أحترف دونالد ترامب قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة الامريكية، بناء العمارات والفنادق وكازينوهات القمار وملاعب الغولف. ومن أشهر هذه العقارات ، مبنيان في مدينة نيويورك ، الأول يحمل أسمه ( برج ترامب ) حيث يسكن في طوابقه العليا قبل ان يصبح رئيساً ، وما يزال هو مسكنه النيويوركي لو أراد المجيء الى المدينة. والمبنى الثاني المشهور هو عمارة شاهقة تضم ٧٢ طابقاً تقع الى حد ما ، مقابل مبنى الامم المتحدة، وسماه برج ترامب العالمي. وحاول سكان المنطقة والامم المتحدة عند التفكير بإقامة هذا المبنى قبل عام ١٩٩٩ الاعتراض او شن حملة ضد فكرة انشاء مبنى بهذا الارتفاع لأن أرتفاعه سيكون أعلى بكثير من مبنى الامم المتحدة المكون من ٣٨ طابقاً فقط. وساهم كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وغيره آنذاك بتصريحات صحفية ضد فكرة ترامب لبناء تلك العمارة الشاهقة التي تناطح السحاب! لكنه شيدها، وأستخدم مقاولوه فيها خرسانة مقاومة للرياح والعواصف، وهو حالياً مبنى مميز مشغول من العديد من أصحاب الملايين والمشاهير في السينما والرياضة وإدارة الاعمال والسفراء، وغالبيتهم أشترى شقة او طابق في المبنى بملايين الدولارات، قيل أن بينهم الممثلة الإيطالية المشهورة صوفيا لورين ، ولاعب البيسبول ديرك جيتر، وغيرهم . أستأجرت بعض الحكومات شققاً في هذا المبنى لأقامة سفرائها أو دبلوماسيها في نيويورك لفترة محدودة ، أو أنهم يقيمون في شقق تملكها حكوماتهم، وأشترت احدى السفارات الخليجية طابقاً كاملاً، وشققاً أخرى لدبلوماسيها، ثم باع بعضهم ما يملكه في هذا المبنى لشراء شقق في مبنى آخر. ويملك ترامب أيضاً، ملاعب غولف في ولايتي فلوريدا ونيوجرسي، وفِي ايرلندا وفِي دبي، وكذلك كازينوهات قمار في لاس فيجاس، مدينة القمار ، وفِي اتلانتك سيتي بولاية نيو جيرسي. وقد أوردنا هذه الامثلة فقط من اجل الاشارة الى أن السياسة لم تكن من اهتمامات ترامب، وكل ما عرف عنه انه ملياردير يقدم برامج تلفزيونية ناجحة عن ادارة الاعمال، وانه صاحب الشركة التي تملك وتنظم مسابقات ملكة جمال العالم، ولا يتصرف دون ان يكسب مالاً من تصرفه. ومنذ أن تولى الرئاسة في كانون الثاني ٢٠١٧ تكاثرت هفوات ترامب السياسية والإدارية وألحقت ضرراً لم يسبق له مثيل بمكانة البيت الأبيض في المجتمع الامريكي لكثرة ما يضع ثقته بشخص ما، ثم يهاجمه بعد حين وينتقده، ويدفعه للابتعاد عن المشهد السياسي بالرغم من انه كان من أنصاره، وهو الذي أختاره لمنصبه. ونزوات ترامب كثيرة، ومنها شتم مواطني دول أفريقية وأمريكية لاتينية أخرى باعتبارهم ( حثالة ) ، ويعاتب النرويج لأنها لا ترسل خيرة ابنائها مهاجرين الى امريكا. ومن نزواته سلسلة الانتقادات العلنية لدائرة التحقيقات الفيدرالية ، أف. بي. آي بشكل لم يسبقه اي مثيل بالتاريخ الامريكي. ولم ينتقد أي رئيس سابق هذه المؤسسة ورجالاتها، بل وحتى الرئيس نيكسون لم يشتم الاف بي آي بالرغم من ان تحقيقاتها أدت الى استقالته من منصب الرئاسة. لكن ترامب، يطالب كبار العاملين في دائرة التحقيقات الفيدرالية ان يعبروا له عن الولاء ، ويقيل او يدفع للاستقالة من لا يوافقه في الرأي ، بل يتعمد انتقاد موظفيه رفيعي المستوى علناً من خلال إدمانه استخدام تغريداته على الهاتف الموبايل. وحصل في تشرين الثاني نوفمبر الماضي أن تغريداته أحدثت إرتباكاً سياسياً وصحفياً عندما انتقد أداء وزيره للخارجية تيللرسون، وكذلك تغريداته في الايام الأخيرة من شهر شباط/ فبراير ٢٠١٨ ضد مستشاره للأمن القومي الجنرال المتقاعد ماكماستر الذي قاد قوات أمريكية ضاربة في غزو العراق عام ٢٠٠٣ وأحتلاله، وعلى الخصوص في مدينة تلعفر شمال غرب العراق، ثم انتقل عام ٢٠١٠ إلى أفغانستان. وماكماستر هو ثاني شخص خلال الأشهر القليلة الاولى من حكم ترامب يتولى منصب مستشار الأمن القومي بعد ان أطاحت كذبة المستشار السابق الجنرال المتقاعد، مايكل فلين، الذي أقيل من المنصب بعد 24 يوماً فقط من تعينه لأنه كذب على نائب الرئيس مايك بينس! ولابد من التذكير أن فلين قد شارك أيضاً في غزو العراق وتولى مهاماً في محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل الشمالية. وما يزال ماكماستر حتى هذا الأسبوع من أذار ٢٠١٨ يتعرض لانتقادات ترامب ، وتكثر الإشاعات بأن ترامب سيتخلى عنه حال عثوره على بديل مناسب . وفِي الوقت نفسه ينتقد ترامب وزير العدل ، المدعي العام جيف سيشنز، بالرغم من أنه من الأوائل الذين ساندوه لانتخابات الرئاسة، لأنه فقط لم يتدخل بصفته المدعي العام في التحقيق المستقل الجاري منذ عدة شهور بشأن مزاعم العلاقة غير المشروعة بين مستشاري ترامب خلال حملته الانتخابية مع الجهات الروسية. ويبدو ان دونالد ترامب لا يريد أن يقبل بالقواعد الحكومية التقليدية لأدارة الحكم، بل يصر على اعتماد نهجه الشخصي في ادارة شؤون الدولة بالطريقة التي كان يعتمدها في ادارة عقاراته وأمواله. ولا يمر يوم واحد في الصحافة الامريكية دون ان نقرأ تقريراً صحفياً أو تعليقاً أو إتهاماً أو فضيحة لترامب وبشكل لم تشهده السنة الاولى من ادارة أي رئيس سبقه في البيت الأبيض. لذلك تبقى الايام تحمل مفاجآت عديدة تتخلها اتهامات من كل نوع، بعضها علاقاته النسائية، وشتائمه للصحافة والصحفيين، وأعتماده على حشد من المستشارين والموظفين الذين لم تصدر لهم السلطات الأمنية الفيدرالية شهادات حسن السيرة الأمنية كما جرت عليه العادة في المؤسسات الامريكية الحساسة، وغالبيتهم يعمل بشهادات مؤقتة ويتعامل مع وثائق حكومية ذات طبيعة عالية السرية. وقد أطاحت هذه الإجراءات في الأيام الماضية بنسيبه جيرارد كوشنر ، زوج أبنته الكبرى، والذي لم يعد قادراً على الاطلاع على الوثائق الحكومية ( السرية للغاية) ومنها وثائق ومواجيز المخابرات والدفاع وغيرهما فيما يتصل بالامن القومي، لأنه لم يحصل بعد، وبالرغم من مرور عام كامل على عمله مستشاراً في البيت الأبيض ، على موافقة أمنية دائمية، وكان طيلة الشهور الماضية يعمل بموافقة مؤقتة قيل أنه أستغل وجوده في البيت الأبيض لتيسير أعماله التجارية ، وأصبح مؤخراً محط هجمات الصحافة الامريكية.
صاحب العقارات عندما يصبح رئيساً : الدكتور مليح صالح شكر