هكذا سيتعامل بايدن مع الفصائل الشيعية في العراق
تتجه الأنظار وتزدادُ التّكهنات حول ملامح الصراع المرتقب بين الفصائل الشيعية المسلحة في العراق وإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، بعد حقبة مليئة بالتّشنّجات والتّوترات التي حوّلت أرضُ العراق إلى ساحة ساخنة حبلى بالردود والانفعالات العسكرية لكلا الطرفين.
تُثار هذه التّكهنات والتساؤلات حول إمكانيّة أو احتمالية أن ينتهي الصراع بتسلم بايدن الرئاسة الأميركية أو تراجع حدّتها على الأقل بعد فترةٍ شهدت توترات صاخبة خلال عهد سلفه دونالد ترامب، أبرزها اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، مع 8 آخرين بضربة جوية نفذتها طائرة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.
ويعد بايدن من صقور الحزب الديمقراطي وشارك بالتّصويت على قانون ما يسمى "تحرير العراق" سنة 1998 والحرب عليه عام 2003 ومشروع تقسيم العراق وإقامة الأقاليم ودعمه لمواقف مشابهة في مواطن كثيرة، وسط آراء متباينة حول قراراته فيما إذا كانت مؤثرة أم لا المرحلة المقبلة.
نفق مظلم
سيدفع بايدن، وهو صاحب الخبرة العميقة فيما يتعلق بسياسة المنطقة العربية وتحديداً العراق، جميع الفصائل المسلحة نحو نفق مظلم ويعيق تحرّكاتها ولن يسمح لها بعد الآن أن تأخذ الدّور الأوّل والمؤثر في الساحة العراقية بسهولة، كما يرى السياسي العراقي المخضرم مثال الألوسي مستنداً برأيه هذا إلى امتلاك بايدن وفريقه الجديد معلومات مفصلة وكاملة عن طبيعة عمل هذه المجاميع وتاريخها.
ويقول الألوسي -المقرّب من واشنطن- إن بايدن سيُحجّم دور الفصائل المقربة من إيران ويمنع وجود أي اعتبار سياسي لها في أي حوار مستقبلي بين واشنطن وحلفائها بالمنطقة، من خلال "الارتكاز على قيمه الديمقراطية والأخلاقية والإنسانية".
وفي ردّه على سؤالٍ للجزيرة نت فيما إذا كانت السياسة الخارجية الأميركية تتأثر بمجيء ورحيل الأشخاص؟ وإلى أيّ مدى تخضع للمؤسسات الديمقراطية من عدمها، يؤكد الألوسي أن ما حصل في عهد ترامب لاسيما السنة الأخيرة من حكمه كان انفعالا واضحاً لاندفاعات شخصية من أجل الانتخابات ومصالح البيت الأبيض، وأدّى إلى انقسام الموقف بينه وبين وزارة الدفاع (البنتاغون) وحتى الرؤساء السابقين مثل جورج بوش الابن وغيره مما تسبّب بإرباك داخل المؤسسات الأميركية.
ويضيف أن هذه الانفعالات أوقعت واشنطن في الفخ ولن تسمح إدارة بايدن مجدّداً بتكرارها، مرجحا ألا تسمح بأن يكون لهذه الفصائل أي فسحة للجلوس على كرسي التفاوض في السياسة العراقية.
واعتبر الألوسي أن ما سيجري في العراق مستقبلاً يعتمد على مهارة السياسة العراقية، مشددا على ضرورة إرسال وفد حكومي إلى واشنطن لفتح قنواتٍ جديدة بعيداً عن نفوذ الفصائل.
موقف الفصائل
وفي المقابل، ترى الفصائل المسلحة أن السياسة الأميركية تُبنى على أساس إخضاع شعوب العالم تحت سيطرتها لاسيما منطقة الشرق الأوسط والعراق تحديداً، وتستبعد حدوث أي تغيير في هذه السياسة برحيل ترامب ومجيء بايدن صاحب مشروع تقسيم البلاد والمنطقة.
ويؤكد سعد السعدي، عضو المكتب السياسي لعصائب "أهل الحق" التي يتزعمها قيس الخزعلي، أن الفصائل المنضوية تحت راية الحشد الشعبي لن تتنازل عن مطالبها بإخراج القوات الأميركية من البلاد.
ويتساءل السعدي -في رده على سؤال للجزيرة نت- عن احتمال التّصالح مع إدارة بايدن إذا أبدت مرونة مع الحشد الشعبي والفصائل المسلحة بالقول: كيف نتصالح مع أميركا التي ارتكبت جرائم ومجازر ضدنا لاسيما بعد استهداف قطاعاتٍ للحشد الشعبي واغتيال سليماني والمهندس، واختراقها السيادة العراقية وعدم احترامها الدّم العراقي، متوعّداً بأن يكون ثمن الدماء الطّاهرة أكبر وأقسى مما تتوقعه واشنطن.
ولا يرى القيادي في "عصائب أهل الحقّ"، وهي من أكثر الأطراف المناهضة لواشنطن، أي فرق بين بايدن وترامب وغيرهما فيما يتعلق بالسياسية الخارجية، فهي تنتهج سياسة الحفاظ على الأمن القومي لإسرائيل ومساعيها لتمرير "صفقة القرن" في المنطقة، متوقعاً حدوث تغييرات كبيرة بالمنطقة نظراً للمصالح الأميركية التي تسعى للهيمنة والسيطرة على مقدّرات المنطقة ومنها العراق.
تناغم إيراني أميركي
غير أنّ المُحلل السّياسي أحمد السرّاجي يذهب إلى ما هو أبعد مما ذكره الألوسي والسعدي، ويشير لوجود تناغم على ضبط حركة الفصائل المسلحة، وتحديداً الشيعية منها، بين إيران وأميركا، ولا يتجاوز مصلحة كل منهما، لافتاً النظر إلى ما وجود ما يُسمّيها "مفاتيح" لحل رموز وطلاسم هذه الجماعات متى ما شعرت أميركا بوجود تهديد عليها، والنتيجة لا تغيّر في سياسة واشنطن تجاه الفصائل، مع إبقاء العراق رجلا مريضا لكن ليس إلى حد الموت.
ويُشبّه السرّاجي حادثة مقتل سليماني والمهندس -التي شنّجت العلاقات بين طهران وواشنطن كثيراً- بـ "قميص عثمان" الذي يُستخدم لأغراض بعيدة عن صلب الموضوع، ولعلّ القاتل والمنفذ معروف، وقد أعلن عن نفسه، ومع ذلك نجد الرد عليه عن طريق الشجب والاستنكار والإدانة وإقامة المهرجانات وافتتاح الصور وليس من خلال القصاص.
ويكشف عن ملامح حقيقة واحدة من هذه الحادثة، وهي عدم القدرة العسكرية على الرد، والخوف من الانتقام الأميركي سواء عن طريق القصف أو عقوبات تجارية أو وضع أشخاص على لائحة الإرهاب. والنتيجة: تبقى قضية سليماني والمهندس دراما حزينة تتكرر كل عام مع افتتاح صور جديدة، وإطلاق اسميهما على شوارع وأزقة في مدن الصفيح البائسة جنوبي العراق.
ويضع السرّاجي الثقل الأوسع على الموقف الإيراني في تحديد سياسة بايدن مع الفصائل المسلّحة خلال المرحلة المقبلة، كونها الراعي الشرعي والمعنوي لها، وليس ما تقوم به من قصف أو تصعيد إعلامي، وهذا يجعل التطابق في الأداء متقاربا ما بين ترامب وبايدن رغم محاولات إيران تخفيف حدة اللهجة وفتح صفحة مع الأخير علّها تحصل على أمل في رفع العقوبات، ومن المحتمل أن تكون ورقة الفصائل من بين أوراق التفاوض بين الجانبين إذا ما حصل تقارب حسب ما ترغب به طهران.
ويستغرب من الموقف الأميركي المُثير للتساؤل وجدّيته في القضاء عليها ودعم العملية السياسية وإنجاحها، مؤكداً وجود تراخ واضح بهذا الجانب إلى درجة أن هذه الفصائل كانت تكفّر الشرطي والجندي وحتى الموظف بحجة معاونة المحتل، مما جعل عملية بناء دولة قوية تذهب أدراج الرّياح لتعمّ الفوضى والسلاح المنفلت وسيطرة زعامات على مقدرات البلد، والتي تتحكم بالدولة وحكوماتها.
ويختم السرّاجي حديثه للجزيرة نت باتهام أميركا بعدم رغبتها ببناء عراق قوي مستقرّ، وذلك بجعلها البلاد الطُعم الذي تنشغل به إيران وأتباعها عن التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى وإسرائيل.
المصدر : الجزيرة