الذكرى ال 12 على رحيل صديقي الشاعر نزيه خير

باقٍ هنا وتمرُّ اثنتا عشرة سنة يا نزيه !:broken_heart::wilted_rose:
9 / 2 / 2008
عصتْ على الأمواجِ مصافحةُ الشاطئِ بالرغمِ من استغاثةِ الشّوقِ واضطرامِ الرجاء .
تعلو فتعودُ لتصفعَ وجهَ الماءِ بشدةٍ مُنشِبة العنفَ في زبَدِ الأخاديدِ والتردداتِ, وكان صخبُ صراعِ الرملِ يتراصُّ ضجيجاً مكتومَ الصوتِ مكلومَ الباطنِ تحت قدميّ اللتين غاصتا قسراً في حلكة الحيلةِ والحولِ .
وقفَ هناك وسطَ لجّةِ البحرِ وكان قميصهُ الأبيضُ ملتصقاً بجسدهِ النحيلِ ولكنْ بالرّغمِ من ألمهِ ويأسهِ كان جميلاً حدّ الصّفاءِ وصفوةِ بهاءِ الملائكةِ ، وصار الحزنُ يقتاتُ قطراتِ الماءِ التي تماهتْ في سيلِ الدموعِ المنزلقةِ كسرعةِ المدِّ واقتضابِ الجزْر .
بدتْ على كاهلهِ انحناءةٌ يائسةٌ تسرّبتْ في عظمِ كتفيهِ اللذين كانا قبل برهةٍ يحملانِ عبءَ العالمِ وهمّهِ دونَ كللٍ ولا شكوى .
اقتربت الأمواجُ على بعد تنهيدةٍ ومسافةِ حسرةٍ ولكنها توقفتْ عند خاصرتيهِ معتمدةً أن لا تغمرُهُ ، بل تحركتْ ببطءٍ ثقيلِ العزمِ كثيفِ الترددِ ونظرَ إليّ يفوقُ صوتُ حزنهِ صوتَ نبرتهِ فتعتلي الكلماتُ هديرَ البحرِ : لا أخاف ُالموتَ بل أخافُ اعتيادَ غياب الفصولِ في نواصي بيتنا وملامحِ الأبناءِ وفسيحِ مناخِ الأماكنِ وطقوس الفرحةِ المألوفةِ في رغيفنا وأركان غرفِنا ومقاعدنا وموسيقى الأواني وعطر باقاتِ الوردِ والزهر ِفي استقبالِ نهاراتِنا المضيئةِ وحواريّةِ المساءاتِ على فنجان القهوة وصوت ضجيج الحياة في الرّدهاتِ والجدران وشباكنا الذي يُفضي للشرقِ والغربِ والهواء القِبلي في غرفةِ المكتبةِ وكتبي ودفاتري وأوراقي وأقلامي وأسراري وصوت اليمامِ المعششِ المزعجِ المُحبَّبِ في قرميدنا وأخافُ من اغترابِ مفاتيح المداخل في حارتنا وداليتي التي أعشقُ وأومأَ لقلبهِ ليقولَ بعد ! .. وانسدلَ من السماءِ جناحان أبيضان كبيران جعلا مياهَ البحرِ صافيةً بيضاءَ شفافةً طفا فيها قعرٌ فاتَهُ إدراكُ النهايةِ ، وحملاهُ وارتفعا عالياً عالياً وكلما ارتفعا ضاقَ محيطُ الضّوءِ الأبيض إلى أن صارَ البحرُ أشدَّ سواداً من الموتِ والفراقِ ، وغطّتني مياهُ البحرِ السوداء ثقيلةً صعبةً فوقَ كاهلي وقلبي الذي انكمشَ في راحةِ الوهنِ المُفضي إلى فراغِ العزمِ وملأ رئتيّ ذراتِ ملحِ الهواء .
ومرت السنونُ وما زالَ ملحُ الهواءِ ماكثاً في رئتيّ وما زلتُ أصطحبُ نزيه فيرافقني أينما كنتُ بقميصهِ الأبيض الجاف وعينيهِ الربيعيتين . يستقبلُني في فسحاتِ المحطاتِ وشوارع قريتي وبساتينها واحراجها ،يستقبلُني عند مداخل المدنِ التي تغيّرتْ وصارتْ أقلّ جمالاً . والطّرقُ التي شَقّتْ في الزمانِ مكاناً لم يعرفْهُ ولم يعبرْهُ .
وكلّما اعتلى بناءٌ أو كَبُرَتْ شجرةٌ يُسائلُني خاطري ؛ هلْ سيعرفُ المكانَ لو مرّ يوماً من هُنا .

الذكرى ال 12 على رحيل صديقي الشاعر نزيه خير 84889413_2570871183034909_8222135909420630016_o.jpg?_nc_cat=111&_nc_eui2=AeGsLJZxniSljtpo9fL-2HBbVehpAGAwhlo8BL5PxM9lpwwIy_zXZoIXoe0ML3KnvMAcv_uTHqT1eZ80v8EBA4b7aHWIZtFfNhOyN_UklBnPdg&_nc_ohc=ox3H93q9UbMAX-cbwRW&_nc_ht=scontent.fsdv3-1

الذكرى ال 12 على رحيل صديقي الشاعر نزيه خير 84889413_2570871183034909_8222135909420630016_o.jpg?_nc_cat=111&_nc_eui2=AeGsLJZxniSljtpo9fL-2HBbVehpAGAwhlo8BL5PxM9lpwwIy_zXZoIXoe0ML3KnvMAcv_uTHqT1eZ80v8EBA4b7aHWIZtFfNhOyN_UklBnPdg&_nc_ohc=ox3H93q9UbMAX-cbwRW&_nc_ht=scontent.fsdv3-1

الذكرى ال 12 على رحيل صديقي الشاعر نزيه خير 133135

لطفي الياسيني
شاعر المقاومة

الذكرى ال 12 على رحيل صديقي الشاعر نزيه خير 84400315_599602297549994_7901024672400015360_n.jpg?_nc_cat=108&_nc_ohc=s9jfbLxPrj4AX_q8FCi&_nc_ht=scontent.fsdv3-1

لطفي الياسيني
شاعر المقاومة