سنة العراق يرفضون الانسحاب الأميركي خوفا من الميليشيات الشيعية
أهالي المدن المحررة يجدون في بقاء القوات الأميركية عنصرا محايدا لعدم عودة التنظيمات الإرهابية ومنع الفصائل الشيعية من الانتشار بالمدن السنية.
ميدل ايست أونلاينبقاء القوت الأميركية نقطة خلاف جديدة بالعراق
الرمادي (العراق) - يراقب سكان المحافظات السنية بقلق الجدل الدائر منذ أيام في بغداد حول مصير بقاء القوات الأميركية في العراق، فهذه المدن ما زالت تشعر بالقلق من المستقبل، وترى في بقاء القوات الأميركية ضرورة لحمايتها من الأخطار المقبلة.
عند ضواحي بلدة هيت غربي الأنبار ينهمك عبد الحميد النمراوي مع فوج مسلح من مقاتلي العشائر تحت إمرته في تنفيذ عمليات تمشيط ليلية لحماية المدينة من محاولات المتطرفين التسلل وتنفيذ عمليات إرهابية، وبرغم أن الوحدة القتالية تمتلك أسلحة أميركية خفيفة من الرشاشات إلا أن النمراوي ليس راضيا عن تسليحها ويسعى إلى المزيد.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تمكنت قوات الأمن العراقية من استعادة السيطرة على جميع البلدات التي احتلها الدولة الإسلامية في الأنبار بعد معارك استمرت لأكثر من عامين، ولكن الإرهابيين ما زالوا يتحصنون في مناطق صحراوية ويحاولون التسلل إلى الأنبار من جديد عبر الحدود السورية.
ويقول النمراوي إن "الحكومة في بغداد تخلت عنا بعدما وعدت بتسليحنا وتوفير مرتبات لمقاتلينا، أرسلنا عشرات الطلبات إلى بغداد حول مشكلاتنا والإجابة هي نفسها في كل مرة، الحكومة تواجه أزمة مالية، بينما تقوم القوات الأميركية الموجودة في قاعدة عين الأسد بتدريبنا وتسليحنا بشكل بسيط بموافقة الحكومة العراقية، وذلك أفضل من لا شي".
المقاتل العشائري الذي شارك إلى جانب الجيش العراقي في معارك استعادة السيطرة على الأنبار يقول "تمكنا من هزيمة الإرهابيين ولكنهم لن يستسلموا بهذه السهولة، خلال الشهر الماضي نفذ تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 10 محاولات لاختراق الحدود العراقية، ولولا المعلومات التي يوفرها التحالف الدولي والطائرات الأميركية المسيرة التي تنطلق من قاعدة عين الأسد لما اكتشفنا ذلك وأجبرنا المتطرفين على العودة من حيث جاؤوا".
الحفاظ على الأمن في الانبار مهمة صعبة، وتحتاج إلى إمكانيات عسكرية متطورة، والجيش العراقي للأسف ينقصه الكثير، فالقوات الأميركية التي تمتلك طائرات مسيرة ومعلومات استخباراتية وطائرات مقاتلة لمراقبة الحدود لا يمكن الاستغناء عنها بهذه السرعة، كما أن الصراعات السياسية بين الأحزاب السنية في مجلس المحافظة يثير القلق أيضاً، كما يقول النمراوي.
والأنبار هي أكبر المحافظات وتمثل ثلث مساحة العراق، يبلغ حجمها (138500) كلم من مساحة البلاد البالغة (437072) كلم، وهي أكبر من جميع المدن الخمس التي تحيط بها مجتمعة (نينوى وصلاح الدين وبغداد وبابل وكربلاء والنجف)، أما حدودها مع سورية فيبلغ طولها أكثر من (600) كلم.
في (27) من الشهر الماضي نفذت القوات الأميركية غارة جوية خاطئة في بلدة البغدادي في الأنبار أدت إلى مقتل 8 عناصر من قوات الأمن المحلية، ورغم أن "التحالف الدولي" قال إن الغارة تمت بموجب معلومات أمنية عراقية، وأكدت ذلك أيضاً وزارة الدفاع العراقية، إلا أن الحادثة فتحت الباب أمام سجالات محتدمة بين السياسيين العراقيين حول مصير القوات الأميركية في البلاد بعد انتهاء مرحلة الدولة الإسلامية.
الفصائل الشيعية الموالية لإيران، "بدر" بزعامة هادي العامري و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي و"النجباء" بزعامة أكرم الكعبي و"كتائب حزب الله" طالبوا جميعا بعد الحادثة بخروج القوات الأميركية في أسرع وقت، ووعدوا بتحشيد الأصوات في البرلمان العراقي لمساءلة الحكومة عن ذلك.
"كتائب حزب الله" الفصيل الأقوى والأشد ولاءً لإيران ويعتقد أن زعيمها أبو مهدي المهندس، اعتبرت أن القوات الأميركية هي قوات احتلال، وقال المتحدث الرسمي باسمها جعفر الحسيني في بيان الأسبوع الماضي إن "المواجهة مع الأميركيين قد تنطلق في أي لحظة، ولن ينفع الأميركيين هذه المرة أي وساطة كما في المرات السابقة".
وليس فقط الفصائل المسلحة بل إن الأحزاب الشيعية في البرلمان بدأت تطالب بخروج القوات الأميركية، إذ قال منصور البعيجي النائب عن "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أن "على الحكومة توضيح كم عدد القوات الأميركية ومتى ستخرج، لان بقاءهم في البلاد هو مخطط لتقسيم العراق".
وحتى الآن تلتزم الحكومة العراقية الصمت حول هذه القضية الحساسة، ويلجأ رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى لغة محايدة عند الحديث عن هذا من اجل عدم إثارة غضب إيران وحلفائها، وتجنب خسارة الدعم العسكري الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
لكن المحافظات السنية الأنبار وصلاح الدين والموصل القابعة تحت وطأة الدمار ويعيش سكانها في منازل مدمرة ومخيمات النزوح، لها رأي آخر، وهي ترى في وجود القوات الأميركية عنصراً محايداً لعدم عودة التنظيمات الإرهابية، ومنع الفصائل الشيعية من الانتشار في المدن السنية بحجة حفظ الأمن، كما يقول مسؤول محلي كبير في مجلس محافظة الأنبار.
ويقول هذا المسؤول مشترطا عدم الإشارة إلى اسمه لحساسية الموضوع: "لنتكلم بصراحة، في اليوم الذي ستخرج القوات الأميركية من مدننا سيكون يوم فرح لبقايا مقاتلي داعش، لأنهم يعرفون جيدا خطر الطائرات المسيرة والغارات الجوية للتحالف الدولي".
ويضيف إن "الحكومة في بغداد تعرف جيدا أن داعش لم يدخل إلى الأنبار فجأة في العام 2014، بل سعى لتنظيم صفوفه منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية العام 2011 عندما توقفت الطائرات الأميركية عن مراقبة الحدود مع سورية، وبدأ الإرهابيون يتسللون في الصحراء الشاسعة ويتخذون من الوديان الطبيعية مقرات لهم دون أن يراقبهم احد، حتى حانت الفرصة للهجوم على الفلوجة ومن ثم باقي المدن".
خلال سنوات الاحتلال الأميركي استندت خطة الولايات المتحدة لفرض الأمن على تحشيد نحو (40) ألف عنصر من جنودها في الأنبار من بين (160) ألف عنصر منتشرين في (18) مدينة عراقية، وارتكزت القوات الأميركية في تأمين هذه المدينة المعقدة وحماية حدودها الطويلة مع سورية على القوة الجوية، وكان هناك سرب كامل من مروحيات "الأباتشي" المقاتلة يضم ثلاثين طائرة تقوم بدوريات مكثفة على الحدود إضافة إلى الطائرات النفاثة، وفقا للعقيد شاكر الدليمي الضابط في الفرقة السابعة للجيش العراقي المنتشرة في الأنبار.
ويقول الدليمي إن "داعش يمتلك خبرة في الطرق والمخابئ بين الوديان في مدن الأنبار الكبيرة والصغيرة كما إنه يعرف طرقاً سرية عبر أنفاق أرضية طبيعية وأخرى صناعية تربط المدن مع بعضها، وهناك أنفاق تربط العراق مع سورية تحت سيطرة "داعش".
ويضيف إن المشكلة ليست فقط في مخابئ الإرهابيين في الصحراء، بل في مسك الحدود الطويلة بين الأنبار وسورية، هناك أكثر (600) كلم من الحدود وهي مسافة كبيرة تحتاج إلى جيش كامل لتأمينها، هذه الأيام تقوم وحدات من الجيش والحشد الشعبي في حماية الحدود ونتعرض إلى هجمات متواصلة".
المخاوف لدى المدن السنية لا تقتصر على عودة الإرهابيين، بل أيضاً من استمرار انتشار الفصائل الشيعية في مدنها بحجة حفظ الأمن لعدم وجود قوات محلية قادرة على إدارة الملف الأمني بعد انهيار جهاز الشرطة صيف العام 2015.
كان انهيار قوات الشرطة المحلية في المدن المحررة نتيجة حتمية بعد سيطرة المتطرفين، فالحكومة لم تعد تثق بهذه الجهاز خوفا من اختراق المتطرفين له، ولكن إعادة الاستقرار الأمني في كل شارع ومنطقة وعودة الإيمان مجددا بالنظام القضائي مرتبط بوجود قوات محلية وليس قوات غريبة عن سكان المدينة.
في محافظة صلاح الدين تنتشر أربعة تشكيلات أمنية غير متجانسة، الجيش، الشرطة المحلية، الفصائل الشيعية، قوات العشائر، وتدار الشؤون الأمنية بعشوائية عبر قرارات فردية غير منسقة بعيدا عن رقابة الحكومة العراقية.
ومضى عامان ونصف العام على تحرير تكريت مركز عاصمة صلاح الدين، ولكن مجلس المحافظة المحلي فشل في توحيد هذه القوى المقاتلة وإعادة الصلاحيات الأمنية إليه بموجب قوانين السلطات المحلية في البلاد، والسبب ضعف الشرطة المحلية التي تعتبر الذراع الأمني الأساسي لأي سلطة محلية.
ويقول مسؤول محلي في مجلس صلاح الدين طلب عدم الإشارة إلى اسمه "لدينا مخاوف حقيقية من بقاء قوات الحشد الشعبي في مناطقنا، ونخشى من غياب الثقة بين السكان وهذه القوات إذا استمرت في البقاء، ونأمل في أن يقوم التحالف الدولي الموجود في قاعدة بلد بدعم قواتنا المحلية، وهذا الأمر يحتاج إلى أشهر وربما سنوات".
رغم تهديدات الفصائل الشيعية باستهداف القوات الأميركية وعدم وضوح رؤية الحكومة العراقية وموقفها من القوات الأميركية بعد انتهاء الدولة الإسلامية إلا أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت رسميا الاثنين الماضي نيتها الإبقاء على ستة آلاف من جنودها ضمن موازنتها المالية للعام المقبل.
لكن اقتراب انتهاء ولاية حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وانشغال الأحزاب العراقية بالحملات الانتخابية استعدادا لاقتراع أيار (مايو) المقبل سيؤجل الجدل حول مصير القوات الأميركية في البلاد إلى حين تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي ستكون أمام أول اختبار صعب لها في حسم هذه القضية وتجنيب البلاد من الوقوع في حلبة صراع إيراني – أميركي جديد. (نقاش)