الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61368مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: المربي الراحل فرنسيس بطرس كَرمـو (مسـتر) أول معلم الأحد 28 يوليو 2019 - 2:01
المربي الراحل فرنسيس بطرس كَرمـو (مسـتر) أول معلم للغة الأنكليزية بتأريخ تلكيف من مواليد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى في العام 1887 وفي محلة (أسـمر) وتوفي في بغداد عام 1962. متزوج من السيدة شوشـي حنا قينايا ورزقوا بأربعة بنين وبنت واحدة. وبحساب اليوم فسيكون له 30 حفيد و 12 من ابناء الأحفاد. كانت الصدفة الطيبة هي التي دلتني على هذه العائلة الكريمة بعد ان طرح الأستاذ (مسعود بريخو) اسم هذا المربي علّي،فكان اللقاء عبر العزيز (كمال كَرمو) مع والده السيد (صبري كَرمو) وجرى هذا الحوار الشيق حول ذكريات تمتد لأكثر من 100 سنة، عاش قسم منها، وسمع عن الآخر. وبالحقيقة فأني ممتن لهم، وللسيد صباح كرمو (ابن الراحل ايضا) الذين فتحوا خزائن الذاكرة وساعدوني بتحقيق هذا الريبورتاج الذي اعتبره مهما جدا، لأنه يتطرق الى الأيام الأولى لتأسيس التعليم في القرى والبلدات النائية في العراق وأعني (تلكيف وشقيقاتها) كما سيتضح من الحوار.
بدء السيد (صبري كَرمو) حديثه عن والده بالقول: في ذلك الزمان السحيق، كانت فرص العمل محدودة للناس في تلك القرى النائية، فقد عمل جدي (والد المربي فرنسيس) في حقلي الزراعة ومكائن الطحن التي كانت تملكها العائلة. ففي موسم الزراعة كان مزارعا، وبدون الزراعة كان يشرف على (الرحا) مكائن طحن الحبوب (صيفا) وعمل الراشي (شتاءا) وهكذا كانت اجواء الحياة عشية ولادة والدي المرحوم فرنسيس كَرمو. ولم تمض سـوى سنين قلائل حتى قرر جـّدي مغادرة بلدة (تلكيف) والتوجه الى (بغداد) بحثا عن فرص عمل افضل، وقام حينها بمساعدة من بعض الأقارب في بغداد بفتح مطحنة للحبوب، استغلت صيفا لسحق الحبوب وعمل الطحين وفي الشتاء لعمل الراشي، وكان قد شاع في بغداد اواخر القرن التاسع عشر عمل المبشرين الأمريكان، وافتتاحهم لمدرسة أهلية في المنطقة المناصفة بين السنك والمربعة (كانت تسمى بالمدرسة الأمريكية)، فقام جـّدي بتسجيل والدي بها من اجل التعليم. وتمض سنين قلائل وأذا به يأخذ ابنائه ويتجه للبصرة ويقوم بنفس العمل في افتتاح مطحنة للحبوب صيفا ولعمل الراشي شتاءا، وتشاء الصدف ان تكون في البصرة مدرسة (امريكية ايضا) فيكمل والدي دراسته فيها حتى الصف السادس ابتدائي وكان عمره آنذاك حوالي 16 عاما (كما سمعت) ويكمل بعدها الدراسة حتى الصف التاسع، ويبدو انه اتقن اللغة الأنكليزية اضافة الى الدروس النظامية الأخرى. يقرر جـّدي (يكمل الأستاذ صبري كرمو حديثه) العودة الى الموصل وقضاء تلكيف، وقد بلغ والدي حينها 21 عاما، فلم يرغب كثيرا العمل في الحقول من جديد وفضّل العمل كمعلم، ولأن المكان الوحيد آنذاك كان (كنيسة البلدة) فيُقبل هناك ويعمل الى جانب الأب الفاضل اسطيفان قلابات والشماس الفاضل توما جولاغ، ويقال انهم كانوا ينون اضافة ثلاث معلمين الى ملاكهم حتى يكتمل النصاب. تمض الأيام والسنين ويحدث ان تتوقف في البلدة سيارة قرب الكنيسة ، كانت تحمل مجموعة من الخبراء الأنكليز (رجالا ونساء) يبدو انهم توقفوا هناك وبدافع الفضول للتعرف على البلدة وسكانها وتأريخ كنيستها، فيتحلق حولهم الأهالي ويدور بينهم حديث (الخرسان) فلا الأنكليز يتكلمون (الآرامية – السريانية – السورث) ولا الأهالي يتحدثون الأنكليزية، حتى برز من بينهم من انقذ الموقف، وكان ذلك هو السيد (فرنسيس كرمو)، فتحدث معهم باللغة الأنكليزية، وصاح به احدهم (لقد اتى بك الله) حيث توفرت آنذاك فرصة للتفاهم ومعرفة مايجري، وتبين لاحقا بأنهم مجموعة من الخبراء الأنكليز وعندهم قاعدة في الموصل (كان ذلك عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى بحدود 1918)، ونظرا لمعرفته باللغة طرحوا عليه فكرة العمل معهم في القاعدة، فأجابهم في الحين (لقد اتى بكم الله) وهكذا عمل معهم لمدة ثلاث سنوات حتى العام 1921 اذا كان يستلم راتبا جيدا (75 روبية هندية في الشهر، وكانت 13 روبية = 1 دينار)، وبزّة عسكرية ومؤنة غذائية كانت تسمى (دراي راشن)، وفي حينها كان لوالدي ولدان وبلغ من العمر حوالي 31 سنة. الطريف في الأمر، ان مجموعة الخبراء الذين زاروا تلكيف وألتقوه اول الأمر، وما ان علموا انه يتحدث الأنكليزية حتى صاروا ينادوه (مستر فرانسيس) اي (السيد فرنسيس) في تعاملهم معه ذلك اليوم. ولما كان الكثير من ابناء البلدة قد تجمعوا حولهم ليعرفوا المزيد في ذلك اليوم، فقد تعلقت في ذهنهم كلمة (مستر) وصاروا يلقبوه ب (مستر) كما فعل الأنكليز، ويمضي هذا اللقب، ويذهب سكان البلدة لتسمية ابناء السيد فرنسيس ب (ابناء أو بنات مستر) ويمضي اللقب، ويعبر المحيطات الى ديترويت ومرورا بالعاصمة بغداد، اذ درج العديد من الأهالي او المعارف على تمييز هذه العائلة ب (اولاد مستر أو من بيت مستر فقط) رغم ان عائلة كَرمو من بين عوائل تلكيف الكبيرة نسبيا، لكن وللتشخيص الصحيح والدقيق، لم يعد كافيا ان تقول انهم من عائلة (كَرمو) بل يجب ان تردفها بكلمة (مستر) . بحلول العام 1921 عاد والدي (فرنسيس كَرمو) الى تلكيف وكان قد ازداد خبرة وعلما ، فوجد ان الأجواء صارت ملائمة لأفتتاح مدرسة ابتدائية رسمية في البلدة، بعد ان كانت الكنيسية تقوم بعملية التعليم لرعاياها، وهكذا عقد العمل على ذلك، فعُيّن الأب إسطيفان قلابات مديرا لها ، وحصل والدي على مركز (المسؤل – المعاون) وبذلك كان اول شخص يتبوأ صفة (معلم) في تأريخ تلكيف ودرّس مادتي (اللغة الأنكليزية) و مادة (أخلاق ومدنية). خدم هناك لعدة سنوات، ثم نقل الى بلدة (باطنيا) التي كانت تفتقد للمدرسة، فقام بأفتتاح واحدة لهم وخدم فيها لمدة خمسة سنوات ( وكانت تبعد عن تلكيف حوالي 5 كلم، وكان يستخدم الحمار لتنقلاته آنذاك يوميا) ويقول السيد صبري: في تلك السنين ولدت عام 1928 ، ثم نقل ال مدينة (العمادية)التي مكث فيها مع العائلة لمدة 4 سنوات وخدم في مدرستها، عدنا بعدها الى بلدة (تلكيف) ، ولم يمض وقت طويل حتى نقل والدي الى (القوش)، وهناك درستُ الصفوف الأول والثاني والثالث في مدارسها، بعدها (للعمادية) ودرستُ الصف الرابع، وأستمر مسلسل النقل، الى (مانكيش) ثم الى (كاني ماصي) ثم الى منطقة في (شمال زاخو) ، وعدنا بعدها الى (تلكيف) حتى العام 1947 حيث استحق التقاعد. قصدت العائلة العاصمة بغداد ، ومضت السنين، اذ رحل والدنا (مستر) عام 1962 بعمر (75) سنة. ثم ينضم لهذا الحوار السيد (صباح كَرمو) ابن الراحل ويسرد بعض الذكريات بالقول: لايكاد يمر اسبوع الا وأصادف شخصا ويثني على سيرة والدي، وهذا يزيدني فخرا به، فيقولون لي: كان يجعل من درسه سهلا (كالماء) للطلاب، ولايترك التلاميذ الا عندما يتأكد انهم فهموه ، و كثيرا ما يسوق لنا الأمثال والعبر، اما زملائه المعلمين فيقولون عنه، انه كان اجتماعيا ومتواضعا، وغير متكبر، وعن علاقته بالطلاب فيذكرون: كان كثير التأكيد على ان مهمته هي (تدريس) الطلاب وليس (عقابهم). امّا كأب (يواصل السيد صباح الحديث): كان أكثر من أخ لنا نحن الأبناء، و لم يصرخ او يضرب اي منّا ابدا،وفي مسألة التدبير المنزلي، فقد برع في العمل فيما برعت والدتي في ادارة البيت على افضل وجه. يعود السيد (صبري كَرمو) لأكمال الحديث ويقول: كان لوالدي هواية في كتابة الشعر، وفعلا كانت له (ملحمة) كتبها عن جرائم الجيش العثماني بحق الأرمن والمسيحين في قرى شمال العراق، لكن ما لايمكن نسيانه هو قيامه بتأليف أول وأهم كتاب عن (فاجعة تلكيف العظيمة) والذي نشره كشاهد عيان على حادثة الغرق المشهورة، اذ انه كان يملك محلا صغيرا للبقالة في سوق تلكيف، حينما هجم السيل - يوم 1 نيسان 1949 - وكنتُ آنذاك (صبيا) وأقف معه في المخزن، وأذا بالسيل الجارف يمر من امامنا ونحن مرعوبون، وقد كان من ضحاياه (41 بنت صغيرة، وطفل واحد وشاب واحد) من البلدة، ومازال ذلك اليوم شاخصا بسمائه السوداء الملبدة وذكراه المؤلمة حتى هذه اللحظة. ويقينا ان ابينا الفاضل الذي جاهد مع والدتي في تربيتنا ورعايتنا بأفضل وجه، كان سعيدا بأن يكون أحد اخوتي (كَوركَيس) قد اختار سلك الكهنوت، وربما كان سيكون اكثر سعادة لو شاهده وهو يعتمر الطاقية الحمراء ويكون (المطران كَوركَيس كَرمو ابن المربي الفاضل مستر). الرحمة على اراواحهم الطاهرة والذكر الطيب لهم دائما. لا أظن ان فكرة اطلاق اسم المربي الراحل (فرنسيس أو مستر ) على احدى مدارس مدينة تلكيف، او رفعه في احدى قاعاتها او صفوفها، كان سيكلف الدولة او المسؤلين أكثر من قيمة (الحبر/ الطلاء) المستخدم، وذلك تكريما له ولجهوده ودوره التربوي وحتى تبقى مأثرته حاضرة للأجيال اللاحقة، لكن وللأسف ، فأن مدارسنا ومدننا وشوارعنا وساحاتنا العامة تعج بأسماء وشخصيات، لم يكن لها يوما اية علاقة بالعراق او تأريخه او شعبه، سوى انها كانت رغبة الحاكم ليس الا! منقول اداره نادي بيث نهرين العائلي