تظاهرات "السترات الصفراء " في باريس التي اندلعت في 17 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي احتجاجا على قرار رفع أسعار الوقود وارتفاع الضرائب وتفشي الفقر في البلاد .. تتواصل في اسبوعها الرابع بمشاركة اكثر من 31 ألف متظاهر غص بها الشانزليزيه والشوارع المجاورة يوم امس 9 / كانون اول / ديسمبر الجاري رغم تراجع حكومة الرئيس ايمانويل ماكرون ، ورغم اعتقال اكثر من 1000 مشارك واستخدام الغاز المسيل للدموع والعنف ،فبدت باريس كمدينة اشباح بعد اغلاق المتاجر والمتاحف وبرج ايفل والمرافق السياحية الاخرى ! قرار واحد برفع أسعار الوقود اقام القيامة على رأس الحكومة وقد يطيح بها ،فاين العرب ( سنأتي عليه في مقال لاحق ) واين نحن في العراق مما يحصل لشعبنا ومنذ 15 عاماً في ظل سلطة المحتلين الفاسدة ؟ ألم يكن سعر البانزين والوقود عموماً يباع للمواطن العراقي بأسعار عالية ! وحسب اخر تقارير منظمة حقوق الانسان، فان اكثر من 70% من العراقيين، بلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء! وان نسبة من هم تحت مستوى خط الفقر تجاوزت 43% وان نسبة البطالة 31% والامية بحدود 51% وان المشردين في الخارج والمهجرين في الداخل أكثر من 11 مليون عراقي، وان اعداد القتلى في تزايد اذ فاق 3 مليون و2 مليون معاق حتى عام 2014 وآلاف المخطوفين والمفقودين إضافة الى عشرات الالاف من المعتقلين و5 ملايين ارملة ومثلها ايتام ،وان نسبة المتعاطين للمخدرات التي دخلت العراق مع السلطة الحالية بحدود 10% ،مع عودة الامراض المتوطنة وانتشار 39 مرضاً خطيراً ابرزها الكوليرا والكبد الفيروزي وشلل الأطفال والسرطانات المختلفة !واستشراء ظاهرة الفساد لتعم كل المرافق بما فيها القضاء والتربية والتعليم ،فالشهادات مزورة ( 150 ألف شهادة مزورة منها 29 ألف مصدرها ايران؟! ) وسياسة نهب المال العام هي الأبرز! فلم يتحقق أي منجز ومع هذا بلغت ديون العراق الغني بنفطه وثرواته 131 مليار دولار للبنك وصندوق النقد الدولي ونادي باريس للدائنين و124 دولة وجهة ،وانتشرت ثقافة التخلف والبدع والاباطيل ليتصدر العراق ولسنوات متعددة قائمة " الدول الأكثر تخلفاً والأكثر فساداً في العالم" ألم يكن حالنا الكارثي هذا كافياً لتثوير الشعب !؟ صحيح ان شعبنا انتفض وتظاهر واحتج اكثر من مرة آخرها انتفاضة البصرة التي لم تخمد شرارتها الى اليوم !ولكنه كان يخدع من قبل السلطة بالتسويف والمراوغة وكسب الوقت وبوعود الاستجابة الزائفة ، واللدغ والخداع مستمر ، والغرابة انه لم يقابل برد يطيح بالسلطة او يرغمها على التجاوب !وصحيح ان وسائل القمع والملاحقة والاعتقالات والتصفيات الجسدية ووجود المحتلين وميليشياتهم وحرس سليماني ،والغدر والخيانات ..مؤثرة و الخوف واتقاء اذى السلطة كانت وراء افشال الانتفاضات والاحتجاجات ، ولكن إرادة شعبنا وهو المعروف بتضحياته واقدامه وانتفاضاته وثوراته المزلزلة هي الفيصل وهي الأقوى لانها امام سلطة عميلة وفاسدة وحكام سراق، وهؤلاء عندما يواجهون باصرار الشعب على تحقيق مطالبه المشروعة ورفضه للمحتلين واتباعهم ،ويدركون ان عدم الاستجابة سيكلفهم وجودهم فانهم سيذعنون اذ لم يهربوا قبل ان ينهاروا ! فمتى نكون كاصحاب السترات الصفراء وامثالهم من الشعوب الأخرى وبما يجبر السلطة على حترامنا والاستجابة لحقوقنا المشروعة ؟ هل ننتظر وعود زائفة كانت قد مررت عدة مرات والبلاد تباع والثروات تنهب والمواطن يقتل ويجوّع ويشرد ويظلم!؟ لقد ثبت ان لغة الاحتجاج وخداع الوعود بحلول لن تغيّر شيئاً ، فحجتنا اكبر وظلمنا اشمل وصمتنا غير مبرر، بعد اليوم، فلابد من وثبة وانتفاضة متواصلة بإرادة صلبة وهمة عزوم تحقق طرد المحتلين وبقاياهم وتخلّص البلاد من الخونة والسراق والفاسدين .
الاثنين ٩ ربيع الثاني ١٤٤٠ هـ ۞۞۞ الموافق ١٧ / كانون الاول / ٢٠١٨ م
ظــاهــرة الستــرات الصفـــــراء ! شبكة ذي قار د. سامي سعدون