المفتى وقصة اداء صلاة العصر في كنيسة عنكاوة * في بداية الستينات كنت احب ان ارافق الوالد رشاد المفتى (١٩١٥-١٩٩٢)رحمه الله خلال زياراته لبعض الاماكن والاصدقاء .ولكونى كنت اخر العنقود فى البيت كان الوالد يلبى طلبى وكان من ع

المفتى وقصة اداء صلاة العصر في كنيسة عنكاوة

* في بداية الستينات كنت احب ان ارافق الوالد رشاد المفتى (١٩١٥-١٩٩٢)رحمه الله خلال زياراته لبعض الاماكن والاصدقاء .ولكونى كنت اخر العنقود فى البيت كان الوالد يلبى طلبى وكان من عاداته ان يزور بازار اربيل القديم ( القيسرى ) عدة مرات في السنة وليس الموضوع هنا كى ذكر اسماء اصحاب هذه المحلات ولكننى كنت اتعجب لماذا اصحاب المحلات يطلبون منه قطعة من النقود ثم يضعونه داخل صندوق النقود... عندما كبرت عرفت انهم كانوا يفعلون هذا بنية التبرك .

* ومن ضمن هذه الاماكن كان الوالد يزور صديقه المرحوم الصيدلى المسيحى بولص وهو اقدم صيدلي في اربيل فتح الصيدلية في اربيل عام ١٩٣٧
باسم ( صيدلية الشمال ) والمحل كان قرب بداية شارع الباتة .

* وكنا نسكن انذاك وسط قلعة اربيل ..مقابل الساحة المرفوع في وسطها علم كوردستان ... والقريب من جامع الاسرة والمعروف باسم الجامع الكبير وهو اقدم جامع في اربيل وكان هذا حتى اواسط عام ١٩٦٤ . وانتقلنا الى اسفل القلعة قرب بناية المحافظة الحالية ، وحيث كان مسكن العم بولص قريبا من بيتنا وكان ابنه الاخ يوسف بولص اجتماعى ومحترم وكان بيتهم مقابل بيت المرحوم معروف صالح دزه ى الذى كان مواظبا في الحضور في مجلس ديوان الوالد يوميا ، هذا البيت والديوان بعد وفاة الوالد ١٩٩٢ بقى كديوان ومكتبه امام الزوار وطالبى المصادر لدراستهم الجامعية وابقينا على نفس العادات في استقبال الزوار ، وحاليا الديوان مغلق بسبب ازمة كورونا .

*. وفي السبعينات كنت امر للصيدلية بين حين واخر لاصرف وصفة طبية واذا كنت في السوق امر واسلم على العم پولص ، وما كان يجلب انتباهى خبرته وقيامه بتركيب الدواء في داخل الصيدلية ولم تبقى هذا الظاهرة الان لكن مؤكد كانت الادوية في ايدى امينة ولم تتلطخ بايادى المتجارين .

* في اواسط او نهاية السبعينات على ما اذكر توفى الصيدلي پولص . وذهبنا برفقة الوالد الى كنيسة مار كوركيس اقدم كنيسة في عينكاوة القديمة للمشاركة في التشيع والدفن وكان من ضمن الحاضرين شخصيات من اربيل ومن ضمنهم بعضا من قضاة محاكم اربيل ،واستغرقت المراسيم فترة من الزمن اطول بكثير قياسا بمراسيم الصلاة على المتوفى لدى المسلمين في الجامع ، وكانت قاعة الكنيسة مكتظه بالمشيعين المسيحين .

*وبعد مرور بعضا من الوقت سمع الوالد صوت اذان صلاة العصر من احدى الجوامع القريبة من عنكاوة وكان الوالد بكامل ملابسة الدينية ....وبعد برهة فوجئنا بالوالد وهو يتخذ مكانا داخل قاعة الكنيسة لاداء الصلاة ، وقام بنزع جبته ( عبائة) وفرشه على الارض باتجاه القبلة وبدء باداء صلاة العصر ... بكلمة اللة اكبر ... وجميع الاخوة والاخوات المسيحين ينظرون الية ولا يصدقون هذا الاداء من المفتى ، وهل هذا جائز في الاسلام وبعد الانتهاءمن الصلاة قام و نظف جبته ولبسه مرة اخرى .

*. بعد الصلاة اقترب المرحوم حاكم عبدالقادر نورالدين الصديق الحميم للوالد الذى كان مشاركا ايضا قي التشيع وسأله
قائلا : رشاد افندى هل يجوز الصلاة في الكنيسة ؟
فقال الوالد : انه مكان طاهر........ هنا يعبدون الله .. وديننا دين التسامح وعلينا ان نبين لهم بشكل عملى هذا التسامح ....فهم اهل الكتاب وعلينا المحافظة عليهم ... وونبين للاخرين تعاليم الاسلام السمحه

وبقى الناس في اربيل يرددون فيما بينهم ما حدث في كنيسة عنكاوة واصبح حديثا للنقاش .

*. وبعد انتهاء مراسيم التشيع وخلال طريق العودة قص علينا الوالد حكاية حدثت في اربيل في اواخر الحرب العالمية الاولى وكانت محاولة ضباط من الجيش العثمانى فترة انسحابهم من اربيل ١٩١٧-١٩١٨ بتشجيع اطراف باسم الدين للقيام بقتل جميع المسيحين في عنكاوة ...

* وبعد انتشار هذا الخبر ترك جميع اهالى عنكاوة مساكنهم واتجهوا صوب اربيل فمنهم من صعد القلعة الى الجامع الكبير والقسم الاخر بعوائلهم توجهوا الى قرية باداوة وانذاك ولتدارك الامر بسرعة صدر فتوى من قبل ملا افندى و محمد المفتى بان على جميع المسلمين حماية اهل عنكاوة والمسيحين في كوردستان ومن يلطخ يده بدمائهم يحاسب يوم القيامة امام الله ويحاسب امام القانون بعد هدوء الاوضاع يذكر ان مدينة اربيل خلال انسحاب الجيش العثمانى والى مجيء القوات البريطانية بقيت شهور تدار من قبل البارزين من اهل اربيل بفتواهم وادارتهم وتنسيقهم مع زعماء العشائر استطاعوا انقاذ المدينة من المجاعة والفوضى .

* وقام احمد عثمان ( وهو اول متصرف للواء اربيل ثم لواء السليمانية، قبل ان يصبح عضوا في مجلس الاعيان العراقي) وفي تلك الفترة كان رئيسا لبلدية اربيل وهو ابن عم ملا افندى وشقيق محمد المفتى ( جدى ) وبالتنسيق مع عشائر المنطقة بارسال عشرات من الرجال المزودين بالسلاح للدفاع عن قصبة عنكاوة وخوفا من تكرار ماساة ما فعل الاتراك بالارمن في تركيا .

*. يذكر ان اول المهنئين لديوان رشاد المفتى في عيد الفطر وعيد الاضحى هم رجال الدين المسيحين من اهل عنكاوة الى جانب شخصيات مسيحية داخل مدينة اربيل وكان الوالد يرد الزيارة بزيارتهم في الكنيسة ومعه عددا من رجال الدين خلال اعياد الميلاد والراس السنة الميلادية واتذكر الوالد عندما استلم رسالة من حضرة البابا قرائه لزواره في الديوان وكان من عادته ان يترك الرسالة بين طيات صفحات الكتاب الذى كان امامه ولم اجده في ارشيفى كى انشره مع هذا الموضوع اذا وفقنا الله سوف انشرة عندما يزداد عدد المواضيع وتصبح جاهزة وتستحق النشر بكتاب مستقل باللغة الكوردية والعربية .

*. هذا التسامح الدينى له جذور تاريخية وضروري نشره في المجتمع فرجال الدين كانوا من خلال ارشادهم الدينى وبتصرفاتهم التسامحية اتجاه بقية الطوائف والاديان كانوا قدوة ليتبعهم الاخرون في المجتمع وفي نفس الوقت كانوا لا ينسون شعورهم القومى والدفاع عن وطنهم كوردستان .

احسان رشاد المفتى

اربيل ٢٧ تموز ٢٠٢٠