- كنت وزوجتي نقف عند ناصية شارع روا كونستانت راموس في كوباكابانا، قبل ستة عشر عاماً، عندما رأينا عجوزاً تجلس على كرسي مما يخصص للمقعدين، ويبدو عليها أنها تائهة وسط الزحام، فسارعت زوجتي لتعرض عليها المساعدة، فوافقت، وطلبت منا أن نوصلها إلى منطقة «روا سانتا كلارا». كانت هناك بعض الأكياس البلاستيكية تتدلى من الكرسي، وفي الطريق أخبرتنا أن تلك الأكياس هي كل ما تمتلكه في الحياة، وأنها تسكن تحت مظلات الشوارع، وتعيش بالاتكال على الله.
طلبت منا أن نتوقف أمام مجموعة من الناس المشردين، ثم قامت بفتح أحد الأكياس التي تحملها معها، وأعطت أولئك المشردين علباً من الحليب، وقالت: «إنهم يحبونني، لهذا فإني بحاجة لأن أرد الجميل، وأظهر الحب للآخرين».
هاكوني، اليابان
نجحت في نهاية المطاف في إقناع محرري، ماساو ماسودا، بدعوتي لحضور حفل شاي تقليدي ياباني، وكان متردداً لأنني لن أفهم المعنى الكامن وراءه، خاصة أنه لا تحتوي على فقرات مثيرة.
دلفنا إلى غرفة صغيرة، وكانت شقيقته تجلس فيها بزيها التقليدي الياباني المعروف باسم «كيمونو»، حيث قدمت الشاي لنا، وكانت كل الأمور تتم ضمن طقس يتسم بالجدية، بحيث تحول عمل يومي بسيط، مثل شرب الشاي، إلى لحظة من توحد الإنسان مع الكون.
سيد حفلات الشاي أوكاكوزا كاسوكو قال : « نركز الجهود لكي نحقق الجانب المثالي لأشياء غير مثالية نفعلها في حياتنا اليومية، وتكمن جمالية الأمر في ملاحظة الأشياء البسيطة التي نفعلها، لأنها هي التي ترشدنا إلى الحقيقة المطلقة».
كوباكابانا، ريودي جانيرو
بينما كنت أسير وسط أحد المتنزهات، سمعت فتاة تقول لصاحبتها: «لقد برمجت كل حياتي لأجل...»
تساءلت حينها عما إذا كانت هذه الفتاة قد أخذت بعين الاعتبار الأمور التي حدثت دون أن تتوقعها، أو هل فكرت في أن القدر قد خبأ لها أموراً أفضل مما تحلم به. كما تساءلت عما إذا كانت هذه الفتاة تؤمن بالنظرية التي تقول إنه إذا أدخل شخص ما أناساً آخرين في برمجته لحياته، فإنه يكون بذلك قد تلاعب بمخططاته وأفكاره. لا أعلم ما إذا كانت الجملة التي قالتها تلك الفتاة صادرة عن قلة خبرة في الحياة، أم أنها تعيش في وهم صرف.
هاكوني، اليابان
سألت ماساو ماسودا كيف أمكن لليابانيين أن يسيطروا على الأسواق التي كان الأميركيون يهيمنون عليها، فقال لي : « الأمر بسيط، فعندما تخطر ببال الأميركيين فكرة ما، فإنهم يغلقون على أنفسهم الحجرة ويقومون بإنجاز أطنان من البحوث والقرارات، وينفقون قدراً هائلاً من الطاقة ليثبتوا للجميع أنهم على حق، أما اليابانيون فلا يريدون أن يثبتوا شيئاً لأحد، إذ أنهم يستعرضون احتياجات الناس، ويحاولون حلها، والنتيجة العملية هي أن كل شخص في العالم سيشتري، في نهاية المطاف، ما كان يريده في البداية، وهذا يفسر المقولة (من يسعى دوماً ليثبت أنه على صواب، يثبت خطأه في النهاية)».
** منشور في صحيفة "البيان" في 19 سبتمبر/ أيلول 2010
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: كوباكابانا الثلاثاء 28 سبتمبر 2010 - 15:15
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الأخ الفاضـــل * أبو فرات * تسلم الأيادي على هذه القصّــــة المنقولــــة !!! تقبّلــــوا خالص تقديرنا وآحترامنــــا ...