الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 27تاريخ التسجيل : 28/08/2021
موضوع: تنظيم الأسرة وتحديد النسل… قيود دينية وثقافية الثلاثاء 28 سبتمبر 2021 - 0:30
تنظيمالأسرةوتحديدالنسل… قيوددينيةوثقافية
تحديد النسل وتنظيم الأسرة من القضايا التي بدأت تطرح في النقاشات وترد على ألسنة القادة والمفكرين والسياسيين، بعدما كان موضوعا خارج النقاش في ثقافة المجتمعات في العالم العربي.
وقد أشار كثير من المعنيين إلى خطورة التزايد السكاني المنفلت. حتى أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، لم يترك مناسبة دون أن يحذر الشعب المصري من خطورة النمو السكاني في مصر وأثره السلبي على مشاريع التنمية وخطط التطوير. ومن الملفت أن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي رفض مؤخرا خلال الجلسة النقاشية: "حقوق الإنسان … الحاضر والمستقبل" اقتراح قدمه الإعلامي ابرهيم عيسى طالب فيه بتحديد النسل من خلال تقييد المعونة الاجتماعية والمالية الذي تقدمها الدولة وقصرها على الطفلين الأول والثاني فقط في الأسرة الواحدة، وحجبها عن بقية الأطفال. وهو اقتراح خضع للنقاش المكثف بين المفكرين والسياسيين ورجال الدولة في مصر، بوصفه أداة تسهم في الحد من النمو السكاني وخاصة في الريف المصري. وقد استند الرئيس السيسي في مقاربته للموضوع على اساس أن مشكلة التزايد السكاني لا يمكن حلها عن طريق إصدار قانون ملزم. وأشار إلى أن إصدار قانون شيء وتطبيق هذا القانون شيء أخر. فمن الصعوبة تطبيق قواعد القانون المنافية لثقافة المجتمع وتقاليده ومعتقداته الدينية. ثم أنه لو افترضنا أن الدولة قصرت المساعدة على الطفلين الأول والثاني في الأسرة الواحدة وحجبتها عن بقية الأطفال، فماذا سيكون مصير هؤلاء الأطفال في ظل عدم قدرة الأسرة على تقديم متطلباتهم من غذاء ودواء وتعليم؟
إحصائيات
يتجاوز عدد سكان مصر حاليا مئة مليون نسمة بعدما كان لا يتجاوز عشرين مليون نسمة في عام 1950، ما يعني أن عدد السكان تضاعف خمسة أضعاف خلال سبعين عاما. وفي كل عام يزداد السكان بمعدل 2,5 بالمئة، اي بما يعادل مليونين ونصف نسمة كل عام استنادا إلى عدد السكان الحالي. والعراق الذي كان عدد سكانه في عام 1950 لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة، يبلغ عدد سكانه الآن الأربعين مليون نسمة، ما يعني أن عدد السكان تضاعف ثمان مرات خلال سبعين عاما. وقد بلغ عدد سكان سورية عام 1950 حوالي ثلاثة ملايين وربع نسمة، في حين يتجاوز عدد السكان الآن 22 مليون نسمة، ما يعني تضاعف عدد السكان أكثر من ستة مرات خلال هذه الفترة. ونفس الشيء ينطبق نسبيا على بقية البلاد العربية.
لو قارنا نسبة النمو السكاني في الدول العربية المذكورة مع نمو عدد السكان في نفس الحقبة في الدول المتقدمة اقتصاديا مثل إنكلترا وألمانيا وفرنسا، لوجدنا فارق كبير في نسبة النمو. ففي فرنسا كان عدد سكانها عام 1950 حوالي 40 مليون نسمة في حين عدد سكانها الآن يقدر 65 مليون نسمة. وفي بريطانيا كان عدد السكان في عام 1950 حوالي 50 مليون نسمة، ويقدر في الوقت الحال 68 مليون نسمة. وفي عام 1950 كان يعيش في جمهورية ألمانيا الاتحادية ما يقرب من 51 مليون نسمة. ارتفع عدد السكان إلى 7,63 مليون نسمة عام 1990، ثم زاد عدد السكان 16 مليون نسمة بعد توحيد ألمانيا في عام 1990، وذلك بسبب انضمام سكان ألمانيا الشرقية. وأما عدد سكان ألمانيا الآن فيبلغ 83 مليون نسمة. وهذا يعني أن عدد سكان هذه الدول ازداد فقط بنسبة لا تتجاوز 40 بالمئة خلال السبعين سنة الأخيرة. وهناك ثبات نسبي الآن في عدد سكان هذه الدول. فيشير بيان المكتب الاتحادى الألماني للإحصاء الخاص بتقدير عدد سكان ألمانيا، إلى أنه لا يزال 83.2 مليون نسمة دون زيادة. ووفقاً لبيان المكتب الاتحادى للإحصاء، فإن عدد المواليد فى ألمانيا فى عام 2020 لم يتجاوز 775 ألف مولودا جديدا، بينما كان عدد المتوفين يعادل 980 ألف شخصا، ما يعني تناقص في عدد السكان.
أثارالتضخمالسكاني
لفت عالم الاقتصاد البريطاني مالتوس (Thomas Robert Malthus) الانتباه لأول مرة عام 1798، في كتاب يحمل عنوان "مقالة حول مبدأ السكان (An Essay on the Principle of Population) إلى أن وتيرة التكاثر السكاني هي أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك. وهذا من شأنه أن يؤدي في المحصلة إلى اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وجوع، وبروز لظواهر مجتمعية سيئة مثل التشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة. ورغم الانتقادات الكثيرة الموجهة لهذه النظرية والتشكيك في صحتها، فإن العلماء اليوم يحذرون من أثار التزايد السكاني الذي يتجلى في قضايا هامة مثل تجاوز القدرة الاستيعابية للأرض والاحتباس الحراري والانهيار البيئي الوشيك والعوامل المؤثرة على جودة الحياة والخطر من حدوث مجاعة جماعية، كما يحذرون من ما سيؤل إليه الوضع عندما يستهلك السكان الموارد غير المتجددة ما يؤدي إلى استنزاف تلك الموارد وإحداث تغيرات في أنماط الحياة. ويكفي فقط أن نقارن مدينة مثل دمشق قبل الانفجار السكاني ودمشق الآن لندرك الأثر المدمر للانفجار السكاني. كانت دمشق من أكثر مدن العالم تنظيما وجمالا في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان عدد سكانها نصف مليون نسمة. وبسبب النمو السكاني والهجرة من الريف إلى المدينة، يتجاوز عدد سكانها الآن خمسة ملايين نسمة. وهذا أدى إلى جفاف نهر بردى شريان المدينة التي يمدها بالماء، والقضاء على غوطتها الغناء رئة المدينة التي كانت تمدها بالهواء العليل. وتحولت دمشق من أجمل مدن العالم وانظفها إلى وضعها الحالي.
تحديدالنسلضرورةملحة
الحقيقة أن مسألة تحديد النسل وتنظيم الأسرة أصبحت قضية ملحة في كل المجتمعات الإنسانية، وعلى الأخص المجتمعات العربية. وقد بات من المستحيل تنفيذ مشاريع تنمية بشرية ونهضة علمية وتقنية ومعرفية في ظل الزيادة المقلقة للسكان وغياب سياسات واضحة لتحديد النسل وتنظيم الأسرة. فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، ومن المستحيل على الدولة أن تقوم بتنظيم المجتمع وضبطه بدون تنظيم الأسرة وتحديد النسل. ويكفي أن نشير هنا إلى التجربة الصينية. فالصين من الدول القليلة في العالم التي طبقت سياسة صارمة لتنظيم الأسرة. وهذه السياسة هي ما يُعرف باسم سياسة الطفل الواحد، التي انتهجتها الصين منذ عام 1978، وتتلخص في منع انجاب أكثر من طفل لكل عائلة في المناطق الحضرية، مع وجود استثناءات للأقليات العرقية وبعض المرونة في المناطق الريفية. وقد أثارت هذه السياسة الكثير من الجدل، فقد تسببت في زيادة حالات الإجهاض القسري، ووأد البنات، وتقليل الإبلاغ عن المواليد الإناث وسببت بتأثير طفيف على التوازن بين الجنسين في الصين. وفي عام 2015 أصدرت الحكومة الصينية قرارا يسمح لكل عائلة بإنجاب طفلين كحد أقصى من غير شروط بدلا من سياسة الطفل الواحد. وأهم نتائج هذه السياسة هو انصراف الوالدين الى تأهيل طفلهم الوحيد والتركيز على تعليمه وتربيته وتأهيله، حتى أصبح الصينيون من الأكثر تأهيلًا وتعليما في كل العالم، وأدى ذلك إلى نشوء أجيال من الكفاءات الصينية المتميزة بالجدية والانضباط والمسلحة بالعلم والمعرفة والمهارة، ساهمت في نقل الصين الى مركز الريادة في العالم.
الحلولوالبدائل
الرئيس السيسي كان محقا عندما أشار إلى أن ضبط النمو السكاني وتنظيم الأسرة لا يمكن حله في عالمنا العربي عن طريق قانون صارم يحدد عدد الأولاد المسموح به للأسرة أو عدد الأولاد الذين يستفيدون من دعم الدولة، ولكنه وللأسف لم يشر إلى البدائل المتاحة لمعالجة هذه الظاهرة المقلقة. وفي قمة هذه البدائل نشر الوعي حول أهمية تنظيم الإنجاب وعدد أفراد الأسرة وخاصة لدى النساء. وهذا يتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم الدينية والثقافية التي تقف عائقا أمام تحديد النسل وتنظيم الأسرة. مثل موقف الدين والمجتمع الذي يقيد دور المرأة ويعارض استعمال موانع الحمل، ويؤيد انجاب الأطفال بدون قيود. ولا بد من تغيير بعض السلوكيات في المجتمع وبعض العادات التي تشجع انجاب الأطفال لزيادة عدد أفراد العشيرة أو من أجل زيادة عدد أتباع هذا الدين أو تلك الطائفة أو لاستخدامهم في الحروب المحتملة أو حتى تجنيدهم في الحركات الاصولية. ولا بد من تعزيز دور برامج التنمية المستدامة التي تستهدف النهوض بكافة القطاعات الصحيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والخدماتيّة، والقانونيّة وغيرها، ومحاولة إيجاد فرص عمل والحد من البطالة من خلال تشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية البشرية التي تعني تحسين القدرات البشرية، ويكون ذلك من خلال تطوير المعرفة التي يمتلكها الأفراد وتحسين مهاراتهم وقدراتهم وصقل ثقافتهم وتنمية مواهبهم وزيادة وعيهم لأثار الانفجار السكاني، وتوجيه بوصلتهم إلى المجال الإنتاجي و استصلاح الأراضي الفارغة وتحلية المياه المالحة لمعالجة مشكلة شح المياه وغيرها من الأمور والخطط التنموية الفاعلة.
وعلينا أن نعي في عالمنا العربي أن استعادة أمجادنا، لن تكون من خلال زيادة عدد السكان، بل على العكس من ذلك من خلال تنظيم سليم للأسرة، والتركيز على النوعية وليس على الكمية فحسب. فالحروب الآن لن تقوم كما يتصور البعض بواسطة البندقية والدبابة والاسلحة العسكرية، ولكن من خلال الأسلحة الفكرية والمعرفية التي يمكن أن تخلق القوة المادية والمعنوية المطلوبة لتكوين أمة متقدمة واعادة أمجاد السلف.