تعود بي ذاكرتي الى عام 1966 وإلى حادثة لازالت عالقة في ذهني وهي حادثة لها علاقة بهروب الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) من سجنه في معسكر الرشيد وعلاقة الجندي (محمد) والذي كنا نناديه بـ (حمه) وكان كردياً وأمياً من أطراف محافظة كركوك, حيث كنا نسكن احدى الدور في منطقة (كمب سارة خاتون) مشاركة وكان متزوجاً من ابنة عمه حديثاً وعلاقاتنا كانت وطيدة مع (محمد وزوجته) واستمرت هذه العلاقة حتى بعد أن تركنا المنطقة المذكورة إلى منطقة أخرى وهي مدينة الثورة...
يشير (بارزان التكريتي) الأخ الغير الشقيق للرئيس العراقي (صدام حسين) في مذكراته إلى هذه الحادثة , عندما يذكر من انه في الربع الأول من عام 1966 خرج من السجن كل من (صدام حسين, عبد الكريم الشيخلي, حسن العامري) بحجة مراجعة المستشفى, ويذكر الموما إليه بأن إحالة المسجونيين للمستشفى أو الخروج لأداء الامتحانات كانت مسألة اعتيادية ومسموح بها على عكس ما حصل في ظل نظام حزب البعث حيث لم يكن مسموحاً للمسجون القيام بذلك.
صدام حسين وعبد الكريم الشيخلي وحسن العامري وعدد من رفاقهم في السجن عام 1965
يضيف (بارزان التكريتي) في مذكراته المنشورة حديثاً من قبل مكتبة المجلة في شارع المتنبي والمنشورة أصلاً من قبل أحد المواقع الأمريكية على شبكة الانترنت بأن (صدام حسين) استطاع أن يقنع الحراس الثلاثة وكان الجندي (كاكه حمه) أحدهم لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم فوافقوا على ذلك وتوجهوا جميعاً إلى مطعم الجندول في شارع أبو نؤاس ومن ثم توزعوا على طاولتين حيث جلس (صدام حسين وعبد الكريم الشيخلي وحسن العامري) على طاولة والجنود الحراس على طاولة أخرى, أثناء تناولهم الطعام اتفق كل من (صدام حسين وعبد الكريم الشيخلي) الهروب وبقاء (حسن العامري) جالساً على الطاولة حيث خرجا تباعاً بحجة الذهاب إلى المغاسل من ثم الخروج من الباب الخلفي للمطعم والذي يؤدي إلى الشوارع والأزقة الكثيرة المتشعبة خلف المطعم المذكور وبالتالي يؤدي بهما إلى شارع السعدون.
جانب من شارع أبو نؤاس
بعد انتهاء الجنود الثلاثة من تناول طعامهم اللذيذ الذي أنساهم الواجب الخطير المكلفين به, وهنا تجدر الإشارة إلى حصول الكثير من حالات هروب الموقوفين والمحكومين في حالات مماثلة بعد تلقي حراسهم عرضاً لتناول الطعام أو شراء حاجات او الصلاة أو قضاء الحاجة. استفسروا من (حسن العامري) عن المسجونين والذي أجابهما بأنهما ذهبا إلى المغاسل وبالرغم من البحث الدقيق عنهما في المطعم والمناطق القريبة منه لم يعثروا عليهما وعادوا إلى دائرتهم مستصحبين معهم (حسن العامري) وحيداً وعلى أثره قامت الدائرة بزجهم في التوقيف وفتح تحقيق بحقهم. بعث الجندي (كاكه حمه) من سجنه بواسطة أحد الجنود من العاملين معه في الدائرة برسالة إلى والدي يخبره بتفاصيل ما جرى له ويلتمس منه أن يقوم باستصحاب زوجته إلى أهلها في أطراف مدينة كركوك وإلى أحدى القرى التابعة لناحية شوان لحين وضوح مصيره من القضية التي اتهم بها, وفعلاً قام والدي بمرافقة المذكورة إلى أهلها وعند هذا الحد انتهت علاقتنا بالمذكور ولم نراه أو نعلم شيئاً عن مصيره لغاية ما كنا انا ووالدي نسير في الباب الشرقي وتحت نصب الحرية في أوائل عام 1969 وإذا بأحد الأشخاص وهو جالس في سيارته ينادي على والدي باسمه وقفنا وترجل هو من السيارة وتقدم اتجاهنا وإذا به (كاكه حمه) وبقيافة مرتبة ومتكاملة وأنيقة, بعد السلام والعناق الطويل استفسر منه عن حاله والهيئة التي يبدو فيها منعماً ...
نصب الحرية أو النصر في الباب الشرقي في بغداد
أجاب: (( لقد كرمني السيد النائب صدام حسين بوظيفة مهمة ومنصب رفيع المستوى براتب جيد في أمانة العاصمة)) ثم أشار إلى السيارة قائلاً : ((هذه سيارتي التي استلمتها من دائرتي)). [size=32]ودعناه ونحن نردد العبارة المألوفة: ((رب ضارة نافعة))[/size]