وزير الخارجية في عهد صدام يكذب غضب عمرو موسى في وجه الرئيس الراحل ومحرر الكتاب يرد بتسجيل صوتي
صبري نفى صحة ما ورد في مذكرات عمرو موسى
الجزيرة:عاد حديث الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى في مذكراته عن لقاء له مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لإقناعه بقبول عودة مفتشي الأسلحة الدوليين قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003؛ ليتصدر واجهة الأحداث مجددا، بعد نفي ناجي صبري وزير الخارجية العراقي في عهد صدام ما ذكره موسى عن اللقاء، ووصفه بأنه مجرد إثارة للتشويق الإعلامي، ومسارعة محرر المذكرات للرد على تصريحات صبري ببيان مصحوب بتسجيل صوتي لتأكيد صحة ما ورد في الكتاب.
وقال صبري -في بيان ومقابلة تلفزيونية- إن "موضوع عودة المفتشين لم يُطرح، ولا صحة لانفعال وغضب موسى وتحدثه بلهجة عنيفة، ثم صراخه في وجه الرئيس الراحل، ثم استجاب صدام بعد ذلك ووافق على عودة المفتشين، وفوضه بأن يتحدث باسمه. هل يعقل أن ضيفا يزور مضيفه ثم يهينه في منزله؟" وتابع صبري "هل يعقل أن السيد عمرو موسى المتمرس في الدبلوماسية والمحترف في الدبلوماسية يفقد أعصابه ويتصرف بهذا الشكل؟"
ويوضح صبري في بيانه أن "زيارة موسى للعراق هي فكرتي، ولم تكن لديه أي فكرة عنها قبل لقائنا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وأنا الذي اقترحت عليه موضوعها، وقررت توجيه الدعوة إليه أثناء اللقاء. ولم يبلغني بأي شيء عما زعمته المذكرات من أنه التقى الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي أنان، وأخذ منه رسالة إلى الرئيس صدام حسين. وهذه أول مرة أسمع أن الأمين العام للأمم المتحدة وجّه رسالة إلى رئيس جمهورية العراق بيد السيد عمرو موسى. ولا أدري كيف فاتت على من كتب المذكرات أن رئيس أي منظمة دولية لا يوجّه رسائل إلى الدول بيد أشخاص من خارج منظمته، فما بالك برئيس أكبر منظمة دولية في العالم".
ويتابع صبري "تسرد المذكرات رواية مغايرة للواقع عما جرى في المقابلة مع الرئيس الراحل، فقد زعمت أن موسى استشاط غضبًا وخاطب الرئيس صدام بنبرة كأنها صرخة في وجهه، وأن الرئيس خاطبه بلقب دكتور… إلخ! لا صحة لهذا ولكل ما ورد عن اللقاء إطلاقًا. فقد بدأ اللقاء بحديث موسى عن موقف الجامعة العربية من قضية العراق المتمثل في الحرص على سيادته واستقلاله وحرمة أراضيه، ووقوفها معه ضد الانتهاكات والتهديدات، ثم أشار إلى التوجه الدبلوماسي العراقي لإيجاد مخرج للأزمة التي تمر بها علاقة العراق بالأمم المتحدة من خلال استئناف التواصل والتفاوض مع الأمم المتحدة، وأبدى استعداد الجامعة العربية للمساهمة في هذا التوجه".
ورد الرئيس الراحل بشرح موقف العراق من موضوع العلاقة مع الأمم المتحدة، وأبدى عدم ممانعته لاستئناف التفاوض مع المنظمة الدولية. واختُتم اللقاء بتعهد موسى بالاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة للاتفاق على ترتيبات استئناف المفاوضات الشاملة بين العراق والأمم المتحدة في أسرع وقت. وبالفعل اتفقنا مع أنان على بدء المفاوضات في السابع من مارس/آذار 2002 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
غير أن ما يثير الغرابة هو ما ورد في المذكرات عن غضب موسى وصراخه في وجه الرئيس الراحل، وغير ذلك من المزاعم. كيف قـَبِل موسى أن يُنسب إليه من كتب مذكراته هذه الكذبة الصارخة؟ فهو بذلك قد نَسبَ إلى سليل الدبلوماسية المصرية ذات التقاليد العريقة ما يتنافى مع أبسط مواصفات الدبلوماسي الناجح، أي الكياسة والتهذيب وحُسن الكلام، ونَسَبَ إليه كلامًا يتناقض مع "ألف باء" الدبلوماسية التي تشترط في الدبلوماسي المفاوض تمتعه -إضافة إلى ما سبق- بحسن التصرف والحكمة والهدوء، والتحكم في العواطف والابتعاد عن الانفعال والغضب.
رد محرر المذكرات
وسارع الكاتب الصحفي خالد أبو بكر -محرر كتاب عمرو موسى- للرد على صبري ببيان مصحوب بتسجيل صوتي لتأكيد صحة ما ورد في المذكرات.
وأشار إلى أنه تم توثيق رواية موسى في كتابه الجديد "سنوات الجامعة العربية"، الصادر عن دار الشروق المصرية، بواسطة شهادة مسجلة صوتيا عام 2016 في مقابلة أجراها مع الدبلوماسي الجزائري الراحل أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية آنذاك، وهو التسجيل الذي يؤكد تطرق لقاء موسى وصدام إلى مسألة المفتشين الدوليين، ويروي التفاصيل من واقع محضر اجتماع رسمي موجود لدى الجامعة العربية.
ويتحدث موسى في كتابه عن جهوده لإقناع صدام بقبول عودة مفتشي الأسلحة الدوليين إلى العراق، ومحاولة تجنيب بلاده الحرب قبل الغزو الأميركي عام 2003.
وأوضح موسى في كتابه أن مسألة توقف المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة بخصوص التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت الولايات المتحدة تزعم أن العراق يمتلك أو يسعى لامتلاك بعضها، خاصة الأسلحة النووية؛ كانت من أبرز القضايا التي فرضت نفسها عليه فور أن تولى مهام منصبه أمينا عاما للجامعة العربية.
ويقول موسى إنه تحدث في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2001 مع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان أثناء زيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، و"قلت له لا يليق في عهدك والأمم المتحدة تحت رئاستك ألا يكون هناك مجهود واضح في منع حرب وشيكة على العراق، تريدها وتسعى إليها الولايات المتحدة".
موسى ( يسار) تحدث في كتاب جديد عما دار في لقاء له مع صدام مطلع عام 2002
تفاصيل الزيارة
وقال موسى إنه رتَّب مع وزير الخارجية العراقي آنذاك ناجي صبري أمر زيارته لبغداد، مع السفير الراحل أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية، والسفير حسين حسونة رئيس بعثة الجامعة لدى الأمم المتحدة، والسفير هشام بدر مدير مكتبه. وهبطت طائرته في مطار بغداد صباح 18 يناير/كانون الثاني 2002، "والتقيت صدام في اليوم التالي".
ويضيف أنه تحدث إلى الرئيس العراقي الراحل بلهجة جادة، و"عبت عليه تعامله غير الإيجابي مع زيارة خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، ونقلت إليه رسالة الأمين العام كوفي أنان في هذا الشأن".
ويشير موسى إلى أنه سأل صدام إن كانت لدى العراق أسلحة نووية يخشى التفتيش عنها، فأكد الرئيس العراقي الراحل عدم وجودها، لكنه يخشى من أن كل المفتشين الذين يأتون إلى العراق عملاء لوكالة المخابرات الأميركية.
وأضاف موسى أنه طمأن صدام بأنه سيشدد على المنظمة الدولية كي ترسل مفتشين على درجة من النزاهة والاستقلالية، ويمكنه تأكيد ذلك من خلال عملية مفاوضات تتم بين العراق والأمم المتحدة، خاصة كوفي أنان، مشيرا إلى أن صدام قبل ذلك.
واستكمل أحمد بن حلي ما دار بين موسى وصدام في شهادة مسجلة بصوته عن محاولات إقناع الرئيس العراقي بالتجاوب والتعامل بأقصى حد من التعاون دون إثارة المشاكل مع الأمم المتحدة؛ لتفويت الفرصة على المساعي الأميركية لضرب العراق.
ويضيف أحمد بن حلي في شهادته أن موسى كان يريد من صدّام اتخاذ قرارات تجنّب العراق ضربة عسكرية يراها وشيكة، ويريد إقناعه بأن العراق مقبل بالفعل على هذه الضربة التي ستقضي على البلاد كلها، وسعى الرئيس صدام للتخفيف من هول ما يتعرض له العراق بقوله "إحنا صامدين ومهما كان لن يموت العراق".
وأشار إلى أن موسى فقد أعصابه أثناء الحوار وخاطب صدام بأن التنظير لن ينفع والعراق سيتعرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة، القوة العظمى الأولى في العالم، وسأله: "هل أنت واع أن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟ هل أنت واع لمسؤوليتك في تجنيب العراق هذه الويلات؟"
وقال أحمد بن حلي إنه شعر بأن الرئيس صدام كان في غيبوبة، فاكتشف الوضع الخطير بكلام عمرو موسى، الذي قال له بوضوح "إن العالم تغيّر، ولا الأوروبيين ولا الروس سيساعدونك، ومصير الشعب العراقي في يدك".
وأشار إلى أن صدام بدأ حينها يستوعب، وفي نهاية المطاف قال لعمرو موسى "أنا أفوضك للتحدث باسم العراق، اتصل بأميركا والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان". وأشار إلى أن موسى أجرى اتصالاته، لكن للأسف على ما يبدو كان قرار الحرب قد اتخذ.