منازلة إيران في لبنان
سناء الجاك
منازلة إيران في لبنان
أخيرا قررت الولايات المتحدة منازلة إيران في لبنان. فليست صدفة أن تطل السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، وعلى شاشة محلية معروف أنها "لا تدور في فلك الاستكبار العالمي"، لتعلق على ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن استيراد لبنان النفط الإيراني المشمول بالعقوبات، لتنصح بالتخلص من "الفساد المستشري في قطاعي الطاقة والكهرباء فتُحلّ نصف المشكلة على الفور".
وتضيف "ما تتطلّع إليه إيران هو نوع من دولة تابعة يمكنها أن تستغلّها لتنفيذ جدول أعمالها وتتوفّر حلول أفضل بكثير من اللجوء إلى إيران".
وبالتأكيد وبالأخص، ليس صدفة إنزعاج الإيرانيين وإعلان سفارتهم في بيروت عن أن "وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى بيروت بغنى عن تفاهات السفيرة الأميركية دورثي شيا"، على الرغم من بقاء هذا الإعلان رهين العالم الإفتراضي. لتلفت إلى أنه "لا ينبغي للسفيرة الأميركية أن تتدخل في العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الإيراني واللبناني".
لكن هل تعني هذه المواقف أن الولايات المتحدة اكتشفت، وإن متأخرة، أن إنهيار لبنان سببه تبعيته لإيران؟
بالطبع لا. فالتبعية التي أدت إلى الانهيار التدريجي المتباطئ حينا والمتسارع أحيانا، لم تكن تقلق المجتمع الدولي أو تؤرقه، سواء عندما لزَّمت بلاد الأرز إلى النظام السوري بعد اتفاق الطائف، أو بعد تفجير المرفأ منذ حوالي العام، وغياب أي نوع من أنواع التعاون لكشف حقيقة ما جرى.
واليوم وعلى الرغم من التصريحات والتأنيب والتقريع، لا يبدو أن الولايات المتحدة حاضرة لأن تبذل الغالي والرخيص في سبيل مساعدة اللبنانيين على استعادة سيادتهم وأمنهم وأمانهم.
لذا يمكن إضافة الكثير من علامات الإستفهام بشأن التلويح بالعقوبات على المعطلين الفاسدين، إذا تعذّرت المبادرات لتشكيل حكومة إنقاذ تبدأ خطة اصلاحية فعلية وجدية لإدارة الأزمة. وتتيح لها الحصول على مساعدات دولية.
وأول هذه العلامات تتعلق بتزامن هذه المواقف مع التطورات الطارئة سلبا وإيجابا على ملف المفاوضات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني في فيينا.
ربما هي بيت القصيد من كل هذه المشهدية التي دفعت الولايات المتحدة إلى التنسيق مع فرنسا في فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين.
والمؤسف أن هذا التنسيق لا يرتبط فعلا بالقضاء على ما يقوِّض الدولة اللبنانية بمؤسساتها، أو بمنع استباحة السيادة اللبنانية، إن بالاغتيالات أو التفجيرات أو تجويع اللبنانيين.
والمؤسف أكثر فأكثر أن العقوبات الأميركية التي طاولت ثلاثة وزراء لبنانيين من حلفاء حزب الله، (علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وجبران باسيل)، في العام الماضي، بقيت استنسابية وانتقائية بهدف الضغط على إيران في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
ومع الرئيس الحالي جو بايدن، يبرز التوجه لتحسين شروط التفاوض من خلال الورقة اللبنانية الممسوكة من المحور الإيراني.
والأهم أن هذه العقوبات لم تؤدِّ إلى إنقاذ البلد، بالتالي ما الذي سيتغير مع عقوبات إضافية يلوِّح بها الاتحاد الأوروبي؟ أم يبقى الأمر مجرد فزاعة؟
يبدو أن المستهدفين المعروفين غير مكترثين بعقوبات أو بغيرها. فكل سلوكياتهم تدل على أنهم سيواصلون نمط فسادهم وتعطيلهم شؤون الناس، وكأن ما يدور في الشارع اللبناني يحصل في مجرة أخرى.
أو لأن القراءة في الواقع الإقليمي ترجِّح إستخدام الورقة اللبنانية للمقايضة، أكثر مما هي للإنقاذ.
أو أنهم يعرفون أن التوافق بين الولايات المتحدة وإيران سيعيد تلزيم الورقة اللبنانية الى المحور الإيراني، وهم حلفاؤه، لأن المفاوضات الحقيقية تدور في الغرف الجانبية. وإذا تمّ الاتفاق، لن يسخى بهم الوصيّ الإيراني الحضر لإدارة البلد.
إما إن فشلت المفاوضات، حينها لكل حادث حديث. اذ ستنزلق الساحة اللبنانية إلى جحيم أعمق يتيح للمحور الإيراني وحلفائه الإستفراد بهذه الساحة.
اللهم إلا إذا أفلتت الأمور مع الغضب المتصاعد بين اللبنانيين بسبب انهيار الليرة اللبنانية، التي فقدت 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ نهاية عام 2019. وما يمكن أن تؤدي إليه الأزمات الناتجة عن هذا الإنهيار من تهديد أمني يترافق مع سيادةٍ للفوضى، فمن لا يجد خبزه ودواء مرضاه وحليب أطفاله، لن يتورع عن الحصول على مبتغاه من خلال النهب والتخريب والسرقة وقطع الطرق.
وقد بدأت ملامح هذه الفوضى بما ينذر بأن الآتي أعظم. ولن تقدم أو تؤخر فيه مبادرات أو قرارات أو عقوبات لمعركة شد الحبال وعض الأصابع بين الولايات المتحدة وإيران في لبنان.