ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل : سرور ميرزا
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61368مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل : سرور ميرزا الأربعاء 26 سبتمبر 2018 - 4:15
ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل
ما كان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل المهندس/ عمار وهبي:بالعودة الى الذاكرة من زمننا الجميل الذهبي الذي مر علينا كأنه حلم أو طيف .. لازلنا ونحن نراجع مامرّ بِنَا من أوقات عذبة تبعث فينا البهاء والجمال والحنين الى ما تضمنته تلك الأوقات من حياة بهيّة صافية والتي أصبحت بمثابة ملجأ للفرد العراقي الذي عاش تلك السنين وأنا ممّن عاشها بتفاصيلها .. فقد كانت تشمل عقود والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بكل رونقها وألقها وقد كنا نتصور أنها ستكون منطلقاً وقاعدة لمستقبل زاهٍ لجميع من عاش في بغداد في تلك الفترة الذهبية .. ولكن!! .. كان الفرد البغدادي ميالاً للراحة وطلب اللهو والسهر وتوّاق بالآداب والفنون .. لذا أنشأت محلات اللهو والمتعة والسهر والغناء كي يعوض بها أمسيات فصول الصيف القائظة وليالي شتاءاتها الطويلة الباردة .. فقد كانت العائلة العراقية وبالتحديد البغدادية والتي انا منها في تلك الفترة المذكورة .. تحاول أن تجد لها أماكن لهو وسهرات وقضاء أوقات بريئة .. وكانت العاصمة بغداد آنذاك تقدم خيارات كثيرة وأماكن متعددة يستطيع الفرد أن يختار بسهولة من بينها ما يناسبه في السهر أو اللهو أو حتى الصرف .. وقد كانت بغداد من المدن الرائدة في الشرق الأوسط بالحياة ألأجتماعية المتوازنة والحريات الشخصية ومن دون المبالغة في المجون .. بل كانت لا تنام ليلاً وتبقى ساهرة على أصوات الغناء والمقام العراقي .. الصادر من (الچرادغ) المنصوبة على طول شواطئ نهر دجلة في أيام الصيف .. ومن مقاهيها وملاهيها ونواديها في كل فصول السنة .. ففي الوقت الذي تزايد فيه أعداد موظفي الدولة في وزاراتها ومؤسساتها .. فقد تمّ تأسيس العديد من الأندية الخاصة بموظفي هذه المؤسسات الحكومية كنوادي وزارة النفط ووزارة الخارجية والضباط الكائني في اليرموك ومدينة الضباط في زيونة والمشهور بأكلة البورك والأطباء والشرطة وجمعية المهندسين ونقابة المهندسين وذوي المهن الطبية والمهندسين الزراعيين ونادي السكك والأعلام والتخطيط وجمعية المهندسين العراقيين وغيرها الكثير وكان معظمها في منطقة المنصور وبالتحديد شارع النقابات المقابل الى (لوناپارك المعرض) وهي مدينة الألعاب التابعة الى معرض بغداد الدولي .. كذلك كانت هناك نوادي أهلية خاصة لأعضاء مميزين وبطريقة الانتساب مثل نادي المنصور والعلوية والهندية ومن ثم نادي الصيد العراقي .. كما أفتتحت آنذاك العديد من النوادي التابعة لبعض القوميات الطوائف والأثنيات التي يتكوّن منها المجتمع العراقي .. كنادي الهومنتمن للأخوة الأرمن .. ونادي المشرق والنادي الآثوري للأخوة المسيحيين .. ونادي التعارف للأخوة الصابئة المندائيين .. وكذلك نادي صلاح الدين للأخوة الأكراد في الكرخ (طريق المطار- قرب جسر حي العامل)و نادي سيروان في الكرادة .. ثم لحقتها نوادي النقابات والجمعيات أصحاب المهن .. كالمحامين وألأقتصاديين والفنانين والمعلمين والمهندسين والأطباء والحقوقيين والزراعيين والصيادلة والأدباء والجمعية البغدادية .. وغيرها قد لاتسعفني الذاكرة الآن .. وكانت هذه النوادي تستقبل الأعضاء وعوائلهم من دون تمييز .. وكانت تتنافس في نوعية الطعام وجودته الذي تقدمه .. فنادي الهندية كان مشهوراً بتقديم أكلة الپاچة والتشريب كل يوم ثلاثاء (وما أطيبها مع صوت ابو زيدون "الأستاذ مؤيد البدري" اثناء تقديمه برنامج الرياضة في أسبوع) .. ونادي صلاح الدين الذي يقدم الكباب المميّز بطعمه وحجم الشيش .. وجمعية الأقتصاديين بتقديم لحمة (الكريم چاب أو البتيتة چاب) من يد الشيف "أبو ليلى" .. أمّا تكّة نقابة وجمعية المهندسين فهذه قصة أخرى بحد ذاتها .. وهكذا هذا التنوع الغذائي والسهرات يجعل الكثير من غير الأعضاء في هذه النوادي على انتظار أيام الأسبوع التي يسمح فيها بأصطحاب الضيوف لتناول أكلاتهم المفضلة مع الأعضاء من أصدقائهم .. ومن مختلف الأديان والملل .. حيث كانت هناك أيام محددة لضيوف الأعزاء .. وأيام لعرض الأفلام السينمائية ومعظمها كانت يوم الأثنين (فلم أجنبي) ويوم الجمعة (فلم عربي) .. أمّا يوم الأحد فكان مخصص ل (لعبة البنگو - دمبلة) .. فيما كان ليل يوم الخميس ليلة العطلة .. مخصصة لل (باند الغربي) وأحيانا .. أحد مطربي الأذاعة والتلفزيون ..وهكذا كانت الأجواء في هذه النوادي عائلية ومحترمة .. قبل أن يحولها البعض الى مايخانات ومراقص متدنية رخيصة .. لم تكن أماكن الترفيه ما ذكر اعلاه فحسب .. بل أن العوائل في بغداد والأفراد وبالأخص مستذوقي الطعام بشتى صنوفه كانوا يرتادون العديد من المطاعم الراقية والمتميزة بجودة وتخصص طعامها الذي تقدمه .. فقد كان من أهم تلك المطاعم وأشهرها ببهائه ورونقه وزبائنه (مطعم فوانيس) الكائن في الباب الشرقي في الفرع المقابل لسينما بابل تقريبا وا الذي كانا الأخوين الأعزاء في قلبي "رعد وسعد الخضيري" المشرفي على ادارته .. وكانت قائمة طعامه تحوي على اهم وأشهر وأطعم ماقدم من (الكاري باللحم أو الدجاج) والستيك بالفلفل الأسود - پپر ستيك) وطبق المشويات الشهير وكاستليتا اللحم المشوي .. ما أن ذهبت مع والديّ يوما الى المطعم الاّ وكان مكتضاً بالزبائن وعدد الذين ينتظرون خارج المطعم او في صالة الأنتظار الموجودة عند باب الدخول وفِي المقدمة وتشرف على صالة المطعم الرئيسيّة والموصلة لها بعد هبوط درجتين .. وكان الحضور أغلبهم من جنسيات أجنبية وهيئات دبلوماسية يوم كانت عاصمة الرشيد تعجّ بهم وبمختلف الشركات الأجنبية والأستثمارية .. حيث عددهم كان اكبر بكثير من العراقيين وان وجدوا فهم من الطبقة الراقية والمثقفة .. وكان عدد العوائل وأفراحهم ممن ينتظرون تقديمهم للجلوس على طاولة المطعم يفوق الجالسين في المطعم .. وأرتأى البعض الجلوس على البار الجانبي يحتسي كأسا من الخمر .. لحين الحصول على طاولة للجلوس .. وبين هذا وذاك كانت حركة النادلين وإبتسامة (أنور) و(خوشابا) وآخرون لاتتوقف .. وهم يحملون صحون ستيك الزنگارة والكاري .. لتحطم ارواح المنتظرين على أحرّ من الجمر
وكذلك كان هناك (مطعم تاج محل) للأكل الهندي .. و(مطعم دنانير) قبل ان يباع ويتحول الى (مطعم البرمكي) الواقع في الطابق الاول من عمارة السيد مبدر جاسم الواقعة على ساحة الفتح مقابل المسرح الوطني .. وفِي نهاية الستينات شهدت قاعة المطعم أنغام موسيقى لأول باند غربي أسسه الشاب الفنان الصاعد انذاك "الهام المدفعي" .. و(مطعم ستراند) في نهاية شارع السعدون من جهة العلوية وكان يقدم مع أكلاته الطرشي المكبوس عمل المحل ولا ألذّ منه طعما .. يضطر الزبون ان يطلع عدة صحون منه .. يقابله على على الجهة الاخرى عبر شارع السعدون (مطعم الشموع) التابع للمؤسسة العامة للسياحة وكان في قمة وجبات الطعام التي يقدمها (الشاتوبريان ستيك) والذي تميز بقيامه بشيائه بالقرب من الزبون على عربة خاصة وفِي النهاية يسكب عليه الحامض مع منظر لهيب النار في منظر ظلّ في الذاكرة لاينسى .. وكذلك كان هناك (مطعم الأناء الذهبي) و(مطعم المطعم) في منطقة العرصات قرب السفارة الألمانية و(مطعم فاروق) في (الحارثية قرب معرض بغداد الدولي) والذي تأسس عام 1967 من قبل السيدان (فاروق الياسين) الضابط في الحرس الملكي سابقا و(هاشم الشابندر) والذي اصبح هذا المطعم مزارا ممتعا للطبقة العراقية الراقية ومايميزه هو أناقة المطعم ومعداته تقديم الطعام وبالأخص اللحوم على قاعدة خشب مع السكين الخاص لها وكان معظم الوفود الرسمية للدولة العراقية على مستوى رؤساء ووزراء مع بدايات ثورة 17 تموز وقيادات حزب البعث حيث تتم دعواتهم في هذا المطعم .. وقد كان المطعم مكوّن من قاعتين (الحمراء والزرقاء) اضافة الى قسم البيع الخارجي (التيك أوَي) .. ناهيك عن الهمبرگر الشهي الذي يقدمه في هذا القسم .. حيث كان هذا الهمبرگر يباع في جهة الكرخ من بغداد ينافس (همبركر ابو يونان) في جهة الرصافة الواقع في منطقة الكرادة .. لصاحبه السيد "بطرس أوديشو" الذي بدأ بكشك صغير تابع ل (كوكا كولا) فتقوم بتجهيزه ب بطالة الكوكا ليبيعها مع الهمبرگر وينجح في مشروعه هذا فيقوم بشراء الأرض الخالية التي خلفه ويبني عليه محله الشهير (همبرگر وگص أبو يونان) .. ومحلات أخرى مؤجرة أحدها (مطعم الكهف) بديكوره الذي يشابه الكهف بين الصخور .. وقبل أن أغادر منطقة العلوية .. لابدّ أن أذكر (مطعم خان دجاج) قرب بوابة نادي العلوية مواجها لساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقا) والذي يعتبر من اقدم مطاعم التي تقدم الدجاج المشوي في بغداد .. حيث افتتح عام 1966 من قبل السيد "آدم ميخو مرخو) القادم من قرية (مانكيش) في زاخو .. وبعد رحلة مضنية في العمل في المطابخ ابتداءا من محل صغير لبيع السندويتشات في شارع الجمهورية ومن ثم في الحلّة مع احدى الشركات الأهلية ويعود بعدها الى بغداد طباخاً في مصفى الدورة .. ليبتاع هذا المطعم وكذلك يؤجر حانوت (كلية بغداد الأهلية) في الصليخ .. ويطوّر عمله ليشتري مزرعة للدواجن يجهز منها الدجاج لمطعمه .. يوم لم يكن الدجاج البرازيلي او الأمريكي او الفرنسي .. المجمّد وكانت هناك ايضا مطاعم مميزة ك (الغريب وقرطاج وقيراط قرب السفارة الألمانية وألأيطالي والصيني والهندي) و(مطعم فندق بغداد) والذي سبق كل المطاعم اعلاه .. عندما أفتتح فندق بغداد عام 1957 وكان الفندق الأول والرئيسي لمدينة بغداد .. ولايفوتني ذكر (مطعم خان مرجان) والذي له نكهة مميزة من اسمه المُستوحي من الخان التاريخي الذي تحوّل الى مطعم من الدرجة الاولى واشتهر بتقديم أكلة المسگوف لقربه من النهر والمشاوي والقوزي على التمن .. ومن بعدها أوجدت افخر المطاعم عندما افتتحت الفنادق الكبرى والتي شيدت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات كالشيراتون وفلسطين ميرديان وميليا منصور والرشيد .. أملاً لأجل أستقبال وفود مؤتمر عدم ألأنحياز الذي كان من المقر إقامته في بغداد في أيلول من عام 1982 ولكنه لم يتحقق .. وكذلك كانت مجموعة المطاعم التي افتتحت على نهر دجلة مباشرة وعلى طول كورنيش (شارع ابو نؤاس) .. والتابعة لأمانة العاصمة .. وتم تأجيرها لمتعهدين في نهاية الستينات وحتى بداية الثمانينات .. وكانت في الموقع المواجه لمنطقة القصر الجمهوري .. ومن قبل أن يتم إجتثاثها ويمنع الوقوف السابلة في هذا الموقع بل يحرّم حتى النظر الى الجهة المقابلة .. مبتدئة من مطعم البيضاء والخضراء والحمراء وصولا الى مطعم الزرقاء والتي تخصصت بتقديم (السمگ المسگوف) و(بيرة فريدة) مع نسمات الهواء العليل المعبّق برائحة الخير من نهر دجلة .. والتي كان يعمل فيها خيرة (سگافة السمك) ويسألونك عن نوع السمك الذي ترغبه .. گطان لو شبوط لو بنّي .. ولهذه المطاعم ذكرى طريفة لابدّ من ذكرها .. ففي عام 1974 وعندما كان الرئيس صدام حسين نائبا لرئيس الجمهورية في سفرة الى فرنسا مفاجئة .. حيث وصلها بعد قطع زيارته الى روسيا وفشل المباحثات بأقناع الروس تزويد العراق بسلاح حديث والتكنولوجيا الحديثة .. ولكن الفرنسيين وبالأخص النائب "جاك شيراك" أبدى تعاونا تاما .. وموافقة على تزويد العراق باحتياجاته من السلاح والتكنولوجيا لما يتمتع به النائبان من صداقة .. أقام نائب رئيس الجمهورية العراقي مأدبة عشاء في حدائق (قصر الأليزيه) متكونة من السمك المسگوف والشاي والقهوة على الفحم .. بعد ان بعث على هؤلاء السگافة مع معداتهم والحطب والسمك في طائرة خاصة ... مما أدّى الى غلق هذه المطاعم لعدّة أيام ...
عودة الى مجموعة المطاعم الشهيرة الأخرى .. كان هناك مطعم آخر اصبح له رنّة وشأن افتتح في بداية السبعينات (مطعم ياقوت) في الجهة الثانية من شارع ابو نؤاس - الكرادة داخل) والذي ابتدأ من حديقة تشرف على النهر مباشرة مسيجة وتحوي سقيفة يشوى تحتها انواع الكباب والتكة تابعة لأمانة العاصمة ومؤجرة من قبل المهندس المعماري وصديق الوالد الحميم المهندس المعماري (سيفي العباسي) أطال الله في عمره .. ليقوم بعدها بتغليف السقيفة وتطويرها الى أبهى مطعم متميزاً بنكهة صنوف الاكل ومتميزا بأتكيت عالي في التقديم وترتيب الصحون والملاعق ..لما يتمتع به صاحبه المذكور اعلاه من ذو ذوق عالي .. الذي جلب كافة معدات المطعم من صحون وعُدَد الطعام وأقداح من دولة اليونان .. كل هذه الأجواء متناغمةً مع صوت الموسيقى الكلاسيك ومن مقطوعات منتقاة بعناية وذوق عالي .. وانت تجلس مواجها نهر دجلة ورذاذ نسمات الهواء البارد تهب عليك من اجهزة التبريد المنتشرة على جوانب المطعم وأمامك أطيب صحن من (الگوردن بلو) .. وأذكر أنه كانت هناك طاولة أقصى يسار المطعم مجاورة بجنب الزجاج المواجه للنهر محجوزة كل يوم خميس الظهر .. للسفير الفرنسي في بغداد وعقيلته وبمعيّتهم أحيانا بعض ضيوفهم .. ونظرًا لموقعه الذي اصبح متميزا بعد ذلك مواجها لبيوت الوزراء ومسؤولي رئاسة الجمهورية على الضفة الأخرى لنهر دجلة (أم العظام) .. استملكته الدولة لأدارته لتحوله الى ملهى ليلي مع أنغام الكاولية .. قبل ان يتم غلقه تماما لموقعه المواجه لأبنية الرئاسة .. هذا وكانت مجموعة من المطاعم والبارات صغيرة وراقية في نفس الوقت انتشرت في بغداد متميزة بتقديم مشروب البيرة والطعام اللذيذ وكانت ذات صيت عالي مثل (فيتامين و 21) في منطقة الكرادة خارج على الشارع المؤدي الى السفارة الألمانية قرب (أسواق سلومي) وكذلك (الكرفان) في المنصور .. مقابل ساحة سباق الخيل (الريسز) الى هنا أكتفي فلربما بدأت تتجمع في مقلتي الدموع .. لأننا بتنا نصحوا على واقع كابوس أسود قتل ذلك الحلم وشرد أهله في منافي أركان الأرض تاركةً وراؤها أرثُ من الذكريات والأحبة والأهل والخلّان .. الگاردينيا: هذه المادة البغدادية الجميلة أرسلها الأخ العزيز (سرور ميرزا) فألف شكر له . ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل
ما كان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل المهندس/ عمار وهبي:بالعودة الى الذاكرة من زمننا الجميل الذهبي الذي مر علينا كأنه حلم أو طيف .. لازلنا ونحن نراجع مامرّ بِنَا من أوقات عذبة تبعث فينا البهاء والجمال والحنين الى ما تضمنته تلك الأوقات من حياة بهيّة صافية والتي أصبحت بمثابة ملجأ للفرد العراقي الذي عاش تلك السنين وأنا ممّن عاشها بتفاصيلها .. فقد كانت تشمل عقود والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بكل رونقها وألقها وقد كنا نتصور أنها ستكون منطلقاً وقاعدة لمستقبل زاهٍ لجميع من عاش في بغداد في تلك الفترة الذهبية .. ولكن!! .. كان الفرد البغدادي ميالاً للراحة وطلب اللهو والسهر وتوّاق بالآداب والفنون .. لذا أنشأت محلات اللهو والمتعة والسهر والغناء كي يعوض بها أمسيات فصول الصيف القائظة وليالي شتاءاتها الطويلة الباردة .. فقد كانت العائلة العراقية وبالتحديد البغدادية والتي انا منها في تلك الفترة المذكورة .. تحاول أن تجد لها أماكن لهو وسهرات وقضاء أوقات بريئة .. وكانت العاصمة بغداد آنذاك تقدم خيارات كثيرة وأماكن متعددة يستطيع الفرد أن يختار بسهولة من بينها ما يناسبه في السهر أو اللهو أو حتى الصرف .. وقد كانت بغداد من المدن الرائدة في الشرق الأوسط بالحياة ألأجتماعية المتوازنة والحريات الشخصية ومن دون المبالغة في المجون .. بل كانت لا تنام ليلاً وتبقى ساهرة على أصوات الغناء والمقام العراقي .. الصادر من (الچرادغ) المنصوبة على طول شواطئ نهر دجلة في أيام الصيف .. ومن مقاهيها وملاهيها ونواديها في كل فصول السنة .. ففي الوقت الذي تزايد فيه أعداد موظفي الدولة في وزاراتها ومؤسساتها .. فقد تمّ تأسيس العديد من الأندية الخاصة بموظفي هذه المؤسسات الحكومية كنوادي وزارة النفط ووزارة الخارجية والضباط الكائني في اليرموك ومدينة الضباط في زيونة والمشهور بأكلة البورك والأطباء والشرطة وجمعية المهندسين ونقابة المهندسين وذوي المهن الطبية والمهندسين الزراعيين ونادي السكك والأعلام والتخطيط وجمعية المهندسين العراقيين وغيرها الكثير وكان معظمها في منطقة المنصور وبالتحديد شارع النقابات المقابل الى (لوناپارك المعرض) وهي مدينة الألعاب التابعة الى معرض بغداد الدولي .. كذلك كانت هناك نوادي أهلية خاصة لأعضاء مميزين وبطريقة الانتساب مثل نادي المنصور والعلوية والهندية ومن ثم نادي الصيد العراقي .. كما أفتتحت آنذاك العديد من النوادي التابعة لبعض القوميات الطوائف والأثنيات التي يتكوّن منها المجتمع العراقي .. كنادي الهومنتمن للأخوة الأرمن .. ونادي المشرق والنادي الآثوري للأخوة المسيحيين .. ونادي التعارف للأخوة الصابئة المندائيين .. وكذلك نادي صلاح الدين للأخوة الأكراد في الكرخ (طريق المطار- قرب جسر حي العامل)و نادي سيروان في الكرادة .. ثم لحقتها نوادي النقابات والجمعيات أصحاب المهن .. كالمحامين وألأقتصاديين والفنانين والمعلمين والمهندسين والأطباء والحقوقيين والزراعيين والصيادلة والأدباء والجمعية البغدادية .. وغيرها قد لاتسعفني الذاكرة الآن .. وكانت هذه النوادي تستقبل الأعضاء وعوائلهم من دون تمييز .. وكانت تتنافس في نوعية الطعام وجودته الذي تقدمه .. فنادي الهندية كان مشهوراً بتقديم أكلة الپاچة والتشريب كل يوم ثلاثاء (وما أطيبها مع صوت ابو زيدون "الأستاذ مؤيد البدري" اثناء تقديمه برنامج الرياضة في أسبوع) .. ونادي صلاح الدين الذي يقدم الكباب المميّز بطعمه وحجم الشيش .. وجمعية الأقتصاديين بتقديم لحمة (الكريم چاب أو البتيتة چاب) من يد الشيف "أبو ليلى" .. أمّا تكّة نقابة وجمعية المهندسين فهذه قصة أخرى بحد ذاتها .. وهكذا هذا التنوع الغذائي والسهرات يجعل الكثير من غير الأعضاء في هذه النوادي على انتظار أيام الأسبوع التي يسمح فيها بأصطحاب الضيوف لتناول أكلاتهم المفضلة مع الأعضاء من أصدقائهم .. ومن مختلف الأديان والملل .. حيث كانت هناك أيام محددة لضيوف الأعزاء .. وأيام لعرض الأفلام السينمائية ومعظمها كانت يوم الأثنين (فلم أجنبي) ويوم الجمعة (فلم عربي) .. أمّا يوم الأحد فكان مخصص ل (لعبة البنگو - دمبلة) .. فيما كان ليل يوم الخميس ليلة العطلة .. مخصصة لل (باند الغربي) وأحيانا .. أحد مطربي الأذاعة والتلفزيون ..وهكذا كانت الأجواء في هذه النوادي عائلية ومحترمة .. قبل أن يحولها البعض الى مايخانات ومراقص متدنية رخيصة .. لم تكن أماكن الترفيه ما ذكر اعلاه فحسب .. بل أن العوائل في بغداد والأفراد وبالأخص مستذوقي الطعام بشتى صنوفه كانوا يرتادون العديد من المطاعم الراقية والمتميزة بجودة وتخصص طعامها الذي تقدمه .. فقد كان من أهم تلك المطاعم وأشهرها ببهائه ورونقه وزبائنه (مطعم فوانيس) الكائن في الباب الشرقي في الفرع المقابل لسينما بابل تقريبا وا الذي كانا الأخوين الأعزاء في قلبي "رعد وسعد الخضيري" المشرفي على ادارته .. وكانت قائمة طعامه تحوي على اهم وأشهر وأطعم ماقدم من (الكاري باللحم أو الدجاج) والستيك بالفلفل الأسود - پپر ستيك) وطبق المشويات الشهير وكاستليتا اللحم المشوي .. ما أن ذهبت مع والديّ يوما الى المطعم الاّ وكان مكتضاً بالزبائن وعدد الذين ينتظرون خارج المطعم او في صالة الأنتظار الموجودة عند باب الدخول وفِي المقدمة وتشرف على صالة المطعم الرئيسيّة والموصلة لها بعد هبوط درجتين .. وكان الحضور أغلبهم من جنسيات أجنبية وهيئات دبلوماسية يوم كانت عاصمة الرشيد تعجّ بهم وبمختلف الشركات الأجنبية والأستثمارية .. حيث عددهم كان اكبر بكثير من العراقيين وان وجدوا فهم من الطبقة الراقية والمثقفة .. وكان عدد العوائل وأفراحهم ممن ينتظرون تقديمهم للجلوس على طاولة المطعم يفوق الجالسين في المطعم .. وأرتأى البعض الجلوس على البار الجانبي يحتسي كأسا من الخمر .. لحين الحصول على طاولة للجلوس .. وبين هذا وذاك كانت حركة النادلين وإبتسامة (أنور) و(خوشابا) وآخرون لاتتوقف .. وهم يحملون صحون ستيك الزنگارة والكاري .. لتحطم ارواح المنتظرين على أحرّ من الجمر
وكذلك كان هناك (مطعم تاج محل) للأكل الهندي .. و(مطعم دنانير) قبل ان يباع ويتحول الى (مطعم البرمكي) الواقع في الطابق الاول من عمارة السيد مبدر جاسم الواقعة على ساحة الفتح مقابل المسرح الوطني .. وفِي نهاية الستينات شهدت قاعة المطعم أنغام موسيقى لأول باند غربي أسسه الشاب الفنان الصاعد انذاك "الهام المدفعي" .. و(مطعم ستراند) في نهاية شارع السعدون من جهة العلوية وكان يقدم مع أكلاته الطرشي المكبوس عمل المحل ولا ألذّ منه طعما .. يضطر الزبون ان يطلع عدة صحون منه .. يقابله على على الجهة الاخرى عبر شارع السعدون (مطعم الشموع) التابع للمؤسسة العامة للسياحة وكان في قمة وجبات الطعام التي يقدمها (الشاتوبريان ستيك) والذي تميز بقيامه بشيائه بالقرب من الزبون على عربة خاصة وفِي النهاية يسكب عليه الحامض مع منظر لهيب النار في منظر ظلّ في الذاكرة لاينسى .. وكذلك كان هناك (مطعم الأناء الذهبي) و(مطعم المطعم) في منطقة العرصات قرب السفارة الألمانية و(مطعم فاروق) في (الحارثية قرب معرض بغداد الدولي) والذي تأسس عام 1967 من قبل السيدان (فاروق الياسين) الضابط في الحرس الملكي سابقا و(هاشم الشابندر) والذي اصبح هذا المطعم مزارا ممتعا للطبقة العراقية الراقية ومايميزه هو أناقة المطعم ومعداته تقديم الطعام وبالأخص اللحوم على قاعدة خشب مع السكين الخاص لها وكان معظم الوفود الرسمية للدولة العراقية على مستوى رؤساء ووزراء مع بدايات ثورة 17 تموز وقيادات حزب البعث حيث تتم دعواتهم في هذا المطعم .. وقد كان المطعم مكوّن من قاعتين (الحمراء والزرقاء) اضافة الى قسم البيع الخارجي (التيك أوَي) .. ناهيك عن الهمبرگر الشهي الذي يقدمه في هذا القسم .. حيث كان هذا الهمبرگر يباع في جهة الكرخ من بغداد ينافس (همبركر ابو يونان) في جهة الرصافة الواقع في منطقة الكرادة .. لصاحبه السيد "بطرس أوديشو" الذي بدأ بكشك صغير تابع ل (كوكا كولا) فتقوم بتجهيزه ب بطالة الكوكا ليبيعها مع الهمبرگر وينجح في مشروعه هذا فيقوم بشراء الأرض الخالية التي خلفه ويبني عليه محله الشهير (همبرگر وگص أبو يونان) .. ومحلات أخرى مؤجرة أحدها (مطعم الكهف) بديكوره الذي يشابه الكهف بين الصخور .. وقبل أن أغادر منطقة العلوية .. لابدّ أن أذكر (مطعم خان دجاج) قرب بوابة نادي العلوية مواجها لساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقا) والذي يعتبر من اقدم مطاعم التي تقدم الدجاج المشوي في بغداد .. حيث افتتح عام 1966 من قبل السيد "آدم ميخو مرخو) القادم من قرية (مانكيش) في زاخو .. وبعد رحلة مضنية في العمل في المطابخ ابتداءا من محل صغير لبيع السندويتشات في شارع الجمهورية ومن ثم في الحلّة مع احدى الشركات الأهلية ويعود بعدها الى بغداد طباخاً في مصفى الدورة .. ليبتاع هذا المطعم وكذلك يؤجر حانوت (كلية بغداد الأهلية) في الصليخ .. ويطوّر عمله ليشتري مزرعة للدواجن يجهز منها الدجاج لمطعمه .. يوم لم يكن الدجاج البرازيلي او الأمريكي او الفرنسي .. المجمّد وكانت هناك ايضا مطاعم مميزة ك (الغريب وقرطاج وقيراط قرب السفارة الألمانية وألأيطالي والصيني والهندي) و(مطعم فندق بغداد) والذي سبق كل المطاعم اعلاه .. عندما أفتتح فندق بغداد عام 1957 وكان الفندق الأول والرئيسي لمدينة بغداد .. ولايفوتني ذكر (مطعم خان مرجان) والذي له نكهة مميزة من اسمه المُستوحي من الخان التاريخي الذي تحوّل الى مطعم من الدرجة الاولى واشتهر بتقديم أكلة المسگوف لقربه من النهر والمشاوي والقوزي على التمن .. ومن بعدها أوجدت افخر المطاعم عندما افتتحت الفنادق الكبرى والتي شيدت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات كالشيراتون وفلسطين ميرديان وميليا منصور والرشيد .. أملاً لأجل أستقبال وفود مؤتمر عدم ألأنحياز الذي كان من المقر إقامته في بغداد في أيلول من عام 1982 ولكنه لم يتحقق .. وكذلك كانت مجموعة المطاعم التي افتتحت على نهر دجلة مباشرة وعلى طول كورنيش (شارع ابو نؤاس) .. والتابعة لأمانة العاصمة .. وتم تأجيرها لمتعهدين في نهاية الستينات وحتى بداية الثمانينات .. وكانت في الموقع المواجه لمنطقة القصر الجمهوري .. ومن قبل أن يتم إجتثاثها ويمنع الوقوف السابلة في هذا الموقع بل يحرّم حتى النظر الى الجهة المقابلة .. مبتدئة من مطعم البيضاء والخضراء والحمراء وصولا الى مطعم الزرقاء والتي تخصصت بتقديم (السمگ المسگوف) و(بيرة فريدة) مع نسمات الهواء العليل المعبّق برائحة الخير من نهر دجلة .. والتي كان يعمل فيها خيرة (سگافة السمك) ويسألونك عن نوع السمك الذي ترغبه .. گطان لو شبوط لو بنّي .. ولهذه المطاعم ذكرى طريفة لابدّ من ذكرها .. ففي عام 1974 وعندما كان الرئيس صدام حسين نائبا لرئيس الجمهورية في سفرة الى فرنسا مفاجئة .. حيث وصلها بعد قطع زيارته الى روسيا وفشل المباحثات بأقناع الروس تزويد العراق بسلاح حديث والتكنولوجيا الحديثة .. ولكن الفرنسيين وبالأخص النائب "جاك شيراك" أبدى تعاونا تاما .. وموافقة على تزويد العراق باحتياجاته من السلاح والتكنولوجيا لما يتمتع به النائبان من صداقة .. أقام نائب رئيس الجمهورية العراقي مأدبة عشاء في حدائق (قصر الأليزيه) متكونة من السمك المسگوف والشاي والقهوة على الفحم .. بعد ان بعث على هؤلاء السگافة مع معداتهم والحطب والسمك في طائرة خاصة ... مما أدّى الى غلق هذه المطاعم لعدّة أيام ...
عودة الى مجموعة المطاعم الشهيرة الأخرى .. كان هناك مطعم آخر اصبح له رنّة وشأن افتتح في بداية السبعينات (مطعم ياقوت) في الجهة الثانية من شارع ابو نؤاس - الكرادة داخل) والذي ابتدأ من حديقة تشرف على النهر مباشرة مسيجة وتحوي سقيفة يشوى تحتها انواع الكباب والتكة تابعة لأمانة العاصمة ومؤجرة من قبل المهندس المعماري وصديق الوالد الحميم المهندس المعماري (سيفي العباسي) أطال الله في عمره .. ليقوم بعدها بتغليف السقيفة وتطويرها الى أبهى مطعم متميزاً بنكهة صنوف الاكل ومتميزا بأتكيت عالي في التقديم وترتيب الصحون والملاعق ..لما يتمتع به صاحبه المذكور اعلاه من ذو ذوق عالي .. الذي جلب كافة معدات المطعم من صحون وعُدَد الطعام وأقداح من دولة اليونان .. كل هذه الأجواء متناغمةً مع صوت الموسيقى الكلاسيك ومن مقطوعات منتقاة بعناية وذوق عالي .. وانت تجلس مواجها نهر دجلة ورذاذ نسمات الهواء البارد تهب عليك من اجهزة التبريد المنتشرة على جوانب المطعم وأمامك أطيب صحن من (الگوردن بلو) .. وأذكر أنه كانت هناك طاولة أقصى يسار المطعم مجاورة بجنب الزجاج المواجه للنهر محجوزة كل يوم خميس الظهر .. للسفير الفرنسي في بغداد وعقيلته وبمعيّتهم أحيانا بعض ضيوفهم .. ونظرًا لموقعه الذي اصبح متميزا بعد ذلك مواجها لبيوت الوزراء ومسؤولي رئاسة الجمهورية على الضفة الأخرى لنهر دجلة (أم العظام) .. استملكته الدولة لأدارته لتحوله الى ملهى ليلي مع أنغام الكاولية .. قبل ان يتم غلقه تماما لموقعه المواجه لأبنية الرئاسة .. هذا وكانت مجموعة من المطاعم والبارات صغيرة وراقية في نفس الوقت انتشرت في بغداد متميزة بتقديم مشروب البيرة والطعام اللذيذ وكانت ذات صيت عالي مثل (فيتامين و 21) في منطقة الكرادة خارج على الشارع المؤدي الى السفارة الألمانية قرب (أسواق سلومي) وكذلك (الكرفان) في المنصور .. مقابل ساحة سباق الخيل (الريسز) الى هنا أكتفي فلربما بدأت تتجمع في مقلتي الدموع .. لأننا بتنا نصحوا على واقع كابوس أسود قتل ذلك الحلم وشرد أهله في منافي أركان الأرض تاركةً وراؤها أرثُ من الذكريات والأحبة والأهل والخلّان .. الگاردينيا: هذه المادة البغدادية الجميلة أرسلها الأخ العزيز (سرور ميرزا) فألف شكر له .
ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل : سرور ميرزا
ماكان يفعله العراقيون وعوائلهم في الزمن الجميل : سرور ميرزا