الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 24تاريخ التسجيل : 28/08/2021
موضوع: تجديد الموروث الديني - رؤية الأمير محمد بن سلمان الثلاثاء 28 سبتمبر 2021 - 0:17
تجديد الموروث الديني - رؤية الأمير محمد بن سلمان
في مقابلته مع قناة السعودية بمناسبة مرور خمس سنوات على اطلاق رؤية 2030، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مجمل القضايا التي تهم بلده. وكرس في مقابلته ساعة للحديث عن الإصلاح الاقتصادي وخطته المستقبلية "رؤية المملكة 2030"، في حين خصص الستة والعشرين دقيقة المتبقية للحديث عن العلاقات الدولية والاصلاح الاجتماعي والديني.
وفي الجانب المتعلق بالاصلاح الديني، أكد مجددا على ثوابت المملكة فقال: "دستورنا هو القرآن" فكل السلطات في السعودية ملزمة بالعمل بموجبه. وأضاف: "لا يجب أن أطرح عقوبة شرعية، بدون نص قرأني واضح، أو نص صريح من السنة" وأستطرد بالقول "أن أغلب مدوني الحديث يصنفون الحديث بناء على تصنيفهم الخاص، مثل البخاري ومسلم وغيره، إلى حديث صحيح وحسن وضعيف، ولكن هناك تصنيف أخر وهو الأهم وهو تصنيف الأحاديث إلى متواتر وآحاد وخبر، وهم المرجع الرئيسي في استنتاج الأحكام واستنباطها من الناحية الشرعية". وأكد على الالتزام التام بالأحاديث المتواترة وهي الأحاديث المنسوبة للنبي في أعلى درجاتِ الصحةِ والثبوت. ويعتقد المسلمون باستحالة تواطؤ الجماعة الذين رووها على الكذب. وهذه الأحاديث لا تزيد عن خمسة بالمئة من مجمل الأحاديث المنسوبة للنبي. وأما حديث الآحاد وهو ما لم تتوافر فيه شروط الحديث المتواتر، سواء أكان الراوي واحدا أو أكثر، فغير ملزم، وقال "حديث الآحاد غير ملزم بالزامية الحديث المتواتر، إلا إذا اقترن بنصوص شرعية واضحة ومصلحة دنيوية واضحة". وأما الخبر فلا يؤخذ به.
بالمحصلة يرى ولي العهد السعودي أن المقاربة السعودية الجديدة للتراث الديني تقوم على الأخذ بما هو قطعي الثبوت والدلالة منها، والأخذ من الظني منها، بشرط أن يقترن بنصوص شرعية واضحة ومصلحة دنيوية واضحة. فهذا يعني بلغة الارقام عدم الالتزام بما يقارب التسعين بالمئة من الموروث الثقافي والديني والسلوكيات والتقاليد المنسوبة للدين الإسلامي. فإذا علمنا أن مجمل آيات الأحكام في القرآن الكريم لا تتجاوز المئة، وأن السنة سترتكز على الأحاديث القطعية فقط، ندرك حجم الخطوة الاصلاحية التي يتبناها الأمير الشاب. لم يقف ولي العهد السعودي عند هذا الحد، بل ذهب أبعد من ذلك عندما رفض احتكار تفسير الشرع الإسلامي من أية جهة أو هيئة. وقال في هذا الصدد "لا يوجد شخص واحد ولا مدرسة فكرية واحدة يجب أن يقتصر عليها تفسير الإسلام". وطالب بتفسير معاصر للقرآن والسنة مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الزمانية ومراعاة المصلحة، وشدد على أنه "لا يجب أن تستند العقوبات والقوانين على تفسيرات دينية عفا عليها الزمن".
فإذا أضفنا إلى الأفكار العصرية التي يتبناها، موقفه من الغلو والتطرف، ومحاربته لكل صور التطرف والغلو في المملكة، واعتباره أن التطرف جريمة، نكون بحق أمام مشروع إصلاحي تنويري كبير. ومما لا شك فيه أن صدور هذه الرسائل من ولي العهد في المملكة العربية السعودية، المرجعية الدينية والثقافية لأغلب المسلمين، على درجة كبيرة من الأهمية، ليس في المملكة فحسب، بل في العالم كله. لأن هذه الرؤية تحاول أن تغير من ثقافات منغلقة تربى عليها بعض المسلمين، حتى في المجتمعات الغربية، ناهيك عن المجتمعات العربية والاسلامية. ومما لا شك فيه بأن هذه الرؤية تسهم في التقريب بين المذاهب الإسلامية كافة والتقريب بين المسلمين وغيرهم، بما يعزز التفاهم بين الشعوب ويقوي موقف كل الخيرين المؤمنين بعالم أفضل يعيش فيه الناس بمختلف مشاربهم بانسجام وحب وتناغم.
ومن الضروري تفاعل المسلمين وغير المسلمين وجميع المرجعيات الدينية في العالم وفي مقدمتها الأزهر الشريف والمرجعيات الشيعية وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، مع هذه الرسائل القادمة من أرض الحرمين. وحسنا فعل الأزهر حين تلقف هذه الرسائل مباشرة، وأستوعب مضمونها، فدعا إمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب كبار العلماء للاجتهاد في خمس وعشرين قضية تتعلق بالإرهاب والهجرة والالتحاق بجماعات العنف والخروج على المجتمع وكراهيته واستباحة دم المواطنين بالقتل أو التفجير وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم. وقال في حديث له يوم الأحد السابق في برنامج "مع الإمام الطيب" إنه يقترح اللجوء لاجتهادٍ جماعي يُدعى إليه كبارُ علماء المسلمين، لينظروا في هذه القضايا. وطالب شيخ الأزهر العلماء أن يجتَهِدوا ويُجدِّدوا الأنظار فيما يتعلَّقُ بالأمور السياسية كالديموقراطية وحقوق الإنسان، والحرية وحدودها، والمساواة الدستورية والقانونية ومشروعية الدستور والبرلمان، أو ما يَتعلَّقُ بأمورِ إجتماعية، وفي مقدمتها معاملات البنوك وقضايا المرأة الراهنة مثل تَولِّيها القضاء، والولاية العامَّة، والزي والنقاب، وخضوعها لعادات وتقاليد تحكمها، وتَحرمها من حُقوقِها الشرعية، كحَقِّها في الميراث واختيار الزوج، وحمايتها من تعسف ولي أمرها، وحرمانها من الزواج ممن ترغب فيه دون مُبرِّرٍ شرعيٍّ أو اجتماعيٍّ معقول. وشدد شيخ الأزهر على الاجتهاد في قضية نقلِ الأعضاء، وتهنئة غير المسلمين في أعيادهم. وقال إنه آنَ الأوانُ لأنْ تتعامَلُ فيها مع المشكلات والقضايا محلِّ الخلاف، أو محلِّ الصمت، أو محلِّ التهيّب من الاقتراب منها، تحسُّبًا لرُدود أفعالِ المتشدِّدين من فُقهائنا، والذين يرَوْنَ كلَّ تجديدٍ خُرُوجًا على الشريعة، وتفريطًا في الدِّين. والملفت أن شيخ الأزهر ناقش هذه القضايا في برنامجه التلفزيوني، وتوصل إلى اجتهادات عصرية بشأنها، مثل جواز تولي المرأة الوظائف العليا والقضاء والافتاء، واجاز لها السفر دون محرم، واعتبر الزواج التعسفي حراما وجريمة أخلاقية، ونهى عن منع المرأة من الزواج بكفء ترضاه دون مبرر، وأجاز تهنئة المسلمين لغير المسلمين وغيرها.
أخيرا أتمنى لهذه الخطوة الإصلاحية النجاح والفلاح، كما أتمنى أن نرى خطوات جديدة في الاتجاه الصحيح في كل انحاء العالم، تسهم في تجديد الفكر الديني ونقده، بما يخدم خير الإنسان وكرامته وتعزيز حقوقه وحريته.
لندن في السابع من شهر أيار- مايو 2021
الدكتور كامل فريد السالك
لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقناة السعودية بمناسبة مرور خمس سنوات على اطلاق رؤية السعودية 2030: https://youtu.be/eriiLN1XIa0