والآن، وبعد ما سمع القارئ من كلام عن هذا النفر الضال الذي يجب الانفصال عنه طالما ضل بهذه العقلية دون اسف عليه، مستذكرين مثلا عربيا يقول:" ما زاد حنون بالاسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون". اقول ذلك لتعلم خاصة جماعة الحركة الديمقراطية الآشورية، وليعلم غيرها بأننا لا نقبل بأن نتحد مع الآشوريين، ونكون معهم قومية آشورية وحدة، كما لا نقبل ان يقوم بتيئيسنا احد وتشكيكنا بامكانية الصمود بوجه المحتلين. اما الآن، وبعد ان سحب الحزبان الديمقراطي والجمهوري بأثر رجعي، من السيد بوش التخويل الذي كان قد اعطاه له الحزب الجمهوري في احتلال العراق وتدميره، لابد ان يعرف دعاة النظام العالمي الجديد بأن وجوههم قد اسودت، ولن يفيدهم اي تبرير لخيانتهم الوطنية. اخص بالذكر منهم يونادم كنا وحركته الديمقراطية، وايضا المتكلدنين المغالين في مسألة القومية الكلدانية وغيرهم، ولاسيما المسقطين من الحزب الشيوعي والمتأمركون، وما اكثرهم. هم يعرفون انفسهم، ولا احاول ان اذكر اسماءهم.
+ بعد كل ما جاء اعلاه بخصوص عدم وجود امكانية الجمع بين رمزين مقدسين (الاهين ) سوف اقسِّم كلامي بعد ان تكلمت عن الشعوب الوثنية وتعدد آلهتها، وعن الشعب الاسرائيلي الذي رفض ان يشرك الها آخر معه، لنأتي الى امة قسطنطين الرومانية التي كانت قد تخلصت من الوثنية بحسب مرسوم ميلانو في العام 313 ميلادية.
في الغرب: لا يمكن عبادة رمزين مقدسين في أن واحد: يسوع ابن يوسف ومريم ( او ابن غيرهم ) لا نعلم، وامة قسطنطين الدينية العقائدية في آن واحد. هذا قبل سقوط امة قسطنطين الدينية، اما بعد فشلها وسقوطها فلا يمكن عبادة العقائد الدينية الثابتة الجامدة ويسوع بأوجهه الحية المتغيرة مع كل تغيير حضاري. اسألوا البابا فرنسيس في ذلك. هنا كان يمكننا ان نسترسل في التفاصيل، لكننا نمتنع عن ذلك اكثر مما فعلنا، لكي لا تطول المسألة بيدنا.هذا ويقينا ان الكنيسة لا تستطيع ان تواصل التمسك بعقائدها لتقول: ان يسوع هو اقنوم واحد وطبيعتنان، كما لا يمكن لنسطوريوس ان يبقى ثابتا على عقيدته، وكذلك المونوفيزيون. فتبرئة نسطوريوس والمونوفيزيين من الهرطقة لا معنى له، لأنه يعني ان روما وحدها كانت على حق، وان نسطوريوس وقوريللوس كانوا على باطل، وفي احسن الحالات كانوا يقولون كلاما لا يتناقض مع روما. مع العلم ان مقالنا هذا، يهرطق الجميع: نسطوريوس والمونوفيزيين ومعهم روما بمسيحها الأقنوم الواحد وبطبيعتيه. فالجميع تمسكوا بعناد بعقائد ايمان، لم يكن فيها شيء من الايمان، وجمعوا بين المقدس يسوع المخلص من الأمة الدينية الاسرائيلية التي سقطت في العام 70 ميلادية، وبين عقائد القرن الرابع الميلادي. حيث تحول الفرنسيون بعد الثورة الفرنسية الى ما سموه الكثلكة، التي صارت شيئا خاصا بالفرنسيين ولا يجوز لنا نحن ابناء كنيسة المشرق ان نجمع بين الكثلكة وبين يسوع كنيسة كوخي. ولا نفهم كيف انزلقت كنيسة كوخي الى عقائد لم تكن تخصها اصلا. في اعتقادي ان هذا الانزلاق لم يحدث الا بعد ان كانت هذه الكنيسة قد ادت دورها التأسيسي وشاخت، ثم ماتت موتها الأبدي، بعد ان دخلت طاحونة الزمن ولم تعد تنتج شيئا جديدا، بخلاف ما يحدث عندما تتحول الحنطة الى دقيق او طحين ويتحول السمسم الى راشي، ويتحول الزيتون الى زيت. هذه العناصر كلها تتحول الى شيء جديد ولا تعود الى اصلها ابدا. وبخلاف الوالد عندما يموت يُخلف وراءه هو وامرأته ابنا يديم حياته: الخلف ما مات، كما يقول المثل الشعبي. اما كنيسة المشرق بعد شيخوختها وموتها فقد تحولت الى شيء مائت وفان، ولن تنتج طاحونة الزمن غير الفساد والتفسخ والموت. كما لن يستطيع سلاطين كنيستنا، على الرغم من بهلوانياتهم ان يغيروا من الأمر شيئا، حيث ان الرب نفسه لا يستطيع ان يقيم الأموات، بحسب منظورنا المعاصر، وليس بحسب العهد القديم الذي كانت كنيسة كوخي قد تبنته لأن افرادها كانوا من اليهود المسبيين ثم قبلوا المسيح وكونوا مع الزمن طقوسا كلها مطعمة بأفكار العهد القديم.
+ مسيحية كنيسة المشرق: واذن فان كنيسة المشرق لا هي آشورية ولا هي كلدانية، وانما هي كنيسة قادمة من صلب الكتاب المقدس، اي العهد القديم. فضلا عن بدايات العهد الجديد ولاسيما مع القديس بولس ومع فكرة العشاء السري ببساطته القديمة، وهي بساطة العبور من ارض مصر العبودية والرمزية الى ارض الميعاد القومية، التي كانت فكرتها قومية قبل ان تكون رمزا للخلاص من الأمة الدينية. من هنا نستنتج انه لا يمكن ان نقيم لاهوتا بناء على افكار ابناء كنيسة المشرق الأوائل، ولا من جاء بعدهم، بعد التبشير الذي جاءهم من اولاد اعمامهم: توما الرسول- مار ادي ومار ماري، شخصيا لا تهمني الأسماء هنا، بل يهمني واقع عملية تحول ابناء المسبيين الى الاعتراف بيسوع المخلص من العهد القديم وتكوين عهد جديد بلاهوته الخاص وطقوسه، والحانه وذكر شهدائه وغير ذلك في عصور لاحقة.
واذن فان هذه الكنيسة كانت نشطة جدا وممتلئة من افكار انسانية تحررية مغرية جدا، كان في اساسها رسل ( مسيحيون ) فضلا عن قوافل التجار حملوا الايمان المسيحي الى هؤلاء المعمذين ذوي الأصول اليهودية – الآرامية.
هنا اغض الطرف عن اسباب فشل وموت هذه الكنيسة وتحولها الى طقوس جامدة لا تعني شيئا لأحد.لنتذكر صلاة المساء ( الرمش ) عندنا، التي كانت في جلها تلاوة سخيفة للمزامير، مع بعض الالحان ( عنياثا ) ثم رتبة تمجيد الشهداء والشهادة. اما غض النظر هذه فيأتي لكوني لا اريد ان اعمل بحثا تاريخيا، وانما استخدم التاريخ الحضاري للكلام عن حدث الانتماء وحدث التوسع والانتشار ثم حدث الموت.
فما يهمني اذن هو حدث موت هذه الكتيسة، هذا الموت الذي لن تكون بعده قيامة، لا قيامة البشر ولا قيامة كنيسة المشرق. اما فكرة العودة الى الحياة عن طريق احياء التراث، فهي فكرة بعض المهلوسين من قسس ورؤساء كنيسة كبار، ومن بعض السابحين مع التيار الذين لا اذكر اسمهم كذلك.
فهنا ايضا استطيع ان اردد شعار عنواني: لا يمكن عبادة ربين او رمزين في آن معا. ويعني ذلك، ونحن في مجال كنيسة المشرق، بأنه لا يمكننا ان نعبد رمز الايمان بيسوع ذي الأوجه الكثيرة المناسبة لآي تغيير حضاري، والرمز المندثر الذي سمي التراث. في حين نعلم بأن التراث لا ينفع سوى للتذكير والتبصر، ولا يتحمل النقل الأعمى التلقائي- نسخ لصق. فالانسان عندما يموت لن يقوم مجددا ولن يعود الى الحياة، لكنه فقط يبقى حيا في نفوس محبيه. اما قوة بقاء اي انسان في نفوس محييه فتعود الى قوة عطاء ذلك الانسان عندما كان حيا والى قوة محبة اي انسان للمتوفى. وبذا نفهم دور القديسين ودور مريم ام يسوع ودور يسوع نفسه في حياتنا، الأمر الذي يدعو الكنيسة الى ان تعمل لاهوتا انسانيا في هذا المجال، وتثني الناس عن طلب شفاعة مستحيلة، لأنها شفاعة اسطورية. واذن هذا هو دور تراثنا المشرقي، ودور كل تراث في حياة محبي صانع التراث. اما موت الانسان الشرير او التافه فانه يمكن ان يبقى مدة قصيرة في حياة ذويه، لكي يتعلموا ان لا يكونوا مثلما كان هو. انا اعرف شخصيا كان ابن احد السكيرين المدمنين على المسكر، هذا الشخص صار يرفض اي مسكر في حياته، ربما باستثتاء قليل من البيرة للمجاملة.
ان ما تقدم كان عن الأفراد، اما الأمم او الأمة التي ماتت بتغيير حضاري، فلن تقوم لها قيامة ابدا، كما قلنا، ولا يمكننا ان نبقى متشبثين بها وكأنما هي حية ترزق، ولها الحق في ان تشرف على كل حياتنا الروحية كلها، يعني يكون المطلوب منا ان نتصرف كما كان يفعل آباؤنا واجدادنا في الايمان، وان نؤمن بالشفاعات المستجابة، كما كان يؤمن اجدادنا. وان نصوم كما كانواا يصومون ونلبس كما كانوا يلبسون وغير ذلك الكثير. ننحن، والحمد لله جاءنا بابا معاصر وجذري وكسر كل مفاهيم السلفيين المتخلفة حضاريا وزمنيا. ومنها في مسألة الأصوام وفي مسألة طلب شفاعة الأولياء القديسين الكبار والصغار، هذه الشفاعة التي لم يعد لها معنى في ايامنا، نحن الذين نتشبث بفكرة عدم وجود صلة بين ما يسمى السماء والأرض، كون هذه الفكرة تابعة لحضارات سادت ثم بادت.
+ كلمة اخيرة: في هذه الكلمة الأخيرة نقول: علينا ان نهتم بأمور الايمان المسيحي خارج اية امة واية قومية او مؤسسة دينية، مهما كانت جليلة في عصرها الذهبي، بحسب مقولة مفادها: لا تقل اصلي وفصلي ابدا... انما اصل الفتى ما قد حصل. واختصارا قيل: ليس الفتى من قال كان ابي ان الفتى من قال ها انذا. ( رواه ابن الوردي وكان شاعرا وفقيها عربيا ). علما بأن رؤساءنا الكنسيين لا يعبدون ربين فقط بل ثلاثة ارباب، الربين الذين تكلمنا عنهما والرب الثالث هو ارادة الرئيس الذي لا يقبل ان يتنازل عن افكاره السلفية، ولا يقبل اي حوار معه. فقط هنا اريد ان انبه الى اننا دخلنا الى العالم الكوني الذي نسميه عالم موت الانسان، بعد عالم موت الله الذي كان نيتجه قد اعلن عنه. فموت الانسان يعني ان الانسان لم يعد له عمل كثير في عالمنا سوى الاستهلاك، حتى ان المطبخ يعمل الأكل بشكل آلي، وتقديم الضيافة للاصدقاء يتم بشكل آلي، حيث يأتي الأكل الشهي على اطباق فاخرة وداخلها كل ما كان قد طلبه صاحب العزومة من مفردات، بدون زيادة او نقصان. ففي هذا العالم الجديد من حقنا ان نتساءل ونقول: ترى ما هو دور الرؤساء الكنسيين المسيحيين ودور رؤساء الدين المسلمين وما مكانهم من الاعراب. لقد صاروا عطالين بطالين لا شغل لهم ولا مشغلة. انه عصر موت جميع الوظائف الاجتماعية السابقة، عصر موت الانسان. غير ان موت الانسان بما يخص رجال الدين يبقى له دور واحد فقط، هو دور تذكيره بفضائل العصر الذي نعيشه. ومن هذه الفضائل حق الحرية الكاملة في اختيار الحياة المناسبة للعصر الذي دخلناه. هذا مع تأكيدنا على ان الفرض القسري هنا يعد نوعا من شريعة الغاب، حيث يأكل القوي الضعيف ويأكل الرؤساء الذين يعدون انفسهم اقوياء من هم ما دونهم مرتبة. علما بأن هذه الملاحظة تشمل الرؤساء الكبار والرؤساء الصغار على السواء. مما اراه هو ان البابا بولس قد استبق قليلا هذا النظام حين قال عن المثليين وعن المطلقين بأنه لا يريد لهم ذلك، ثم قال ما معناه: بأي حق اشجب ما يفعله الآخرون؟ اعتقد اننا، نحن المرشدين الكبار قسسا واساقفة ومن هم اكبر مرتبة لم يعد من حقنا ان نلزم احدا بفضيلة معينة وننهى عن منكر اجتماعي، ولكن يبقى لنا التبصير بالفضائل الانسانية، ويبقى لنا ان نكون قدوة ونموذجا لمن يرانا. ومنها اننا يجب ان نفهم الآخرين من خلال اعمالنا بأننا نحترم حرية الآخرين احتراما مطلقا، وبأن الآخرين لهم الحق في ان يستمعوا الينا او ان لا يستمعوا، من دون ان نلوح بالقصاص لمن لا يريد ان يسمع منا. طبعا هنا وصية الانجيل بالغفران مثلا، لم تعد الوصية المثالية، لأن الناس احرار في اعمالهم. ولا ننسى هنا ان نقول: بأن الكتب المقدسة نفسها تحتاج الى تأويل والى النظر اليها من خلال " الرومانسية". وانه لا يمكن الاستشهاد بنصوص من الكتب المقدسة بدون عملية التأوين هذه. لقد اصبحنا في عالمنا الجديد بصدد حريات لا يمكن التنازل عنها وفق اي قانون مكتوب لحضارة اخرى ليست هي حضارتنا. فكلام الله وكلام الأناجيل وكلام مار بولس وغيره من الرسل، كان كلاما رائعا في زمان وحضارة معينة ولا يشترط ان يكون كذلك في حضارتنا العالمية، حيث نعيش نحن حضارة موت الانسان وحضارة سيادة الآلة برموزها الجديدة ومطالبها الجديدة. هذه الحضارة التي فيها لن يموت الانسان من الجوع ولن يموت من التخمة ايضا. وعليه فاني اقبل النقاش والحوار من منطلق حضاري مشترك، لكني ارفض النقاش مع اناس يريدون ان يكفروني على اساس منطلقاتهم البائدة. هنا لا يمكن القبول بالكنيسة المتوازية ولا بالأديان المتوازية ولا بالحضارات المتوازية، لأن العالمية التي تقول بموت الانسان لا تقبل على الاطلاق بهذا التوازي، اي الجمع بين القديم والحديث.