حلول "صعبة وخطرة".. الزيادة السكانية تهدد العراق
الحرة / خاص - واشنطن:للمرة الثالثة، يحذر مسؤول عراقي كبير من مغبة الازدياد في الكتلة السكانية في البلاد، بعد أول تحذير أطلقه رئيس الجمهورية، برهم صالح، ومن ثم رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي.
هذه المرة، جاء التحذير من إحدى أبرز الشخصيات المالية والاقتصادية العراقية، مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ونائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق، الذي قال في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية العراقية إن "عدد السكان في العراق قد يصل إلى 80 مليونا نسمة في عام 2050".
ويصل تعداد غير مؤكد لسكان العراق إلى نحو 40 مليونا، حسبما تشير أرقام وزارة التخطيط لعام 2019.
وقال صالح إن "المنحنى السكاني في العراق ما زال يؤشر نموا مرتفعا وبما لا يقل عن 2.6 في المئة سنويا، وهو الأعلى عالميا"، لافتا إلى أن "الدخل الوطني المرتفع حاليا والذي مصدره النفط، والذي تمثل وارداته تشكل 93 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة" قد لا يستمر.
وبحسب صالح فإن هناك 8 ملايين عراقي يستلمون رواتب أو منحا من الدولة أي "أن متلقي الدخل يضمنون معيشة خمسة أفراد" بشكل كامل تقريبا.
انهيار مقبل.. قد يكون سريعا
ويقول صالح لموقع "الحرة" إنه "إذا دخلت دورة الأصول النفطية حالة ركود قادمة بانخفاض الاسعار ثانية واستمرت لمدة طويلة فإن الحفاظ على نظام رواتب بقوة شرائية مستدامة سيصبح مستحيلا".
ويقترح مستشار رئيس الحكومة أن "تمول الرواتب كنفقات مهمة بالتدريج من مصادر مالية غير نفطية مستقرة من داخل الاقتصاد ما يقتضي تنويعا مهما في الإيرادات المالية وفي التنمية الاقتصادية تبدل معادلة النفط في الاقتصاد إلى معادلات أخرى (...) بما فيها الاستثمار بالمواد الخام الأخرى فضلا عن النهوض الزراعي والصناعة التحويلية والخدمات السياحية وتوليد استقلال اقتصادي ذاتي عن النفط وهيمنته".
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي، حسن رياض، إن "الإحصاءات التي تحدث عنها مظهر هي صحيحة تماما، وإن الاقتصاديين يحذرون من تبعاتها منذ سنوات".
ويضيف رياض لموقع "الحرة" أنه "حتى في حالة استمرار الطلب العالمي على النفط، وبقاء أسعاره مرتفعة فإن هذا يعني أن الحكومة العراقية ستحتاج لدفع رواتب لستة 10 ملايين شخص للمحافظة على الوضع الحالي".
وهذا "مستحيل ببساطة" كما يقول رياض الذي يؤكد أن من المتأخر جدا الحديث عن تنويع الاقتصاد وتأسيس بنى تحتية زراعية أو اقتصادية لأن "الأزمة حصلت أساسا".
نظام الرواتب "لا يمس"
مع هذا يحذر خبراء سياسة واجتماع من المساس بنظام الرواتب الحالي.
ويقول المتخصص في علم النفس الاجتماعي بالعراق، مرشد مسير العقابي، إن "النظام الحالي يحفظ السلم الاجتماعي الهش جدا"، مضيفا لموقع "الحرة" أن "أي مساس بهذا النظام سيعجل بنهاية الحكومة التي تمس به، وربما النظام بصورة عامة".
ويؤكد العقابي إن "الحكومات المتعاقبة لم توفر خدمات أو أمنا للعراقيين، وكان جل مسؤوليتها توزيع عوائد النفط على الموظفين والمستفيدين، لهذا لا توجد لديها مصداقية كافية تجعل المواطن ينتظر نتائج إصلاحات قد تطول".
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي، رياض العامود، إن "بالإمكان تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل، بشرط أن يستغل العراق القروض التي يدفعها للرواتب لإنشاء مشاريع استثمارية".
وأجرى العامود دراسة قال لموقع "الحرة" إنها كشفت عن إمكانية خلق أكثر من ست ملايين فرصة عمل في القطاعات الاستثمارية المستدامة مثل السياحة والزراعة والصناعة والطاقة المتجددة، وقطاعات خاصة أخرى مثل التكنولوجيا والتطوير.
وبحسب العامود فإن "القطاع الخاص سيكون أكثر جاذبية للشباب، وسيقل الموظفون شيئا فشيئا ويقل معهم الاعتماد على الحكومة"، كما أن "الضرائب والعملة الصعبة التي سيوفرها القطاع الخاص سيجعلان من السهل استبدال الموارد النفطية".
لكن العامود يقول: "أعترف إن هذا صعب جدا، وخطر جدا أيضا في ظل الفساد الكبير والاحتراب السياسي بين الأحزاب".
ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة عام 2020، يعلن رئيسها الكاظمي عن إجراءات لمكافحة الفساد وتهريب الأموال العراقية إلى الخارج، كان أهمها قرار رفع الدعم عن العملة العراقية أمام الدولار ، لكن هذا القرار تسبب بارتفاع أسعار السلع التي يشتريها العراق بالدولار الأميركي.
كما قامت الحكومة في سبتمبر الماضي بحملة لمكافحة الفساد والتهريب في المعابر الحدودية العراقية، وحملة في أبريل الماضي لمكافحة الفساد في ملفات الاستثمار في البلاد، وفي الوقت نفسه أعلن اعتقال مسؤولين كبار بضمنهم مدراء عامون فيما يحقق القضاء مع وزراء سابقين.
مع هذا، تشير تقارير دولية إلى الفساد الإداري والمالي لا يزال مستشريا بشكل كبير في العراق على الرغم من هذه المحاولات، في حين يبدو الرئيس مطمئنا إلى نجاعة القانون الجديد لاسترداد بعض من الأموال التي يحتاجها العراق بشدة حاليا لتجاوز أزمته الاقتصادية.