفيذ برامج إعادة الإعمار.
العرب /سلام سرحان-لندن – تصاعد الجدل في الأوساط الاقتصادية والشعبية في العراق مع تزايد الحديث عن برنامج واسع لإعادة إعمار العراق، في ظل شعارات واسعة عن مكافحة الفساد، لم تحرز أي نتائج حتى الآن، ويمكن أن تؤدي إلى تقويض فرص إعادة الإعمار.
وأصبح هذا الملف محور المزايدات السياسية بين الأحزاب المتصارعة على السلطة، في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات عامة مصيرية في 12 يوليو المقبل.
ويبدو الفساد وسوء الإدارة داخل المؤسسات الحكومية من أكبر العقبات أمام استقطاب أموال المانحين، بسبب انعدام كفاءتها نتيجة المحاصصة الحزبية والطائفية في تقاسم الوظائف العليا التي تذهب عادة لعديمي الكفاءة من الحزبيين الموالين للأحزاب المتنفذة.
ويقول الخبراء إن مفتاح ترجمة وعودة المانحين في المساهمة في إعادة الإعمار يكمن في اختيار كفاءات إدارية مستقلة بمعايير عالمية للإشراف على العملية من أجل فرض الانضباط في آلية صرف الأموال ومنع تسربها إلى شبكات الفساد التي تخترق جميع المؤسسات العراقية.
ويشكك معظم العراقيين بالنوايا التي يعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي عن إعادة الإعمار ومكافحة الفساد، لأنه ورث مؤسسات فاسدة وعديمة الكفاءة ولم يتخذ سوى خطوات خجولة حتى الآن لإصلاح الخراب المستشري في مفاصل الدولة.
وقد اصطدمت جميع محاولات مكافحة الفساد حتى الآن بعراقيل كبيرة بسبب ارتباط المسؤولين الفاسدين بكبار الأحزاب المهيمنة على الحكومة العراقية وصولا إلى مؤسسات القضاء التي برأت الكثير من المتهمين بعد إحالتهم إليها من قبل مؤسسات النزاهة.
ويؤكد مراقبون أن تعيين مسؤول فاسد على رأس مؤسسة حكومية يكفي لإفسادها ونشر الفوضى في جميع مفاصلها، في حين أن تعيين مسؤول بمعايير مهنية عالية يكفي لإصلاح عملها.
وتقود الكويت منذ عدة أشهر جهود حشد الطاقات لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار العراق، لكن تواجه صعوبات في التواصل مع المؤسسات العراقية متعددة الولاءات لوضع آلية شفافة لإقناع المانحين بجدوى صرف أموالهم.
وتشير التجارب السابقة في إعادة الإعمار إلى نتائج متباينة، وتؤكد أن كفاءة المؤسسات المشرفة عليها يمكن أن تستقطب جميع الوعود من الجهات المانحة، في حين أن الفساد وقلة الكفاءة يمكن أن يطردا الجهات المانحة.
وبدأت بعض القوى السياسية ضمن تحالف الأحزاب الشيعية الحاكم بالمطالبة بأن لا تقتصر عملية إعادة الإعمار على المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش وأن تشمل المدن في وسط وجنوب العراق من أجل كسب الأصوات في قاعدتها الانتخابية في تلك المدن.
وتقول تلك الأحزاب إن المدن الجنوبية شاركت في تحرير مدن شمال وغرب العراق وتضررت بشكل غير مباشر من الحرب ضد تنظيم داعش، وقد تؤدي تلك المحاولات إلى نسف جهود تخصيص الأموال اللازمة لإعمار المدن المحررة التي تعرضت لدمار شبه كامل.
وأكد النائب خلف عبدالصمد رئيس كتلة حزب الدعوة البرلمانية أن محافظات الوسط والجنوب مازالت تعاني الكثير جرّاء الحروب والحصار وأنها أيضا بأمس الحاجة إلى إعادة إعمار جذرية.
وشدد على “ضرورة شمول جميع محافظات العراق بخطط إعادة الإعمار لأن التمييز بين المحافظات لا يصب في إطار المصلحة الوطنية، ويثير الكثير من التساؤلات”.
وكانت وزارة التخطيط قد قدّرت حجم الأضرار المادية بأكثر من 100 مليار دولار في المدن المحررة، بينما عبرت الحكومة عن أملها بأن يسفر مؤتمر المانحين المزمع إقامته في الكويت مطلع مارس المقبل عن الحصول على ربع المبلغ للمساعدة في تسريع عملية الإعمار.
وأوضحت أن الإعمار سواء عبر المؤتمر الدولي أو من خلال الموازنة ستعتمد أيضا على برامج الإقراض التنموي وستغطي كل المحافظات وسيكون لإطلاق الفرص الاستثمارية الكبرى في 2018 دور مهم في إنعاش الاقتصاد وامتصاص معدلات البطالة.
وأكدت أن البرنامج سيتضمن إطلاق خارطة للفرص الاستثمارية قامت بإعدادها الهيئة الوطنية للاستثمار وستشمل عشرات المشاريع الكبرى في جميع محافظات البلاد.
وقالت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي إن “برامج اعادة الإعمار في العراق ستشمل جميع محافظات البلاد ولن تقتصر على المدن المحررة وإن إعادة الإعمار الشامل أصبحت هدفا أساسيا لتوجيهات رئيس الوزراء حيدر العبادي”.
وقال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله إن “مؤتمر المانحين لإعادة إعمار العراق سيشهد توجها جديدا بإشراك القطاع الخاص لتعزيز كفاءة عمليات الإعمار”.
وأكد أن الكويت تحركت بشكل فعال للتنسيق مع البنك الدولي كشريك أساسي في إعادة إعمار مختلف مناطق العالم وأن مؤتمر إعادة إعمار العراق سيكون برئاسة خمس جهات؛ هي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي إلى جانب العراق والكويت.
وأشار إلى أن بلاده بدأت اتصالات مع البنك الدولي عن طريق صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، لصياغة طبيعة المؤتمر. وأبدى تفاؤله بإمكانية مساهمة المؤتمر في تجاوز العراق للمرحلة الصعبة التي سببها الدمار.