البابا فرنسيس ينتقد في خطاب في القصر الجمهوري المصالح الخاصة والأجنبية التي زعزعت استقرار العراق والمنطقة بشكل أوسع وأدت إلى تضرر عموم الناس أكثر من غيرهم.
بغداد - وجه البابا فرنسيس خلال أول زيارة بابوية للعراق، دعوة حماسية اليوم الجمعة لإنهاء عنف المتشددين وقتل الأخوة والصراع الديني الذي اجتاح البلاد لعقود، قائلا إنه يجب منح فرصة لصناع السلام في نهاية المطاف.
وقال مخاطبا الرئيس العراقي برهم صالح وسياسيين ودبلوماسيين في القصر الرئاسي "لتصْمُت الأسلحة! ولْنَضَع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقَّف المصالح الخاصّة، المَصَالِحُ الخارِجيّة التي لا تَهْتَم بالسُكان المحليين... كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامُح!".
ووصل البابا فرنسيس إلى مطار بغداد وسط إجراءات أمنية مشددة بعدما قال للصحفيين على متن طائرته إنه شعر أن من واجبه القيام بتلك الزيارة "الرمزية" لأن العراق عانى كثيرا ولفترة طويلة.
وتجمع مئات الأشخاص في مجموعات صغيرة لرؤيته في بغداد مستقلا سيارة من طراز 'بي.إم.دبليو' مضادة للرصاص في خروج على المألوف للبابا الذي عادة ما يصر على استخدام سيارات صغيرة عادية.
ورافق موكب من عشرات العربات البابا فرنسيس إلى خارج مبنى المطار الذي تعرض في الآونة الأخيرة لإطلاق صواريخ من فصائل مسلحة.
ولم يضع معظم الناس على امتداد الطرق وحتى البعض في القصر الرئاسي الكمامات رغم خطر الإصابة بفيروس كورونا.
وعندما كان البابا (84 عاما) يسير مع الرئيس العراقي كان يعرج بشكل ملحوظ مما يشير إلى أن آلام العصب الوركي ربما عاودته من جديد. وكانت الآلام قد اضطرته لإلغاء عدة فعاليات هذا العام.
وانتقد البابا في خطابه في القصر المصالح الخاصة والأجنبية التي زعزعت استقرار العراق والمنطقة بشكل أوسع وأدت إلى تضرر عموم الناس أكثر من غيرهم.
وقال "على مدى العقود الماضية، عانى العراق مِن كوارث الحروب وآفة الإرهاب ومِن صراعات طائفية تَقوم غالبا على أُصولية لا تستطيع أن تَقْبَلَ العَيْشَ معا في سلام، بَيْنَ مُخْتَلَف الجَماعات العِرْقِيَّة والدينية، بِمُخْتَلَف الأَفكار والثَقافات".
وتحسن الوضع الأمني في العراق منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، لكن البلاد لا تزال مسرحا لتصفية حسابات دولية وإقليمية، لا سيما التنافس المرير بين الولايات المتحدة وإيران في الأراضي العراقية.
وبعد سنوات من العقوبات الدولية والحرب المدمرة مع إيران في الثمانينات، أدى الغزو الأميركي عام 2003 إلى إغراق العراق في صراع طائفي وسوء إدارة مزمن منذ ذلك الحين.
البابا يستقل سيارة من طراز 'بي.إم.دبليو' مضادة للرصاص في خروج على المألوف في زياراته الخارجية
وتركت عقود من الصراع والفساد العراق باقتصاد ضعيف يعتمد على النفط، عاجزا عن توفير الخدمات الأساسية لسكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة. واندلعت احتجاجات واسعة ضد النخبة الحاكمة في عام 2019 قابلتها قوات الأمن وفصائل مسلحة بحملة صارمة أسفرت عن مقتل 500 شخص.
ونشر العراق آلافا من أفراد الأمن الإضافيين لحماية البابا خلال الزيارة، التي تأتي بعد موجة من الهجمات بالصواريخ والتفجيرات الانتحارية.
وقال البابا في تصريحات مقتضبة للصحفيين على متن طائرته "يسرني القيام بزيارات من جديد" في إشارة إلى جائحة كورونا التي منعته من السفر. وزيارة العراق هي الأولى للبابا فرنسيس خارج إيطاليا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وقال ماجين ديروس وهو عراقي مسيحي من بغداد "هذه زيارة فريدة من نوعها. نشعر بحماس وكلنا نحتاج هذه الزيارة، كل العراقيين".
وسيستخدم البابا في تنقلاته طائرة وطائرة هليكوبتر وعربات لزيارة أربع مدن تشمل مناطق لا يستطيع معظم المسؤولين الأجانب الكبار الوصول إليها، فضلا عن حدوث ذلك في تلك الفترة القصيرة للرحلة.
وسوف يترأس البابا قداسا في كنيسة ببغداد ويلتقي بالمرجع الأعلى لشيعة العراق في النجف بجنوب البلاد ثم يسافر شمالا إلى الموصل حيث اضطر الجيش لإخلاء الشوارع لأسباب أمنية العام الماضي استعدادا لزيارة رئيس الوزراء العراقي.
وكانت الموصل معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية ومازالت كنائسها ومبانيها تحمل آثار الصراع.
ومنذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017 يشهد العراق درجة أكبر من الأمن على الرغم من استمرار أعمال العنف وخاصة في صورة هجمات صاروخية من جانب فصائل متحالفة مع إيران على أهداف للولايات المتحدة وضربات أميركية ردا على ذلك.
وما زال التنظيم المتطرف يمثل تهديدا. وفي يناير/كانون الثاني قتل هجوم انتحاري أعلن داعش مسؤوليته عنه 32 شخصا في أدمى هجوم من نوعه تشهده بغداد على مدى سنوات.
وسيزور البابا كذلك مدينة أور مسقط رأس النبي إبراهيم وسيجتمع مع علي السيستاني (90 عاما) المرجع الأعلى لشيعة العراق.