يخلط العديد من الناس بين الديانة والقومية جهلاً أو تعصباً، ويعدونهما وجهين لحقيقة واحدة. هذا الاعتقاد خاطيء ويسئ الى الديانة والى القومية معاً، اذ انهما موضوعان ومجالان مختلفان تماماً. فالديانة والكنيسة غير منغلقة على قومية واحدة وهذا الامر يتقاطع مع طبيعة الديانة والكنيسة.
من حق أي انسان على وجه الكون ان يصرّح بهويته الدينية والقومية ومن دون ان يخلق فرقة بين المواطنين المثقفين. اليوم تعيش مجتمعات معظم الدول ومنها العراق تنوعاً دينياً وعرقياً، لكن تجمعهم الهوية الوطنية الجامعة التي تكفل مبدأ المساواة أمام القانون والسلطات المعنية بالقانون من دون تحيّز، مما يضمن المعاملة المتساوية لجميع الأفراد في الدولة.
هذا الامر يتطلب نظاماً (دستوراً) سياسياً وادارياً مدنياً، يحتضن التعددية والتنوع بانسجام ويرسّخ الهوية الوطنية الجامعة، ويسنّ قوانين مدنية تحترم الكل في حقوقهم وواجباتهم. فالنظام المدني لا يتعارض مع الديانة بل يحصّنها من التشويه والاستغلال كما حصل في تاريخ البشرية، ويحول دون الوقوع في التمييز الطائفي والقومي ويتجنب الصراعات كما الحال في معظم الدول الأوروبية.
الديانة، عقيدة يقبلها المرء بكامل وعيه وارادته وحريته ويلتزم بها في سلوكه اليومي. الديانة غير التديّن الشكلي، انها إيمان وجداني وعلاقة شخصية بين المؤمن والله، وله الحق ان يغيّر دينه ويختار غيره متى ما لم يَعُد يقتنع به (أو متى ما لم يقدر أن يعيشه)، إذ لا إكراه في الدين! ويتعيَّن على المنتمين الى ديانة ما أن يلتزموا بنفس العقيدة الايمانية والكتاب المقدس، الطقوس والقوانين، والأخلاق، ويتبعون توجيهات رجال الدين أو علماء الدين.
القومية، الانتماء القومي ليس ثوباً نلبسه او يُلبسنا إياه الآخرون عنوةً، بل هو شعور ذاتي وقناعة عميقة بالانتماء الى عرق معين والالتزام بحزمة معطيات كالارض والتاريخ واللغة والموروث الثقافي والتقاليد. هذا الشعور لا يتعارض مع القوميات الأخرى ان كان منفتحاً ومعترفاً بها، بل يعزّز التنوع والتضامن والتعاون في مجالات عدة للعيش معاً بسلام واستقرار.
في الدين الواحد توجد مذاهب، مثلا في المسيحية يوجد المذهب الكاثوليكي والارثوذكسي والبروتستانتي. وفي الإسلام المذهب الشيعي والسني ..الخ وليس هناك أية مشكلة في تعدد المذاهب. وفي الكنيسة الكلدانية التي تتبع المذهب الكاثوليكي يوجد الكلداني والاشوري والعربي حتى بعض كنائسنا قي الخارج تبنت تسمية Assyrian Chaldean Parish. هكذا كانت كنيسة المشرق قبل ان تسمى بتسميات قومية. عموما الانتماء العائلي والقبلي والقومي يسبق الديانات.
سأل أحد الكلدان المتزمتين مسلماً شيعياً من اور: أنتَ تقول أنك كلداني، هل يمكن ان تغير بطاقة الأحوال الشخصية الى المسيحية؟ سؤال يحمل جهلاً كبيراً. في الواقع، لا يحتاج المسلم ان يترك دينه حتى يكون كلدانياً او آشورياً أو عربياً.
في الانتماء القومي يوجد المتدين المسيحي والمسلم واللامتدين والملحد. فما المشكلة ان يكون في القومية العربية المسيحي والمسلم وغيرهما، وان يكون ثمة مسيحيون وغير المسيحيين يشعرون ويصرّحون ان قوميتهم هي الكلدانية. في القومية لا يحتاج المرء ان يغيّر دينه أو مذهبه. هو حرٌّ في ما يختاره!
خلاصة القول، ان التعددية والتنوع مظهر من مظاهر الطبيعة البشرية، ومصدر غِنى وقوة للتقارب، والتواصل والتضامن.