التأمُّل في أي أمر معناه الدخول إلى العُمق، سواء في عمل الفكر، أو في عمل الروح.
التأمل هو أيضاً الوصول إلى نوع من المعرفة فوق المعرفة العادية الخفية، معرفة فوق الحس،
معرفة جديدة، تجد فيها غذاءً ومُتعة روحية.
التأمُّل هو تفتح العقل والقلب والروح، لإستقبال معرفة يرسلها اللَّه من فوق، أو من داخل روح الإنسان. والتأمُّل يناسبه السكون والهدوء، والبُعد عن الضوضاء التي تشغل الحواس، وبالتالي تشغل العقل وتبعده عن عمل الروح فيه. ويزداد التأمُّل عمقاً كُلَّما تتحرَّر الحواس من الشغب الحالي، ويتحرَّر الإنسان من سيطرة فكره الخاص، لكي يستقبل ما تعطيه الروح.
ويمكن للانسان ان يستخدم وسائل عديدة تساعده على التأمل مثل: (قراءة الكتاب المقدس، النظر الى الايقونات، الاستماع الى الموسيقى، التأمل بلهيب الشموع، النظر الى الطبيعة، ... الخ).
- التأمُّل في كلام اللَّه (الكتاب المقدس، الوصايا، قراءات روحية)، أو في الصلاة او بالاناشيد.
- التَّأمُّل في الخليقة والطبيعة، في السماء والارض، كيف تكون العالم وماذ يوجد بالفضاء!
- التأمُّل في الأحداث والمواقف التي تحدث في حياتنا اليومية من نجاح او فشل او كارثة.
- التأمل بالجمال، من خلال الفن والابداع: لوحات فنية، افلام، موسيقى، صور.
- التأمل في الموت والحياة الاخرى والدينونة، كيف يجب ان نعيش؟
- التأمل في حياتنا؟ هل نسير بشكل صحيح؟ ماذا يجب ان نعمل؟
طبعاً هناك طرق للتأمل بكلمة الله (سواء كانت من الانجيل او الرسائل او القراءات الروحية او الصلاوات او التراتيل)، قبل كل شيء فهم الكلمة، يعني المعنى، الروح وليس الحرف؟ اقرأ النص اكثر من مرة، وبعدها حاول التأمل به، ماذ يعني، لمن موجه، كيف يمكن تطبيقه اليوم؟
القارئ السطحي في كلام اللَّه، قد يقرأ كثيراً ولا يتأمَّل. أمَّا القارئ الروحي، فالقليل من قراءته يكون له نبع تأملاَّت لا ينضب. إن كلمة واحدة أو عبارة تستوقفه، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحاً في المعنى. خُذ لك كل يوم آية للتَّأمُّل تكون قد تركت في نفسك تأثيراً عميقاً أثناء القراءة ورُبَّما تكون معاملات اللَّه مع الناس مجالاً للتَّأمُّل، مع قديسيه الذين أحبوه وأطاعوه. أو معاملته للخطاة الذين انتفعوا من طول أناة اللَّه، إن شخصيات الكتاب المقدس أيضاً تصلح مجالاً للتَّأمُّل.
أمَّا من جهة التأمُّل في الطبيعة فهو ليس مُجرَّد تأمُّل في جمال الطبيعة، إنما بالأكثر ما تُقدِّمه لنا من اشياء روحية، كما قال داود النبي في مزاميره: "السموات تُحدِّث بمجد اللَّه، والفلك يخبر بعمل يديه". وهنا نتدرج من التأمُّل في الطبيعة إلى التَّأمُّل في عظمة اللَّه خالقها. لأنَّ النظام العجيب الدقيق الوجود بالعالم، يُثبت وجود خالق كُلِّي القدرة مثل: النجوم، الكواكب، الشمس والبحار!
كذلك يمكننا التأمل في الطبيعة من خلال جمال الورد والأزهار. فهناك فارق بين الزهور الطبيعية وغيرها من الزهور الاصطناعية، التي مهما أفتن الإنسان في صنعها، فهى بلا حياة، بلا رائحة، بلا نمو ... وكذلك التأمُّل في طيور السماء، في تعدُّد أنواعها وأشكالها ونغمات أصواتها، وطباعها، ورحلاتها، كيف تقف على الاسلاك؟ وكيف تبحث عن عش لها ولاولادها؟
التَّأمُّل في النملة النشيطة حيث لم أرَ في حياتي كلها نملة واقفة، بل هى دائمة الحركة. وفي ذلك قال سليمان الحكيم: "اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمُّل طُرقها وكُن حكيماً".... بل أكثر من هذا إذا تأمَّلنا في النحل حيث نأخذ منه أيضاً تأمُّلاً في النظام الداخلي الذي تعيشه مملكة النحل، وكيف خلقها اللَّه بإمكانيات وقدرات عجيبة، تستطيع أن تجمع الرحيق وتصنعه شهداً، وكيف تصنع غذاء الملكات! وكيف تبني خلاياها بهندسة، وكيف تطير بحثاً عن الزهور.
كذلك جسم الإنسان هو مجال واسع للتَّأمُّل يدل على عظمة الخالق، فما أعجب القدرات التي وضعها اللَّه في المُخ، وفي القلب، وفي كل أجهزة الجسم البشري، الاوردة والاعصاب، والفقرات، والقفص الصدري، والامعاء، وكيف تعمل متناسقة في إتزان عجيب. وبعض هذه الأجهزة إذا تلف، لا يقدر كل التَّقدُّم العلمي على إرجاعه إلى وضعه الطبيعي.
هناك تأمُّل آخر في الأحداث، ويد اللَّه في بعض الأحداث، وفي تدبير كل شيء، العلم والتطور.
ولا ننسى التَّأمُّل في الموت، وفي القيامة، وفي الدينونة! كم مرة نتأمل ونحن نودع شخص عزيز مات من بيننا، كم مرة ننظر الى النعش وكيف هو جالس فيه، كم مرة ننظر الى التراب وكيف يطمر به؟ التأمل في مصير الانسان، وفي الرجاء بالقيامة، التأمل بالحياة الابدية؟
بالختام التأمل وسيلة تساعد الانسان ان يفحص ضميره وحياته؟ اين هو، وماذا يريد، وكيف يعيش؟ التأمل يجعل الانسان يدخل الى العمق، ويكون اكثر قريب من الله.
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :