الإبقاء على «غوانتانامو»… استمرار لسياسة «الكاوبوي» الأمريكية
واشنطن ـ من منة أحمد: ليس مفاجئا أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توقيعه مرسوما تنفيذيا، الثلاثاء، يبقي على معتقل «غوانتانامو» سيىء السمعة، مفتوحا». لاغيا قرارا للرئيس أوبا ما بهذا الخصوص.
فمنذ وصوله إلى منصبه في إدارة البيت الأبيض مطلع العام الماضي 2017، وهو يلمح إلى ذلك الإجراء، بحجة حرصه على أمن الأمريكيين.
ومتغاضيا عن الانتقادات الحقوقية التي طالت المعتقل، ظهرت نية ترامب عندما غرّد على «تويتر» في مارس/ آذار الماضي، منتقدا قرار سلفه باراك أوباما عام 2009، والمعني بإغلاقه.
وحينئذ قال ترامب «122 شخصا ممن أطلق أوباما سراحهم عادوا إلى ساحات القتال”.هؤلاء أشخاص خطرين للغاية، يجب عدم السماح بعودتهم إلى أرض المعركة»“.ويعود الرقم الذي ذكره ترامب، إلى بيانات رسمية صدرت عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، في سبتمبر/ أيلول 2016، أكد خلاله أن 122 من أصل 693 سجينا غادروا «غوانتانامو»، عادوا إلى الأنشطة الإرهابية.
وفي فبراير/ شباط 2016، أعلن ترامب خلال مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية أنه «يتعين على الولايات المتحدة الإبقاء على غوانتانامو مفتوحا، بل وإمداده بمزيد من الرجال السيئين (في إشارة منه إلى المعتقلين».
بلطجة سياسية
موقف ترامب من «غوانتانامو» وصفه جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن (غير حكومي) بأنه «استمرار لسياسة الكاوبوي (رعاة البقر) القائمة على البلطجة والتهديد وتجاهل الدستور والقوانين».
وأضاف: «ترامب دمّر أي محاولات لمن سبقه من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة، عقب كشف غوانتانامو عن الصورة المزرية للقضاء والسياسة الأمريكيين».
إعطاء ترامب وأوباما أهمية للمعتقل سيىء الصيت، ينبع من دوافع مختلفة؛ فالأول موقفه نابع من رغبته في الوفاء بوعوده الانتخابية.
أما الثاني، فقد حاول إغلاقه تماشيا مع سياساته التي سعت إظهار أمريكا دولة معنية بتطبيق حقوق الإنسان والحد من استخدامه (المعتقل) من قبل الجهاديين «كأداة للترويج لأعمالهم الإرهابية».
بدوره، أوضح زهير عطوف، مدير المركز المغاربي للدراسات في إسطنبول (غير حكومي) للأناضول أنّ أوباما فشل في تحقيق مبتغاه «كون الدولة الأمريكية دولة مؤسسات».
عطوف أشار إلى «رفض مقترح أوباما من الكونغرس (المؤسسة الدستورية الأولى)، جراء عرقلة (حزب) الجمهوريين (ينتمي إليه ترامب)».
في المقابل، شدد عطوف على أن «ترامب يحاول بقراره حول غوانتانامو كسب نقاط إضافية في مسألة رفع شعبيته المتدنية في الأوساط الأمريكية».
واستدل على ذلك بتصريحات ترامب المتكررة حول استخدام المعتقل لـ»حماية الأمة الأمريكية بسجن كل من تم القبض عليهم من تنظيمي داعش والقاعدة، حتى من حاملي الجنسية الأمريكية».
وفعليا، يحظر القانون الأمريكي محاكمة مواطني البلاد أمام لجان عسكرية، ما يعني أن مساع ترامب تحتاج تشريعا من الكونغرس، حسب وسائل إعلامية عدة.
وفي هذا الشأن، يشير الحمد إلى أنّ المناخ العام الأمريكي حاليا، يخدم رغبات «ترامب المتطرفة» أكثر من سلفه، كون «التيار المتشدد هو الأكثر سيطرة على سياسة البلاد، والذي يعد ترامب أحد رموزها».
مخاوف أمريكية
من جهته، شكك روبرت شيسني، أستاذ أمريكي في الحقوق وعمل مع وزارة العدل الأمريكية عام 2009، بإعادة فتح المعتقل، قائلا: «إن الأقوال أسهل من الأفعال».
وأضاف لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الأربعاء: «لا شيء بالمرسوم التنفيذي الجديد يغير العقبات القانونية والسياسية، التي حالت دون اعتقال أي شخص خلال 2017، كتنفيذ لتعهد ترامب».
ومن بين العقبات، التكلفة الهائلة لسجن الأشخاص (سنويا يحتاج سجن المعتقل الواحد 10.8 ملايين دولار)، علاوة على تصنيف المعتقل كـ»رمز فاسد يأجج المشاعر المعادية لأمريكا»، وفق المصدر ذاته.
وبجانب الانتقادات الحقوقية التي وصفت فيها منظمة العفو الدولية (أمنيتستي) في تقارير متلاحقة، غوانتانامو بأنه «يمثل همجية هذا العصر»، يخشى شيسني من 3 مشكلات أخرى رئيسية.
ويوضحها قائلا: «التورط مع تنظيم داعش الإرهابي، وعمليات نقل المعتقلين، ونظام لجان المحاكمات العسكرية (لم تحاكم سوى 8 معتقلين)».
هدية لتنظيم «الدولة»
في هذا الإطار، أوضحت «نيويورك تايمز» أنّ أحد أهم المخاطر القانونية التي قد تنشأ من إرسال مقاتلي «داعش» إلى غوانتانامو، أن يلجأ قاضٍ فيدرالي إلى الحكم لصالح المتهم.
كما حذر موقع «ذا ديلي بيست» الأمريكي من أن اعتقال مقاتلي «داعش» قد يستخدمه التنظيم «كسلاح ضد واشنطن».
ويحق للمعتقلين في غوانتانامو رفع قضايا أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية، للتشكيك في شرعية اعتقالهم، وذلك وفق قرار للمحكمة العليا الأمريكية، الصادر في يونيو/ حزيران 2004.
يشار أن القاعدة البحرية في غوانتانامو حيث المعتقل، تبلغ مساحتها 45 ميلا، وتستأجرها واشنطن من هافانا منذ عام 1903 مقابل 4085 دولار أمريكي سنويا، بموجب اتفاقية لا يمكن فسخها سوى باتفاق الطرفين.
ولم تكن خطة إغلاق «غوانتانامو» أحد طموحات أوباما فحسب، إذ لمح الرئيس الأسبق جورج بوش (الذي أعاد افتتاح المعتقل عام 2002) بإغلاقه، إلا أنه اكتفى بالإفراج عن 532 معتقلا من أصل 775».
ولكن يجب الإشارة إلى أن خطوة بوش الابن، جاءت ضمن خطة دعاية لتعزيز فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2004، والتي انتهت بانتخابه لمدة أربع سنوات.
وأغلب المعتقلين لم يتم إدانتهم بتهم محددة، بل تم جلبهم من دول أخرى كباكستان وأفغانستان بـ»تهمة الإرهاب».
ومن بين المعتقلين كان هناك 21 طفلا، بلغ أصغرهم 13 عاما، وانتحر أحدهم عندما بلغ 21 عاما بعد أن أمضى 5 سنوات في المعتقل». (الأناضول)