يَذهَب ثمانية ملايين كُوبي إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد لانتخاب أعضاء الجمعيّة الوطنيّة (البَرلمان) البالِغ عددهم 605 نِصفهم من النِّساء بالتَّمام والكَمال.
للمَرّة الأولى مُنذ ستّين عامًا سيتولّى مَنصب الرِّئاسة شخصًا من خارج أُسرة كاسترو، ولم يُقاتِل في ثَورة 1959، وسيتم إعلان اسمه في 19 نيسان (إبريل) المُقبل الذي يُصادِف الذِّكرى السَّابعة والخَمسين لانتصار كوبا في أزمة خليج الخنازير الذي تَعتبره هافانا أوّل هَزيمة للامبرياليّة الأمريكيّة في أمريكا اللاتينيّة. راؤول كاسترو، الذي تَولّى الحُكم من شقيقه بعد وفاته، تعهّد للشعب بأنّه سيستمر في السُّلطة عشر سنوات، يُعيد خلالها ترتيب البيت الدّاخلي، ثم يتنازل لنائِبه الأوّل ميغيل كانيل الذي يُبلُغ من العمر 58 عامًا، أوفى بالوَعد، وصَدق القَول، وضرب مَثلاً في الزُّهد بالمَنصب. كان باستطاعة راؤول كاسترو أن يستمر في السُّلطة حتى وفاته، أو تَوريث الحُكم لأحد أبنائِه، وأن يُعدِّل الدستور لتَوفير الأرضيّة القانونيّة، ولكنّه لم يَفعل، واختار الانتقال إلى المقاعِد الخَلفيّة لبِضعة سنوات، فلم يَبقَ له الكثير من العُمر وهو الذي اقْترب من عامِه الـ 86، وعاش، مِثل أخيه من قَبله، حياةً مُتواضِعة بعيدًا عن كُل أشكال البَذخ. ربّما يُجادِل البَعض بأنّها انتخابات غير ديمقراطيّة في دولةٍ غير مَسموح فيها بالأحزاب السياسيّة والانتخاب الحُر، وهذا صحيح، فكوبا لم تَقُل أبدًا أمها دولة رأسماليّة تُدار على الطريقة الغَربيّة، بل وقفت، وعلى مَدى سِتّين عامًا، في الخَندق المُعادي لأمريكا والامبرياليّة الغَربيّة. لكُل دَولة عاداتها وتقاليدها وطَريقة حُكمها، فها هي الصين تًصبِح واحِدة من ثلاثة قِوى عُظمى في العالم، وستُصبِح بعد سنوات مَعدودة أقوى اقْتصاد في العالم، مُتفوّقة على أمريكا، ودون أن تتنبّى الديمقراطيّة الغَربيّة، وبَدأت تهتم بِرخاء شَعبِها، وتخفف قًيود التقشُّف وتُلغي قوانينه تَدريجيًّا، بِما في ذلك تحديد النَّسل بِطفلٍ واحِد فقط. كوبا صَمدت أكثر من 60 عامًا في وَجه حِصار أمريكي ظالِم، ولم تَركع مُطلقًا، وظلّت قِيادتها مُتمسِّكة بِقِيمِها ومَبادِئها، وتَأكل ممّا تَزرع، وتَلبس ممّا تَصنع، وتُخَرِّج جامعاتها أبرع الأطباء في العالم في مُختلف التخصّصات، وتَنحاز للفُقراء والمَظلومين وأصحاب القَضايا العادِلة. راؤول كاسترو لم يذهب إلى واشنطن طارِقًا أبواب البيت الأبيض، وما حدث هو العَكس تمامًا، فالرئيس باراك أوباما هو الذي ذَهب إلى هافانا مُعتذرًا وطالِبًا صَفحةً جديدةً في العلاقات بين البَلدين. هذهِ الدُّول صاحِبة المَبادِئ، وقِيم الكرامة الوطنيٍة والصُّمود، مثل كوبا وكوريا الشماليّة، تُقدِّم النّموذج المُشرِّف لدُول العالم الثالث، عندما تتحدّى الغَطرسة الاستعماريّة الأمريكيّة، وتَعتمِد على قُدراتِها الذاتيٍة، وتَرفُض التسوّل بأشكالِه كافّة. كوبا تنتصر لإرْثِها الاشتراكي وتُطوِّر أدوات حُكمها في إطاره، وتَرفُض استيراد النَّماذج الغَربيّة، وكوريا الشماليّة قد تتفاوض مع الرئيس ترامب من مَوقِع قوّة، وعلى قاعِدة الندِّيّة، وبعد أن امتلكت أسباب القُوّة النوويّة والصاروخيّة. المُؤسِف أن العَيب فينا كعَرب، حيث فَشِلنا في الاشتراكيّة والديمقراطيّة الرأسماليّة الغربيّة معًا، وتَخلّينا عن إرثنا العَربي والإسلامي، وأهدرنا ثَرواتِنا، ورَهنا أوطاننا للغَرب والشَّرق معًا، وأصبحنا مِثل الغُراب الذي قَلّد الحَسّون، فلم يُصبِح حَسّونًا ولَم يَبْقَ غُرابًا. “رأي اليوم”