مصر/أليتيا(aleteia.org/ar)مما لا شك فيه أن اللاعب المصري محمد صلاح حقق إنجازا تاريخيا بفوزه بلقب أحسن لاعب في الدوري الإنكليزي 2017 ـ 2018. فوز اللاعب المصري بهذا اللقب في الغرب ونجاحه المشهود في أوروبا منذ لعب لفريق بازل السويسري يوضح أن الحضارة الغربية نجحت إلى درجة كبيرة في إضعاف فكر العنصرية عند شعوبها، فلم يتم التعصب ضد محمد صلاح لا من الأندية ولا من الشعوب الغربية، بالرغم من اختلافه الشديد عنهم فهو “مصري” و”عربي” واسمه “محمد”، وفوق هذا فاسم جده “صلاح” مما قد يذكر البعض في الغرب بصلاح الدين الأيوبي! وهنا أطرح سؤالا مهما وهو: ماذا كان سيحدث لو أن محمد صلاح ولد لعائلة مسيحية قبطية في مصر وكان اسمه “جرجس حنا”؟ هل يا ترى كان سيعامل في وطنه الأصلي كما تم معاملته كمحمد صلاح وهو في الغرب؟ ويحضرني هنا ما أكده اللاعب الدولي أحمد حسام المعروف باسم “ميدو”، نجم مصر ونادي الزمالك السابق، عن وجود عنصرية ضد المسيحيين في ملاعب الكرة المصرية، وتساءل ميدو خلال استضافته على شاشة دي إم سي سبورت، هل يعقل أن لا يكون هناك في تاريخ الكرة المصرية سوى خمسة لاعبين مسيحيين فقط في المستويات العليا في الكرة المصرية؟ وأضاف “ميدو” ـ كل الاحترام لشجاعته ـ أن الكثير من اللاعبين المسيحيين يتوقفون عن لعب الكرة في سن صغيرة بسبب العنصرية التي يعاملون بها في فرق كرة القدم. وقال “ميدو” إنه لا بد من مواجهة هذه المشكلة وإن “العنصريين لا يخفون عنصريتهم وعندنا عنصرية حول الديانة واللون والعرق”. ولم تزل قضية استبعاد الكابتن إكرامي للطفل “مينا” من اختبارات الناشئين بالنادي الأهلي لأنه مسيحي، وقوله له “وكمان اسمك مينا اطلع برا”، قضية حاضرة وعالقة في الأذهان ـ خاصة بعد أن تأخر إكرامي كثيرا في الرد على الاتهامات مما أضفى مصداقية أكثر للقصة. وهنا نعيد السؤال مرة أخرى وهو ماذا كان سيحدث لو ولد محمد صلاح لعائلة مسيحية قبطية وكان اسمه “جرجس حنا” مثلا، وتعرض لعنصرية من أفراد منعوه أن يصبح نجما كرويا لامعا كما هو الآن؟ يا ترى ماذا كان سيشعر الطفل “جرجس حنا” حين تبدد العنصرية المقيتة أحلامه؟ ويا ترى كم كانت ستخسر مصر إن تم دفن هذه الموهبة، وإن تم وأدها قبل أن تنمو؟ كانت مصر في هذه الحالة ستفقد وضعا عالميا يساهم في نجاحها السياحي والاقتصادي، وربما خسرت فرصة التأهل إلى نهائيات كأس العالم، وهي الفرصة التي تحققت مؤخرا بقدم “محمد صلاح”. العنصرية مرض بغيض يصيب الكثير من الشعوب والعجيب أن من يمارسون العنصرية والتعصب في العالم الإسلامي يبررونها باسم الدين ويظنون بذلك أنهم يرضون الله تعالى. لا أدري أي إله يعبده هؤلاء المتعصبون والقرآن يأمر بوضوح بالعدل بين البشر سواء كان الإنسان يحبهم أو كان يكرههم، وقد تجلى هذا المعنى في قوله تعال “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ” (سورة المائدة آية 8). فمن لم يستطع أن “يحب” المختلفين عنه في العقيدة فعليه على الأقل أن “يعدل” حين يعاملهم! وأكاد أسمع البعض الآن يقول ولكن الغرب يتعصب ضد المسلمين. ويرد على هؤلاء الواقع في الغرب، وهو أن الدول الغربية سمحت ببناء الآلاف من المساجد والمكتبات الإسلامية على أرضها (بالرغم من أنها ضحية إرهاب يتم ضدها ويحمل ـ للأسف الشديد ـ راية الإسلام!)، فلو كان الغرب متعصبا ضد المسلمين ـ كما يقولون ـ لما سمح ببناء كل هذه المساجد والمكتبات الإسلامية، وما حدث أخيرا مع محمد صلاح لهو خير دليل على ضعف حجة هؤلاء. ولو كان هناك تعصب ضد بعض المسلمين في الغرب، فإن ذلك لا يبيح أن نتعصب ضد أحد لأجل دينه، لأن القرآن حرم معاقبة أحد بذنب اقترفه غيره “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ”، وقد تم ذكر هذه الآية (أو هذا المبدأ) ليس فقط في موضع واحد بل في أربع آيات في القرآن الكريم (الأنعام آية 164 ـ الإسراء آية 15 ـ سورة فاطر آية 18 ـ وسورة الزمر آية 7)، في حين ذكرت كلمة “زنا” مرة واحدة فقط! وذلك إن كان يدل على شيء فإنما يدل على أهمية مبدأ “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” في القرآن. ونسمع كثيرا من دعاة التعصب في عالمنا الإسلامي ـ كتبرير لعنصريتهم البغيضة ـ قولهم إن الولايات المتحدة كانت تمارس العنصرية ضد السود حتى وقت قريب، وهنا أتوجه إليهم بسؤال وهو إن كنتم ترون أن هذا خطأ فلماذا تفعلون الشيء نفسه مع غيركم؟ ثم أتبع السؤال بسؤال آخر وهو: هل حاولتم أن تتعلموا من أميركا أن تقاوموا العنصرية كما قاومتها فتحولت في خلال بضع عقود فقط من دولة يتم اضطهاد السود فيها إلى دولة يرأسها رئيس أسود واسمه باراك “حسين” أوباما! وبعد هذه الكلمات أتمنى من أعماق قلبي أن يتبنى اللاعب الرائع والمتواضع محمد صلاح قضية منع التعصب داخل الرياضة فيكون بذلك قد أضفى بعدا إنسانيا رائعا إلى عبقريته الكروية الفذة. وأخيرا أتقدم بالاعتذار لكل طفل ماتت أحلامه بأيدي المتعصبين وتم وأد موهبته الرياضية في مهدها لا لشيء إلا لكون اسمه “جرجس حنا”. الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).