الكويت تعاني أزمة ثقافة يقودها تيار التشدد محيط – سميرة سليمان - "انتفاضة ثقافية" أعلن عنها رموز الفكر والكتابة في مصر عقب إعلان معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين عن منع مشاركة مؤلفات لكبار الكتاب في مصر عبر إرسال خطابات مباشرة لدور النشر المصرية المشاركة وهي "الشروق"، "العين" و"شرقيات" لإخطارها بعناوين الكتب المرفوضة .
المثير للدهشة هي أن العناوين التي تم رفضها معظمها لا يتعدى الخطوط التقليدية المتعارف عليها في الفكر والسياسة أو الأدب فضلا عن كونها لكتاب مصر ومنهم: جلال أمين، جمال الغيطاني، إبراهيم أصلان، إبراهيم عبدالمجيد، خيري شلبي، رضوى عاشور، محمد المنسي قنديل، يوسف القعيد، وفهمي هويدي، علاء الأسواني، محمد عمارة، فاروق جويدة، عزت القمحاوي، وغيرهم.
ومن الكتب التي تم منع مشاركتها "كلام في السياسة" محمد حسنين هيكل، "الطغاة والبغاة" جمال بدوي، "حكايات المؤسسة" جمال الغيطاني، "ثلاثية غرناطة" رضوي عاشور، "زهرة الخشخاش" خيري شلبي، "ماذا علمتني الحياة" جلال أمين، "شيكاغو" علاء الأسواني، وغيرها من الكتب.
سأل "محيط" عدد من أصحاب الأعمال الممنوعة : كيف يرون القرار وهل يعد مؤشرا على تراجع مكانة مصر الثقافية عربيا ، خاصة أنه جاء بعد قرار مشابه بمنع مشاركة الكتب المصرية في صالون الجزائر الدولي للكتاب، وأخيرا كيف يكون الرد المصري على قرارات منع الكتب ؟
جناية ثقافية
يوسف القعيد
وصف الأديب الكبير يوسف القعيد في حديثه لـ"محيط" قرار المنع والمصادرة بأنه سفه وتخلف وانحطاط وتناقض في المواقف ممن يدّعون أنهم ليبراليو الفكر؛ فليس من المعقول في زمن الفضائيات والانترنت أن تتم مصادرة الكتب.
وأكد صاحب "قطار الصعيد"، و"قسمة الغرماء" الكتابان الممنوعان من المعرض أن أنظمة الحكم العربية تتصور أن الكتاب يمكنهم تهديد الأنظمة، ومن يفكر برأيه بهذا المنطق لا يصلح أن يكون حاكما ولا الوطن الذي يتعامل بهذا الشكل يصلح أن يكون وطنا، مشيرا إلى أن ما يحدث يعد جناية بحق الثقافة العربية.
وتمنى القعيد أن يكون رد مصر على ما يحدث من معرض الكويت هو أن ترفض دور النشر المشاركة بالمعرض وأن يمتنع المثقفون المصريون عن الذهاب للكويت للمشاركة بأي فعاليات، وأن يرفع أبناء الكويت ومثقفوها أصوات الاحتجاج للإعلان عن رفض ما يحدث.
عزت القمحاوي مقص الرقيب
الكاتب عزت القمحاوي أكد لـ"محيط" أن الأمر تجاوز فكرة مصادرة الكتب في المعرض لتصبح هذه المصادرة جزء من مناخ عام ندعو أن تخرج الكويت منه بسلام، فرغم عدم وجود أسباب لمنع عناوين مختلفة المضامين والموضوعات إلا ان الرقيب دائما لديه أسبابه التي كثيرا لا يفصح عنها وهو أمر محير.
والمصادرة برأي صاحب "مدينة اللذة" الممنوعة من المشاركة في معرض الكويت الدولي للكتاب لا دافع لها إلا أن المناخ في الكويت أصبح حساسا للغاية وإلا لماذا تشعل محاضرة لشخص أزمة بين السنة والشيعة؟، فمجتمعاتنا العربية برأي القمحاوي أضحت هشة إلى حد بعيد والدليل على تلك الهشاشة هو مصادرة الكتب والرقابة عليها، فالقمحاوي لا يرى فرق بين القاهرة والكويت بل كل العواصم العربية التي أصبحت تتراجع عن أجواء الماضي المزدهر فكويت السبعينيات برأيه أفضل من كويت القرن الواحد والعشرين.
ويظل الرقيب في هذا البلد او ذاك يعتبر نفسه وصيا على الكاتب أو القارئ وهو أمر مثير للدهشة أن تتم المصادرة في عصر التقدم والانفتاح الالكتروني وانتشار مواقع الانترنت والقنوات الفضائية ورغم ذلك ما زال الرقيب يطارد الكلمة المكتوبة ويتصيد الكلمات في الرواية.
وحول مكانة مصر وما إذا كانت تراجعت، أكد القمحاوي أن المنع يعد مؤشرا على تراجع احترام الثقافة لدى أنظمة الحكم التي لا تأنف أن تزج بالثقافة طرفا في معركة بدأت رياضية وانتهت سياسية - في إشارة إلى الجزائر- وهذا إيذاء متعمد للثقافة.
ويرى القمحاوي مدير تحرير "أخبار الأدب" أن مصر هي الأكبر دوما والقدوة ويجب أن ندرك جيدا أنه لا يوجد معرض عربي لا يمنع الكتب إلا معرض الرياض وهذا مدهش لأن هامش الحرية في السعودية أقل من مصر والكويت ومع ذلك فهي الدولة الوحيدة التي لم نسمع أنها صادرت كتبا في الدورة الماضية من معرضها للكتاب!.
محمد رشاد قرار غير مفهوم
"مصر لا تزال في مكانتها اللائقة بها ثقافيا ورموز الفكر لديها لا يمكن المساس بهم" هكذا بدأ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين حديثه لـ"محيط" مؤكدا أن قرار المنع والمصادرة من قبل معرض الكويت لا يستهدف مصر وحدها بل هناك عناوين أخرى ممنوعة من المغرب وسوريا.
ورغم تأكيده أنه ضد الرقابة بكل أشكالها إلا أنه يحترم نظام كل معرض ومحاذير كل دولة ففي معرض القاهرة للكتاب يتم منع بعض العناوين من الدخول وهو أمر غير متكرر ولكنه يحدث أحيانا، لكن ما يثير الغضب هو أن المعايير التي تضعها كل دولة يكتنفها الغموض أحيانا وغير معلن عنها، ولذلك أرسل الاتحاد رسالة إلى إدارة معرض الكويت الدولي لتعيد فحص الكتب التي قررت أن تمنعها من المشاركة لأن هناك بعض العناوين لا نفهم لماذا تم التحفظ عليها مثل كتاب "المجددون في الإسلام" لسامح كريم الذي يتحدث عن شخصيات أثرت الحياة الإسلامية منذ القرن الأول الهجري وحتى القرن الخامس عشر.
ابراهيم عبدالمجيد تيار سلفي
بنبرة لا تخلو من الأسى أوضح الكاتب إبراهيم عبد المجيد أنها ليست المرة الأولى التي تمنع فيها كتبه من المشاركة في معرض الكويت أو غيره من المعارض العربية إلا انه في السابق كان يؤثر الصمت أما هذه المرة فالأمر اختلف نظرا لأن الكتب التي تم منعها هي لكبار الكتاب مما يدل بشكل لافت على أن التيار السلفي الذي ينمو في الكويت قد تعاظم وأصبح يحقق مكاسب على حساب الثقافة والمثقفين.
وأعرب صاحب الروايات الممنوعة "عتبات البهجة" و"بيت الياسمين" و"قناديل البحر" عن حزنه لما تمر به الكويت الآن فهي بلد للديمقراطية والحرية بالإضافة إلى كونها بلدا يعتز به كثيرا وله بها عديد من الأصدقاء فضلا عن أن لها باعا كبيرا في الثقافة فقد نشأنا على سلاسلها المتميزة مثل "العربي"، "عالم الفكر"، و"عالم المعرفة" ولذلك فعبدالمجيد يتمنى أن تعود سريعا إلى ما كانت عليه من حرية فكرية.
ويرى الروائي الكبير أن الكتب التي تم منعها معظمها أدبي تعامل معه الرقيب بالكلمة حيث عزل الكلمات عن سياقها الأدبي وتعامل معها بوصفها "جنسا" خالصا، رافضا أن يكون في قرار المنع انتقاصا من دور مصر الثقافي لأنه موجود بالفعل وكتّاب مصر ملء السمع والبصر وما حدث في السابق من قبل الجزائر هو موقف مؤقت وعابر وليس أصيلا والسبب هو استجابة بعض الناشرين لابتزاز الإعلام هناك.