من الصعوبة تجميع أضواء مرايا النقد الأدبي في مرآة واحدة لشاعر واحد مثل خليل مطران. ميدل ايست اونلاين كتب ـ أحمد فضل شبلول
تستعد مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري لدورتها الثانية عشرة في سراييفو (خلال الفترة من 19 ـ 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري) بمجموعة من الإصدارات عن الشاعرين العربي خليل مطران، والبوسنوي محمد علي/ماك دزدار.
ومن هذه الإصدارات كتاب "خليل مطران في مرآة النقد الأدبي" للباحثة الدكتورة نسيمة راشد الغيث.
لقد حمل مطران (1872 ـ 1949) في شعره هموم وطنه وأمته، وكان يتناول هذه الهموم بحذر وبصورة غير مباشرة خوفا من الأعداء (الإنجليز والإيطاليين) وخشية الوقوع في قبضتهم المتعسفة، كما يوضح ذلك الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في تصديره لكتاب "خليل مطران في مرآة النقد الأدبي".
وفي كتابها تعيد الباحثة د. نسيمة راشد الغيث اكتشاف خليل مطران من خلال مرآة النقد الأدبي، وتقول عن عنوان الكتاب: "إن كان يشير إلى مرآة واحدة، فإنه لم يقف بامتدادها عند معاصري الشاعر، أو في موازاة عصرنا الحاضر، و(مرآة النقد) لا تقبل إلا من مدخل المجاز، فربما كان للنقد مرايا بعدد النقاد، أو عدد مناهج النقد، فضلا عمن يكتبون نقدا لا يلتزم أصول منهج من المناهج".
وتضيف: "حقا إن مرايا النقد لها أوجه مختلفة، بعضها محدب، يظهر الأشياء والظواهر أضخم مما هي في رؤية العين المجردة، كما أن بعض مرايا النقد مقعر، يظهر الأشياء والظواهر وربما الفضائل أصغر مما هي في رؤية العين المجردة، ولا يعني هذا أن مرايا النقد المستوية المصقولة الأمينة غائبة عن أداء دورها، فهي موجودة أيضا"، وهي التي ستحرص الباحثة على التنويه بها، والاقتباس منها، وترتيب مفردات إعادة اكتشاف الشاعر خليل مطران الذي يتجدد مع الزمن، ومع كل قراءة تستجد.
وترى الغيث أنه من الصعوبة تجميع أضواء مرايا النقد الأدبي في مرآة واحدة لشاعر مثل خليل مطران، لأن من نقدوا إبداعه كانوا من أصحاب القامات العالية في تأسيس النقد الأدبي العربي الحديث، "وهؤلاء هم الذين نتجه إلى مراياهم لنستجمع من أقوالهم ما يعطي تصورا خليقا بشاعر عظيم".
وفي الوقت نفسه لم تغفل أوجه إبداع مطران الأخرى، غير الشعر، فضلا عن الوقوف أيضا عند ما كتبه هو من نقد وأبدى من فكر، فكان "لا مفر من أن نبدأ منه أحيانا، أو نعود إليه، أو نقايس اعتمادا عليه. وهذا حق للشاعر العظيم، وحق لمن يكتب عنه أيضا".
قسمت د. نسيمة راشد الغيث كتابها (الذي وقع في 216 صفحة) إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول بعنوان "مطران: شعره ونقاده وعصره" متوقفة عند العتبة الأولى، ومتنقلة إلى عاشق متنقل الهوى غير لعوب، وعند أهرام الشعر الثلاثة (مطران وحافظ وشوقي) وعلاقة مطران بالبارودي، وصداقته للزعيم مصطفى كامل، وموقفه من قانون المطبوعات، وعلاقته بقاسم أمين.
وتشير إلى ما قاله مطران في بعض المصادر، وما قالوه عن مطران في مصادر أخرى وفي بعض المناسبات، ومنها ما قاله ميخائيل نعيمة، وحافظ إبراهيم، وجرجي زيدان، ونجيب المشعلاني، ود. شوقي ضيف.
وعنونت الباحثة القسم الثاني بـ "أعمدة التجديد السبعة" في شعر خليل مطران، وتقصد: هندسة القصيدة، والصورة الشعرية، والشعر القصصي، وموسيقى القصيدة، وجماليات البناء، والرومانسية المستوعبة، وثقافة الشاعر. وداخل كل عمود من هذه الأعمدة تبرز ما قاله النقاد عن إبداع مطران.
وعلى سبيل المثال في العمود الخامس "جماليات البناء" تقول الغيث: يخص الدكتور يوسف بكَّار قصيدة "الجنين الشهيد" بعناية واضحة فقد أفردها بالتحليل حتى استوفى أسسها الجمالية كما تتراءى له، ثم أدخلها في علاقة موازنة مع قصيدة إبراهيم طوقان "مصرع بلبل".
وتخصص الغيث القسم الثالث من كتابها للمتابعات الوثائقية والمراسلات أو الخطابات بين مطران ومعاصريه، فمن طه حسين إلى خليل مطران، ومن مطران إلى طه حسين، ثم تتوقف عند مقالات كتبها بعض الشعراء والأدباء عن مطران، ومنها: "قديس بدوي" لأحمد عبدالمعطي حجازي، و"لماذا تأخر اتجاه خليل مطران إلى المسرح؟" لعبدالرحمن صدقي، فضلا عن "مقالات كبيرة في اقتباسات صغيرة" للأخطل الصغير، وسلامة موسى، ومحمد صبري السربوني، ود. عبدالقادر القط، وفؤاد صروف، وغيرهم.
وختاما تنسخ (أو تصور) الغيث حوارا أجراه محرر مجلة الهلال الأدبي مع الشاعر خليل مطران، في عدد نوفمبر 1931، ويدور حول الشعر، ويكشف عن المفاهيم الثقافية التي يراها مطران بهذا الخصوص.