الجدل حول انسحاب القوّات الأميركيّة يثير مخاوف الأقليّات العراقيّة
عنكاوا دوت كوم/Al-Monitor/بقلم سعد سلومبغداد ـ في وقت يتّسم فيه دور وجود القوّات الأميركيّة في العراق ومستقبلها بالغموض، وتتضارب الأنباء بشأن انسحابها من عدمه، تثور مخاوف الأقليّات الدينيّة من تبعات هذا الانسحاب على مستقبل التنوّع في العراق.
تتخوّف الأقليّات الدينيّة، بشكل خاص، من الانسحاب الأميركيّ من العراق، لا سّيما الإيزيديّين والمسيحيّين، ويتركّز قلقها الشديد على أنّ مطالبها، في أعقاب الانتصار على تنظيم "داعش"، كانت على رأس قائمة أولويّات الحكومة العراقيّة ونالت رعاية المجتمع الدوليّ وبعثة الأمم المتّحدة "يونامي"، لكنّها تراجعت وانحسرت تقريباً من مشهد المطالب والاهتمامات الشعبيّة والرسميّة.
ومن المؤشّرات المقلقة في نظر ممثّلي الأقليّات، أنّ جلسة البرلمان التي صوّتت على انسحاب الأميركيّين قد استبعدت رأي المكوّنات الأخرى من الأقليّات أو حتّى الجماعات الأكبر من السنّة والأكراد، في مصادرة شيعيّة للقرار الوطنيّ العراقيّ، بغضّ النظر عن الأثر القانونيّ لهذا القرار.
يدرك ممثلو الأقليّات أنّ المعضلة الأمنيّة التي يواجهونها لا يمكن تحقيق التوازن في شأنها من دون خسائر كبيرة، لا سيّما في ما يتعلّق بأراضيهم في سنجار وسهل نينوى التي تشهد تنافساً على النفوذ بين حكومة بغداد وإربيل، وتدخّلاً تركيّاً وإيرانيّاً، مع صراع إيرانيّ - أميركيّ، لا سيّما في مناطق الحدود العراقيّة - السوريّة.
وفي سياق جدل الانسحاب الأميركيّ، تثار قضيّة عدم الثقة بالدولة العراقيّة، فإذا كانت نخب سياسيّة شيعيّة تمثّل المكوّن الأكبر في البلاد، قد أظهرت علامة التمسّك بقوّات "الحشد الشعبيّ" كعامل توازن مع بقيّة المكوّنات، فكيف تكون حال الأقليّات ذات الوزن الديموغرافيّ الهشّ والتي تفتقر إلى الحماية الذاتيّة، الأمر الذي يدفعها إلى الاستعانة بالمجتمع الدوليّ، وبالولايات المتّحدة بشكل خاص، كحلّ بديل عن غياب الدولة أو عدم فعاليّتها.
وشرح المدير التنفيذيّ لمنظّمة "يزدا" مراد إسماعيل مخاوف الإيزيديّين في هذا الصدد، فقال: نحن نؤيّد استقلالاً للعراق وسيادة قويّة على أراضيه، لكنّنا، من الناحية العمليّة، في حاجة إلى الدعم الدوليّ في فترة ما بعد "داعش".
وفصّل مراد إسماعيل مقاربته على نحو تفصيليّ من الناحية الاقتصاديّة، إذ أنّ نسبة 95 في المئة من العمل في مناطق الأقليّات تأتي بدعم دوليّ، على حدّ تقديره. أمّا جهود الحكومة العراقيّة فلا تتجاوز النسبة المحدودة الباقية. ومن الناحية السياسيّة، فإنّ الحكومة الأميركيّة اعترفت بالإبادة الجماعيّة التي حاقت بالإيزيديّين، وأصبح تداول القضيّة الإيزيديّة على مستوى دوليّ، وأسهم الاعتراف الدوليّ بوضع الإيزيديّين كأقليّة وكقضيّة، في وضعهم على طاولة النقاش مع الحكومة العراقيّة. ولو ترك الأمر للأخيرة، لما حصل تقدّم يذكر.
وكان إسماعيل ظهر مع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب أثناء توقيع الأخير على "قانون الإغاثة والمسألة للإبادة الجماعيّة للعراق وسوريا"، والذي قدّم دعماً إلى ضحايا الأقليّات الدينيّة في سوريا والعراق، من الذين تضرّروا بسبب أعمال الإبادة وأعمال ضدّ الإنسانيّة وجرائم الحرب من تنظيم "داعش".
وفي توضيح الجوانب الاقتصاديّة التي تحتاج إليها الأقليّات، قال إسماعيل: نحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البنية التحتيّة في مناطق الأقليّات المدمّرة وتوفير الخدمات الأساسيّة. ومن دون الدعم الدوليّ، لن نستطيع بناء مستشفى صالح لخدمة مئات من المواطنين، وليس عشرات الآلاف كما نطمح. وإذا أصبحنا إزاء خيار شمول العراق في نظام العقوبات مثل إيران، فسيعدّ هذا بداية النهاية لوجودنا، ولن نجد أيّ أمل يشجّعنا على العودة أو البقاء في العراق.
من جهة ثانية، فإنّ مخاوف الأقليّات من الانسحاب الأميركيّ تتمثّل بسيناريوهات شبيهة بالوضع في اليمن، فإذا لم تستطع المؤسّسات الأمنيّة الوطنيّة السيطرة على الفوضى، فإنّ احتمالات عودة "داعش" بقوّة متصوّرة، وكذلك ارتكاب إبادات جديدة من قبله أو من قبل أيّ جماعات إرهابيّة ذات نفوذ سابق أو لاحق في سوريا والعراق.
ولكون الاستقرار وعودة النازحين يعدّان من المطالب الأساسيّة للنازحين من الأقليّات: المسيحيّون بالنّسبة إلى سهل نينوى والإيزيديّون بالنّسبة إلى سنجار، فإنّ الناحية الأمنيّة والعسكريّة تفرض بالنّسبة إلى الأقليّات أهميّة للوجود الأميركيّ.
وعلّق مدير منظّمة "الجسر الجويّ" الناشط الإيزيديّ ميرزا دنايي على هذه النقطة، بالقول: إنّ هناك صراعاً عميقاً على أراضي الأقليّات، لا سيّما سنجار التي تعدّ موقعاً استراتيجيّاً للتحكّم بالحدود مع سوريا. ويتنافس كلّ من تركيا وايران كقوّتين إقليميّتين على النفوذ في المنطقة. وفي ضوء ضعف الحكومة العراقيّة وحجم التدخّلات الإقليميّة، فإنّ الضامن الدوليّ يبقى رهاناً أخيراً ومفضّلاً بالنّسبة إلى الأقليّات.
وعلى صعيد ذي صلة، وفي إطار توضيحها للسياق المسيحيّ، رأت أستاذة القانون الدستوريّ في جامعة صلاح الدين بإربيل منى ياقو أنّ أيّ متابع لن تفوته الإشارة إلى أنّ وضع العراق الحاليّ، في ظلّ استمرار التظاهرات واستقالة الحكومة، يرشّح سيناريوهات مثيرة للقلق من الانفلات الأمنيّ وسيادة الفوضى، لا سيّما أنّ الإعلان على القضاء على "داعش" عسكريّاً لم يخفّف الخشية من إعادة انتشار الخلايا النائمة للتنظيم المتطرّف، وستكون الأقليّات الضحيّة الأولى، على غرار ما جرى من إبادة في سنجار في صيف ٢٠١٤.
أضافت: إنّ وضع المسيحيّين حرج وهشّ في الأساس، وهو وجود مهدّد على أرضهم التاريخيّة بسبب الهجرة المتواصلة. ولذا، فإنّ أيّ فراغ أمنيّ يعني تضاعف أعداد المهاجرين، مع ما يتركه ذلك من آثار سلبيّة تتعلّق باضمحلال الوجود المسيحيّ في البلاد ونهايته.
ومع أنّ مطلب البحث عن مجتمع مستقرّ أمنيّاً ودولة ذات سيادة على أراضيها، ظلّ هدف الأقليّات وسائر المواطنين العراقيّين من الطوائف المختلفة في السنوات الماضية، وكان أبرز مطالب الاحتجاجات الشعبيّة المنطلقة منذ ما يزيد عن 3 أشهر، فإنّ استمرار دعم دولة عظمى ذات ثقل في المجتمع الدوليّ كالولايات المتحدة، يظلّ عامل دعم مهمّاً بالنّسبة إلى الأقليّات بشكل خاص، لا سيّما أنّ الولايات المتّحدة تتبنّى أفكار الديموقراطيّة وحماية حقوق الإنسان، وهذا يعدّ بالنّسبة إلى الأقليّات، كما أشارت منى ياقو، ضمانة قويّة في حال انتهاك حقوقها.