أسواق الموصل تنهض ببطء من دمارها
بضاعة في انتظار الزبائن
يحاول سكان الموصل جاهدين العودة إلى حياتهم ونشاطهم التجاري والاقتصادي رغم عدم توفر الإمكانيات المادية لذلك، فالحكومة وعدتهم بالتعويضات لكنها لم تف بوعدها، لذلك نجح عدد قليل من التجار في فتح محلاتهم في حين ما زالت الأغلبية عاجزة عن توفير المال الكافي لترميم دكاكينهم وشراء السلع.
العرب/الموصل (العراق) - عاد أحمد رياض أخيرا إلى متجره في سوق الكورنيش في الموصل القديمة الذي تمكّن من إعادة بنائه بماله الخاص، لكن بعد أربع سنوات من نهاية الحرب، لا يزال السوق مدمّرا كما أجزاء أخرى من المدينة، بانتظار دعم حكومي لم يأت.
من متجره في السوق التاريخي في المدينة التي زارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد، يقول أحمد البالغ من العمر 22 عاما، “عادت الحياة تدريجيا إلى منطقتنا المنكوبة بعد إعمار محلاتنا على حسابنا الشخصي”.
ويضيف “لم نحصل على أي تعويض حكومي أو من المنظمات المهتمة”.
تبدو المتاجر التي فتحت أبوابها كواحة حياة صغيرة وسط دمار كبير لا يزال واضحا للعيان في السوق الذي كان يعجّ بالزبائن قبل العام 2014، أي قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة.
اليوم، عدد الزبائن محدود ولا يقارن بالأيام الذهبية، لأن موارد السكان الخاصة لا تكفي وحدها لإعادة السوق المحاذي لجسر الموصل القديم ونهر دجلة إلى ما كان عليه قبل الحرب شريانا اقتصاديا حيويا للمنطقة.
ويوضح أحمد أن من بين نحو 400 متجر وكشك “10 في المئة فقط عادت إلى العمل. كثيرون يجدون صعوبة في إعادة فتح متاجرهم من جديد لأنهم لا يملكون المال”.
في صيف العام 2017، أقيمت احتفالات رسمية لمناسبة “تحرير” الموصل التي كانت تعتبر معقل تنظيم الدولة الإسلامية الذي احتل لأكثر من ثلاث سنوات مساحات واسعة من العراق، على أيدي القوات العراقية، لكن أهالي المدينة وجدوا أنفسهم بعد ذلك وسط ركام منازلهم ومحلاتهم.
وحتى اليوم لا يملكون إمكانات إعادة الإعمار. بالإضافة إلى سوق الكورنيش، لا يزال الدمار واضحا في سوق باب السراي التاريخي والمدينة القديمة التي زارها البابا فرنسيس في مارس الماضي وصلّى فيها على أرواح “ضحايا الحرب”. وتقدّر مصادر حكومية أن أكثر من 80 في المئة من بناها التحتية وأبنيتها لا تزال مدمرة.
ورغم تردي الظروف الاقتصادية، لم تشهد الموصل ذات الغالبية السنية تظاهرات خلال موجة الاحتجاجات في أكتوبر 2019 ضد الفساد والفقر وسوء الإدارة، لكن سكانها كانوا يشعرون بتضامن مع بقية العراقيين في بغداد والجنوب.
ويشعر أهل المدينة عموما بوجود إهمال حكومي لهم بسبب ما يرون أنه مركزية شديدة تؤخر وصول الأموال وصرف حصصهم من الموازنة، وبالأخص صرف التعويضات عن الأضرار التي تسببت فيها الحرب.
ويقول مدير دائرة التعويضات في المحافظة محمود العكلة، إن هناك حتى اليوم أكثر من مئة ألف طلب في نينوى للحصول على تعويضات قدمّها من “تضرروا جرّاء عمليات التحرير وما رافقها من قصف وتفجير وتدمير للبنى التحتية الأساسية”.
لكن حتى الآن “لم يشمل التعويض المادي إلا قرابة 2600 فقط”، فيما تم النظر بأكثر من 66 ألف طلب للتعويض.
ويقول سعد غانم البالغ من العمر 40 عاما والذي تقدّم بطلب تعويض للأضرار التي لحقت منزله، إنه لم يتلقّ شيئا بعد. ويضيف “حسب معلوماتنا، فإن دائرة التعويضات في محافظة نينوى أنجزت المعاملة ورفعتها إلى الدوائر الحكومية المعنية في بغداد التي لم تقدّم لنا التعويض حتى الآن” .
ويحمّل قائمقام قضاء الموصل زهير الأعرجي مسؤولية التأخير إلى “لجنة التعويضات في بغداد، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووزارة المالية”.
ويوضح أن “إعادة إعمار البنى التحتية شملت 80 في المئة” منها في المدينة، “لكن مشاريع الجانب الصحي متأخرة ولم ينجز منها إلا ما بين 30 إلى 40 في المئة”.
وتبلغ كلفة إعادة إعمار نينوى بحسب مصدر رسمي مئة مليار دولار، وهو رقم خيالي بالنسبة إلى ميزانية الدولة العراقية المحددة بتسعين مليار دولار تقريبا للعام 2021.
في السوق الذي يعود رويدا لينبض بالحياة، تشهد المبيعات ارتفاعا، ويتزايد معها عدد الوظائف الجديدة في بلد يوجد فيه عاطل عن العمل من بين كلّ خمسة مواطنين، وفق الأرقام الرسمية. وباتت الحاجة إلى هذه الوظائف اليوم أكثر من أي وقت مضى بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وتزايد معدلات الفقر.
ويأتي عمار حسين البالغ 50 عاما وهو صاحب مطعم في شارع الدواسة القريب، يوميا إلى السوق للتبضّع لمطعمه. ويقول الرجل “وفّر افتتاح متاجر السوق عليّ الوقت والجهد والمسافة، كما أن أسعاره مناسبة جدا”.
لكن ذلك لا يكفي في رأيه، “ينبغي أن تعوّض الحكومة للمتضررين من أصحاب المحال حتى يتمكنوا من إعمار محلاتهم ويعود السوق إلى سابق عهده”.
ويقول صلاح الدين حسين علي البالغ من العمر 64 عاما بينما يحمّل بضائع على شاحنته، “رغم أن العمل ليس كالسابق لكنه جيد ويتطوّر باستمرار”.
وينقل حسين علي البضائع المختلفة من “أقمشة وعدد يدوية وأدوات تبريد وغيرها” إلى جميع أرجاء محافظة نينوى من السوق الواقع في عاصمتها الموصل التي شكّلت تاريخيا مركزا وممرا تجاريا مهما ينقل البضائع إلى داخل العراق وخارجه.
ودفع البطء في عملية إعادة الإعمار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى زيارة الموصل في 16 أغسطس، قبل شهرين من الانتخابات النيابية المبكرة، معلنا من هناك عن تشكيل “لجنة إعمار الموصل” لرسم “خارطة شاملة وخطة عمل”.
كذلك ينتظر علي محمود البالغ من العمر 42 عاما والذي كان يمتلك متجرا لصناعة الأثاث الخشبي في سوق النجارين، دعما ماديا لإعمار متجره. ويقول “أتمنى أن أعيد إعمار محلي الذي كان مصدر رزقي والعودة مجددا إلى المنطقة لكنني لا أمتلك المال الكافي”.