البيت الآرامي العراقي

 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني Welcome2
 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي

 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني Welcome2
 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البيت الآرامي العراقي

سياسي -ثقافي-أجتماعي


 
الرئيسيةالرئيسيةبحـثس .و .جالتسجيلarakeyboardchald keyboardدخول

 

  قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
البيت الارامي العراقي
الادارة
الادارة
البيت الارامي العراقي


 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني Usuuus10
 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني 8-steps1a
الدولة : المانيا
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 10368
تاريخ التسجيل : 07/10/2009

 قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني    قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني Icon_minitime1الخميس 16 سبتمبر 2010 - 1:07

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
قراءة في قصة (ليلة المطر) للقاص حسن سليفاني

د. خليل شكري هياس
-
المدخل:

لا شك في أن انفتاح الفنون على بعضها البعض أفرز قيماً فنية جديدة للنص الإبداعي أياً كان نوعه، ومنح المبدعين مساحة واسعة من التحرك في مناطق الفنون، وعلى نحو قوّض تلك الأسوار المنيعة التي بناها النقد الكلاسيكي، هذا الانفتاح كرس - بطبيعة الحال- شعرية جديدة للنصوص الفنية، تقوم على التشارك والتلاقح في المرتكزات والآليات، واستلزم ذلك – بالضرورة – أعرافاً قرائية جديدة تواكب هذا الانفتاح الجديد.
القصة واحدة من الميادين التي اشتغل عليها المبدعون على وفق هذه الرؤية، متجاوزين بذلك قيود التقاليد الكتابية التقليدية في هذا المجال، ولم يكتفوا بالتعديل والتطوير من داخل النص بل تعدوها إلى التلاقح مع الماحول، فأخذوا من الشعر والرواية والمسرح والسيرة، والتشكيل والسينما، وذلك من أجل تجاوز حدود الاعتماد الكلي على طاقة السرد إلى دعمه بقدرات فنية عالية تفتح معها الأفاق السردية على مناخات تعبيرية وأدائية من شأنها دفع حركتها وديمومتها بكل ما يخدم النص ويعمل على خلق أفق قرائي مغاير عن السائد يستدعي بالضرورة قارئاً متسلحاً بثقافة منفتحة على كل الفنون.
وهذا بالضبط ما يفعله حسن سليفاني في قصته (ليلة المطر) التي يوظف فيها تقانة المونتاج السينمائي التي تعمل هنا على فلمنة القصة،في مسعى من القاص لخلق شعرية جديدة ترفع من مقولته السردية إلى درجة دلالية أعمق ومديات جمالية أوسع.


يعد المونتاج أسلوباً من أساليب العرض السينمائي، وهو(( فن ترتيب اللقطات السينمائية بعد تصويرها لا على أساس الترتيب الذي أُلتقطت به، ولكن على أساس فني وفكري آخر، خضوعاً لمضمون القصة السينمائية)) (1 )، هذا الأسلوب في بناء النص السينمي من شأنه تقديم المعروض من أوجه مختلفة وبإيقاعات متعددة ومتنوعة وبسرعات شتى.(‌‌2)على هذا الأساس يمكن عدُّ المونتاج (( القوة الخلاقة في الحقيقة السينمائية))(3 )، فهو الذي يعيد ترتيب مادة النص السينمي بعد أخذها من الواقع وإدخالها في مختبر الفن السينمي على نحو يولد معه دلالة خاصة، آخذاً بنظر الاعتبار أيضاً عدم التقيد بالتسلسل الطبيعي للحدث كما هو في الواقع، وإيجاد تسلسل من نوع آخر، يخضع لمبدأ الأثر الذي يريد المخرج حصوله في المتلقي.(4 )
هذا النوع من التقانة أغرى كتاب فنون القول على اختلاف توجهاتهم النوعية والأجناسية للاستفادة منه في تقديم أفكارهم أو شخصياتهم أو أماكنهم، أو أي عنصر سردي أو شعري آخر يمكن له التفاعل والتلاقح مع هذه التقانة، وصولا إلى فلمنة النص في لقطات أو مشاهد ومن ثم تقديمه على شكل ((وحدات متنوعة ذات كيان خاص بشكل يرتبط فيه بغضها بالبعض الآخر ارتباطاً أساساً في بناء الصورة الكلية))(5 )للنص، مع مراعاة مسألة جوهرية مهمة كامنة في وحدة الموضوع التي يجب أن يشكل فضاء النص العام، وعل نحو يتم معه خلق انتقالات انسيابية بين لقطة وأخرى أو مشهد وآخر من خلال دمج الصور وتداخلها، واستعمال أنواع المختلفة، وليس بالضرورة أن تكون انتقالات الصورة هذه مستندة إلى علاقة ظاهرية مرئية، بل يمكن استنادها إلى علاقات فكرية أو عاطفية.(6)
والمونتاج على أنواع متعددة يوظفه المخرج تبعاً للأثر الذي يريد إحداثه في المتلقي، هي:(7 )
1- المونتاج التناقضي: وفيه يتم تركيب لقطة مع لقطة أخرى متناقضة معها.
2- المونتاج المتوازي: وفيه يتم تركيب حدثين متوازيين متداخلين، إذ تقدم لقطة ثم لقطة أخرى على نحو متبادل.
3- المونتاج المماثل: وفيه يتم تقديم حدثين متماثلين، وإن لم تكن ثمة علاقة بينهما.
4- المونتاج الترابطي: وفيه يتم تقديم مجموعة لقطات متتابعة تربطها موضوع واحد وتعطي من خلال ترابطها تأثيراً معينا.ً
5- المونتاج التكراري: وفيه يتم تكرار لقطة معينة للإلحاح على فكرة معينة أو الإيحاء بأهمية تلك اللقطة في مسار العرض.
قصة (ليلة المطر) للقاص حسن سليفاني تشتغل وفق منظور المونتاج الترابطي وبأسلوبية مونتاجية عالية تفلمن كل ما في القصة عبر راوٍ خارجي يتخذ منه المؤلف معادلاً موضوعياً للمصور الكاميراتي في السينما، وعن طريقه يتم تقديم الأحداث والشخصيات والأمكنة والأزمنة، مغلفةً بالرؤى والأفكار، وموزعة إلى مشهدياتٍ تعبيرية، أربعة ولقطاتٍ متداخلةٍ تتفاوت في الطول والقصر تبعاً للمشهد المصور سردياً، وللحالة التعبيرية التي ترافق المشهد.
وقبل البدء بقراءة هذه المشاهد الأربعة يستوقفنا العنوان الذي لم يبتعد كثيراً عن هذه الأجواء، إذ تزودنا هذه العتبة القرائية منذ الوهلة الأولى بطاقة تصويرية تستمد قوتها من تقانة الوصف التي تعمل هنا على خلق لقطة تحمل في طياتها فضاءً رحباً ومفتوحاً في نزعتها التشكيلية والدلالية الأولية، تتمثل فيما تقدمه دلالة (الليل) الزمنية المقترنة بدلالة مكانية (المطر)، لتخلقان في النهاية منظراً وصفياً بإمتياز، ومفتوحاً على دلالتي السلب والإيجاب، تاركا للنص بما يحمله من رؤى وأفكار ودلالات تحديد أحدى الدلالتين.
يبدأ الشريط (السرد – سينمي) بمشهد استهلالي تتهيأ فيه الشخصية المركزية للخروج من المنزل، وهي شخصية لا اسم لها حالها حال بقية الشخصيات في النص، والتي تنم عن قصدية عالية من المؤلف فحواها عدم جدوى الهوية الشخصية في خضم هذا العالم المزدحم والمتحول إلى قرية صغيرة من حيث سرعة التواصل والإحتكاك، لكنها متشعبة ومترامية الأطراف والاتجاهات والتوجهات، على نحو يتحول معها الإنسان إلى مجرد رقم أو حيز يشغل مكاناً ما:

((أهناك أجمل من المطر؟
مشطتَ شعركَ بأصابعكَ مسدتَ شاربيكَ، غادرتَ الغرفة أقفلتَ الباب، علقتَ المفتاح في اللوح العتيق.
لم تنظر إلى المرآة التي صادفتكَ في الصالة.
نزلتَ الدرج، لم تكن بحاجة إلى فتح الباب، فقد كان نصف مفتوح.
- كم بهية رائحة الأرض بعد المطر!!
زررتَ (الزر) العلوي لسترتكَ، وضعتَ يديك في جيبي البنطلون الوحيد الذي جلبتَهُ معك.
- خذ الجوزي أيضا، قد تحتاجه.
- هذا يكفي، لن أتأخر كثيرا.))(8)

ينفتح المشهد على بنية استفهامية تعمل منذ الوهلة الأولى على استدعاء القاريءِ الضمني إلى منطقة النص، ليشارك الذات الساردة في رصد الأحداث والشخصيات، ولتضعه في دائرة استفهام إنكاري حاملٍ لجوابها معها، وعلى نحو توضيحي تقود معها بنية العنوان ذي الدلالة الزمكاني إلى ما هو إيجابي، راسمةً بذلك أفق توقعٍ مغرٍ للقاريء، يوحي بأجواءٍ متآلفة بين الزمكان وشاغليه.
يعتمد التصوير السردي في هذا المشهد على آلية تصوير كاميراتي، ترصد لقطات تصويرية متعددة للشخصية وهي تتهيأ للخروج، تبدؤها من الغرفة المفتوحة على أكثر من تأويل، إذ لم يحدد السارد هوية هذه الغرفة أهي غرفة فندق أم منزل(مشطتَ شعركَ بأصابعكَ، مسدتَ شاربيكَ)، ثم الصالة (غادرتَ الغرفة أقفلتَ الباب، علقتَ المفتاح في اللوح العتيق، لم تنظر إلى المرآة التي صادفتكَ في الصالة )، ثم لقطة (نزول الدرج)، وأخيراً لقطة المغادرة (زررتَ (الزر) العلوي لسترتكَ، وضعتَ يديك في جيبي البنطلون الوحيد الذي جلبتَهُ معك)، ولعل القراءة المتفحصة لهذه اللقطات تضع يدها أول ما تضع على ذلك الفرق الجوهري بين الرصد الوصفي، والرصد الكاميراتي، إذ يبدو الرصد الثاني رصداً
محايدأ لا تنحاز إلى رغبات الذات الساردة ونياتها،وتكتفي بملاحقة المادة الفلمية، فضلا عن أن مثل هذا الرصد يكون أقدر من الرصد الوصفي على مواكبة عملية الوصف في آن واحد، إذ يسير الاثنان في النص المفلمن وحتى في السرد الممنتج في خط متوازٍ،ومثل هذا السير من شأنه –طبعاً- رفد النص بطاقة تعبيرية عالية ترفع من درجة التوتر الدرامي في الحكي، ويسهم في تكثيف الدلالة. وفي هذا المشهد يأتي الحوار المكثف ليعزز أكثر من القدرة التعبيرية للنص (السرد- سينمي)، لأنه عنصر حيوي وفعال في كلا الفنين ولا يمكن لأي منهما الاستغناء عنه.
تطوي الكاميرا في المشهد الثاني من خلال تقانة الحذف مسافةً زمنيةً هي الفترة التي استغرقتها الشخصية المركزية في سفرها من مكان إقامتها إلى المدينة التي نزلت فيها، والحذف كما نعلم يتجلى على نحو أكبر في القصة ولا سيما القصيرة منها، كونها قائمة على التكثيف الذي يفترض عدداً من العناصر والتقنيات على مستوى اللغة والموضوع وطريقة التناول، فضلا عن رفضه للشرح والسببية والتعليل وعدم تشتيت الحدث(9 )، وإذا كان المشهد الأول يؤدي دور الاستهلال في النص، فإن المشهد الثاني يأتي لدفع دفة السرد إلى الأمام تمهيداً للوصول إلى المشهد الذروة المتمثل بالمشهد الثالث:

((سرتَ خطوات في الوحل تقارب عدد أصابع قدميك. وصلتَ رصيف الشارع المزدان بالكاشي الأصفر والأبيض.. تأملتَ الجبل الشاهق بصمت، سحبتَ نفساً عميقاً من هواء المطر:
- اااه ياللروعة!!
كانت أضواء الشارع باسمة، وحبات المطر تتراقص حولها والسوق غافية...
كنتَ فرحاً بقطرات المطر التي تُقَبَل شعرك.. وأصلتَ المسير إلى رأس السوق، عبرتَ إلى الجهة الثانية وعدتَ أدراجك، وثمة سيارة سوداء كانت تقطع الشارع..
وقفتَ قرب ذلك المقهى الصغير))(10)
يستند المشهد كسابقه على منظور رؤيوي بصري يجعل من النص بمثابة شاشة مرئية يتحول معه المتلقي إلى قاريءٍ مشاهد مع مراعاة فارق جوهري هو أن الرؤية هنا تمر عبر بوابة أو مختبر الخيال الذي يعمل هنا على تركيب الصور واللقطات. وبهذه الأسلوبية ذات الخواص المتميزة يعالج السارد مشهده محولاً إياه أيضاً إلى لقطات تبدو للوهلة الأولى كأنها لقطة واحدة لقوة تداخلها مع بعض على نحو ينم عن قدرة وفاعلية الممنتج في منتجة اللقطات، إذ استطاع أن يوظف آلة العين التي ترصد سير الشخصية في شوارع المدينة وصولاً إلى المقهى، وآلة الذهن التي تعمل بمعية العاطفة لإضفاء صور انزياجية تؤنسن أضواء الشوارع لتغدو باسمة وتؤنسن المطر التي تتراقص وتقبل شعر الذات المسرودة، وتؤنسن السوق الذي يغدو غافياً كناية عن السكوت والهدوء، وهذه اللقطات الجزئية الثلاث تحتشد في موقف دلالي واحد يعكس حالة شعورية تنم عن كثير من الألفة والراحة النفسية للذات المسرودة من جهة، وتنبئ عن قادم جميل تنتظره الذات المسرودة وهي تسير نحو الهدف.
أما ما قبل هذه اللقطات الجزئية في المشهد وما بعدها فسار على وفق آلة العين في مسعى من الذات الساردة لخلق حالة من التوازن بين التصوير المجرد والتصوير الممتزج بعبق الحس والشعور، وكل ذلك من أجل إيقاع المتلقي في حبال اللعبة السردية في النص والقائمة على السرد الموضوعي المسيطر على أكثر مفاصل النص عبر راوٍ خارجي مهمته تصوير القص بأسلوب حيادي تمنع سقوط النص في فخ الذاتية، فيعتقد القاريء أن ما يحكيه السارد في نصه هو حقاً قد حصل وأن السارد مجرد وسيط بينه وبين المسرود لأن ضمير الغائب/ الـ (هو) يوهم بتتابع الزمن عبر مراحل ثلاث هي: المسرود، والسارد والمتلقي.
في المشهد الثالث يهيمن الحوار الذي يتولى قيادة دفة السرد ودفعه نحو ذروة الحدث، وخلق توتر في القص من أجل بعث الحيوية في النص والإسهام في تنوع وإخصاب الدلالة، ثم يأتي الوصف بمعية السرد في المشهد ليؤدي دور الكاميرا الراصدة لحركة الشخصية:

((ليكن خفيفاً
ارتشفتَ قدح الماء.. وجلستَ على الكرسي الخشبي الهزيل في الخارج. قطعة الخيمة المنصوبة فوق رأسكَ حمتكَ من المطر الذي تحبه. مددتَ ساقيك بكل حرية.
- الله بالخير
- الله بالخير
قبل أن تلامسَ أصابعكَ الملعقة الصغيرة، وقفت تلك السيارة السوداء، قبالتك، رفعتَ شايك وارتشفتَ شيئاً منه.
- يالك من محب للشاي!!
- ولك أيضاً يا حلوتي
- اشرب، اشرب، قبل أن يبرد، وكفى كلاماً معسولاً
- وليبرد.. ستسخنيه ثانيةً يا خفيفة الظل.
- يالحبك هذا!!
ابتسمتَ، رفعتَ رأسك، كان الرجل الجالس في السيارة يحدق فيك بغضب معلن، أعطيت لصاحب المقهى مائة فلس وقلت له:
- ألا تأتيني بشاي آخر من فضلك؟
- بكل سرور))(11)
يعمل هذا المقطع من المشهد الثالث علي تجسيد فضاءٍ شعبي ذي دلالة حميمة يتمثل في فضاء المقهى الشعبي المتحول إلى بؤرة مكانية اجتماعية، وعلامة من علامات الانفتاح الاجتماعي، إذ يغدو مكاناً للقاء المحبين ومسرحاً لسريان الحدث السردي المصور ضمن رؤية فلميه يتظافر فيها الوصف والسرد والحوار في إخراج هذا الجزء من المشهد على نحو متناوب يرفع من درامية الحدث (لقاء المحبين) من جهة، ويدفع بالنص إلى منطقة المونتاج من جهة أخرى.
تستند رؤية النص عامة كما هو واضح في النص على منظور بصري يعمل على تشكيله عدسة الراوي التي تعمل على التقاط جزيئات الحياة اليومية في المشهد بدءاً بالتحية (الله بالخير) ذي النكهة العراقية، مروراً بشرب الشاي، وأثاث المقهى (الكرسي الخشبي، وقطعة الخيمة المنصوبة على بوابة المقهى) وانتهاءً بالحوار السلس بين الشخصيتين، والذي ينم عن حميمية وألفة تكشفان عن مدى تقارب الشخصيتين، في مسعى من الراوي لتعميق البعد الدلالي لهذه الجزئيات اليومية من خلال زجها في صورة مشهديه تعبيرية، تفرز جواً من الألفة والمحبة والحميمية من قبل المكان وساكنيه.
إلا أن هذا الجو سرعان ما تعكر بدخول شخصية أخرى على المسرح، تتمثل بشخصية السائق المراقب للحدث المفلمن والملتقط للحوار الجاري بين الشخصية المركزية والمرأة التي تحاورها:
((تجاهلتَه لم تنظر إلى جهته، إلا أنه لم يقدر أن يتمالكَ نفسَه، وبانفعال صارخ خرج من السيارة وقصدك، قال لك بصوت جاف:
- على من تضحك؟
وضع رجل المقهى شايك فوق الطبلة الحديدية ذات الأقدام الثلاث، بهدوء أدرتَ الملعقة الصغيرة.
نفذ صبره:
- أأخرس؟؟ ألا تسمعني؟
أخرجتَ الملعقة من استكان الشاي ووضعته في الطبق قلت له بهدوء:
- بأي حق تسألني هذا السؤال؟
بدت عيناه وكأنهما ستخرجان من محجريهما، مد يده نحوك وقال:
- لأنك تضحك علي.
ببرود أعصاب قلت له:
- أنا.. أض..ح..ك.. عليك؟
- أجل... أجل
- وهل أعرفك لكي أضحك عليك؟
- وهل هناك في هذه المدينة من لا يعرفني؟
- لكنني لست من هذه المدينة
حينما قلت له ذلك، قلَّ حماسه، وأصبح في شك من أمرك، بصوت يكتنفه الخنوع قال لك:
- من أية مدينة أنت إذاً؟
بابتسامة قلت له:
- لا تملك حق هذا السؤال أيضاً.. أليس كذلك؟
.........
صمت قليلاً وأردف قائلاً
_ أرجو ألا أكون قد أزعجتك ))(12)
إذا كان الحوار في المقطع الآنف الذكر يجسد فضاء من الآلفة والمحبة بين الشخصية المركزية وشخصية المرأة. فإن الحوار في هذا المقطع يجسد فضاءً متناقضاً تماماً بين الشخصية المركزية وشخصية السائق ليخلق بذلك نوعاً من التوتر والتصعيد على مستوى النص وصولاً إلى الذروة الحبكية في الجزء الأول من المقطع ومن ثم النزوح إلى الحل من خلال تقانة المفارقة عندما يفند الحوار الجاري بين الشخصيتين شكوك السائق، والمفارقة هنا تشتغل بأسلوب تكثيفي عالٍ، مع استعانة بأسلوب السخرية الذي يعمل في النص على خلق رؤية انتقاديه تتخذ منها الشخصية سلاحاً لمواجهة غضب السائق ومن ثم تبديده، وهذا الأسلوب أكثر ملائمة مع القصة القصيرة لأنها غالباً ما تشتغل على الجزئيات من جهة، ويرتبط بالجرأة من جهة أخرى، وكلاهما مطلوب في القصة القصيرة.
أما معاينة النص مونتاجياً، فإننا نلمس وعياً تشكيلياً واضحاً للقاص، فالنص هنا يتمتع بسمات المشهد الحواري السينمائي، إذ اعتمد القاص في بناء الأحداث على نظام اللقطة من خلال الوصف المسردن الذي يتخلل الحوار، ليقسمه إلى أجزاء، يؤدي فيه كل جزء دوراً من المشهد وفي النهاية تتظافر هذه الأجزاء لتعطينا شريطاً (سرد- سينمياَ) تتعانق فيها اللغة والكاميرا، وهذا التصاق بالضرورة ناتج من وعي بطريقة التقاط العناصر وتشكيلها في كلا الفنين السردي والسينمي، وعلى نحو يعكس رؤية مونتاجية تفصح عن جمالية فنية.

ويأتي المشهد الرابع والأخير تتويجاً للبناء المشهدي الذي قامت عليه القصة، وإذا كان المشهد الأول مشهداً استهلالياً فإن المشهد الأخير جاء بمثابة الخاتمة والقفلة التي تعد ذات خصوصية كبيرة في القصة القصيرة:
((نهضتَ مغادراً... وصلتَ إلى جثث التليفونات المتراصة وددتَ أن تسمعَ صوت أطفالك، لكنك تذكرت أن دراهمك قد نفذت.. مرة أخرى ضحكت، رفعت رأسك إلى السماء القاتمة وكنت تبتسم من القلب، لهواء المطر البارد..
- حقاً المطر جميل..!!)) (13)
يشتغل المشهد الختامي بطاقة تكثيفية عالية وعلى نحو يتحقق معها حالةً من الإدهاش الناتج عن خاتمة مفتاحية تختم أحداث القصة ظاهرياً لتفتح باب التحليل والتأويل والمساءلة من خلال منح شريط الحكاية أبعاداً دلالية تتضاد في بعض دلالاتها وتتناظر في بعضها، وتتسلسل في أخرى، ولعل من أفضل صور التضاد تلك المتشكلة من الحالة النفسية المرحة للشخصية المركزية في القصة والحالة النفسية المتأزمة لشخصية السائق، أما دلالة التناظر فتتمثل في العبارة الأولى التي يفتتح بها القاص القصة (أهناك أجمل من المطر) بصفتها الاستفهامية الحاملة لجوابها معها، والعبارة الأخيرة (حقاً المطر جميل!) بصفتها التعجبية، وهنا جاءت لتؤكد على الدلالة الايجابية التي حملتها البنية الاستفهامية في بداية القص، أما التسلسل فكامن في بنية المونتاج الترابطي القائم على تسلسل اللقطات بدءاً بالمشهد الاستهلالي ومروراً بالمشاهد الثلاثة الوسطية وانتهاءاً بالمشهد الختامي.
وأخيراً يمكننا القول: إن القاص استناداً إلى المعطيات القرائية الأنفة الذكر استطاع الحرث في منطقتين فنيتين تتمثلان في فني القص والسينما ممثلاً بتقانة المونتاج الذي يعمل على رفد النص بطاقة سرد- درامية تندفع بالقاص إلى مستوى عالٍ من الشعرية مع الاحتفاظ بالجوهر القصصي والمتمثل بتوفر اغلب عناصر القص من سرد وحوار ووصف وكل ذلك جرى بانسيابية عالية وبأقصى طاقات التدليل الممكنة.





الهوامش والإحالات
1) ) ينظر: المغامرة الجمالية للنص الشعري، محمد صابر عبيد، عالم الكتب الحديث ودار جدارا للكتاب العالمي، عمّان – الأردن، ط1، 2008: 225
2) ) ينظر: الفن والمجتمع عبر التاريخ، أرنولد هاوزر، ترجمة: فؤاد زكريا، 1971: 55- 56
( 3 ) فن المونتاج السينمائي، كاريل رايس، ترجمة: أحمد الخضري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987: 15
( 4 ) عن بناء القصيدة العربية الحديثة، علي عشري زايد، دار الفصحى للطباعة والنشر، القاهرة، 1978: 227.
( 5) الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948- 1975، صالح أبو أصبع، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1979: 81.
6) ) حول صنعة كتابة السيناريو، كورت هاتو كوتبرود، ترجمة: د. إقبال أيوب، مجلة الثقافة الأجنبية، ملحق خاص ب(فن كتابة السيناريو)، 1980: 13
7) ) فن السينما: رودولف آرنهيم، ترجمة: عبد العزيز فهمي وصلاح التهامي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة(د. ت): 95 - 96 .
8 ) ) (ليلة المطر)، حسن سليفاني، ضمن كتاب قصص من بلاد النرجس: قصص كردية مترجمة، حسن سليفاني، وزارة الثقافة –أقليم كردستان-، مطبعة هوار، ط1، 2002: 67.
9) ) القصة القصيرة جداً: مقاربة بكر، أحمد جاسم الحسين ، دار عكرمة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 1997: 39.
(10) ليلة المطر: 67- 68.
11) ) م. ن : 68.
12) ) م. ن : 68- 69.
13) ) م. ن: 70.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في قصة ليلة المطر للقاص حسن سليفاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البيت الآرامي العراقي :: الثقافية , الادبية , التاريخية , الحضارية , والتراثية Cultural, literary, historical, cultural, & heritage :: منتدى النقد والدراسات والاصدارات Monetary Studies Forum& versions-
انتقل الى: