الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 1467تاريخ التسجيل : 21/12/2009الابراج :
موضوع: البرزانية والطالبانية وجهان لعملة واحدة الخميس 7 أكتوبر 2010 - 11:09
البرزانية والطالبانية وجهان لعملة واحدة !
جمال محمد تقي
عملة الارتزاق والتسلط والوصاية والفساد والاستبداد ، فما حدث للصحفي الشاب سردشت عثمان على ايدي عسس العائلة المالكة في بادينان "العائلة المقدسة والمطلقة الاحكام" من خطف وقتل ومن ثم تشويه للوقائع والحقائق ، من خلال رمي تهمة ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة ، على تنظيم انصار الاسلام المحسوب على القاعدة ، وفبركة ادلة لا تدل الا على ضحالة اصحابها واستهتارهم بعقول الناس ، ليس بحالة عابرة وزائلة ، انما هو ظاهرة تعبر عن نهج عام وشامل لكتم الاصوات بالترهيب تارة ، واخرى بالترغيب ، كما هي عادة كل الطغاة المتسلطين في اي مكان او زمان ، وما النيل من الاصوات الشريفة والاقلام النظيفة والارادة الحرة لابناء الشعب ، الا سيف مسلط على اي معارض او ناقد او مطالب بالتغيير ، ان كان صاحبه يتنفس هواء امارة برزان او طالبان ، الامر سيان !
الاثنان " البرزاني والطالباني " مولعان بتقاسم المكاسب والمناصب ، فالاول يريدها رئاسة ابدية لاقليم في طور التحول الى دولة ، والثاني يريدها رئاسة حتى الموت للعراق كل العراق ، وكل منهما يرسم لنفسه خارطة طريق تحسب حساب للطارئات ، من خلال حرصهما على عدم وضع المحصول بسلة واحدة ، لذلك فهما يضعانه بسلال مؤمنة خارج نطاق مرمى النيران ، وهي مسجلة باسماء الابناء والاحفاد ، حتى يتوارثوها دون انقطاع ، وحتى يفوتوا الفرصة على كل متربص بثروة العمر ، انهما لا يترددان بفعل العجائب ، وتجاوز كل الحدود في تعذيب وقتل واخضاع اوشراء ذمم المعارضين والناقمين ، انهما يقلدان الشيطان لاجل ابقاء ملكهما بمأمن من ثورة الرافضين ، فمن عمليات نهب المال العام الى السمسرة لشركات النفط والغاز ، الى الاستعداد لرهن الارض وما عليها مقابل المال والسلطة الى عمليات تزوير الانتخابات واخيرا تلاعبهما بالتوزيع السكاني والتحضير لتمرير اكبر عملية تحايل في تاريخ سجلات التعداد السكاني في العراق وخاصة في مناطق كركوك وديالى ونينوى وصلاح الدين !
كان البرزاني الاب لا يؤمن بشيء اكثر من ايمانه بان الغاية تبرر الوسيلة ، والغاية في عرفه ان يكون هو وعائلته وعشيرته امراء على قومهم ، لذلك كان اشد ما ينغصه هو ظهور منافسين له يريدون تحقيق غايات اخرى لا تنسجم مع غايته ، وكان لا يخفي شغفه هذا لكنه كان يدغمه بعاطفة صوفية ليست بصادقة ، وليس ادل على ذلك من عبارته الذائعة بين المهتمين بالشؤون الكردية ، حيث كان يردد في مجالسه : مستعد لخدمة الشيطان اذا ساعدني على تحقيق غايتي ، وقولته الاخرى التي تعتبر من اهم وصاياه لورثته من الابناء ، ادريس ومسعود ، واللذين طبقاها حرفيا بعد وفاته ، والقائلة : اذا قامت اي حركة مسلحة بين كرد العراق ولسنا من يقودها ، فاننا سنكون في مقدمة من يتصدى لها .
اما من اهم الامثلة على المعطيات التاريخية التي تؤكد هذا الهاجس الحركي "للبرزاني الاب" المشبع بالنرجسية الشخصية والعشائرية ، والغير عابئة بالنتائج الكارثية المترتبة على تداعياتها ، فهي القتال الدامي الذي دشن انطلاقة الحركة في العهد الجمهوري ، بين عشائر البرزانية والهيركية والسورجية ، وايضا الصراع المرير بين البارزاني ـ الباديناني ـ وابراهيم احمد ـ السوراني والذي يتواصل حتى الان بين ورثة الجانبين المتمثلين بحزبي الاخوة الاعداء ، حزب الطالباني زوج ابنة ابراهيم احمد ، وحزب مسعود البرزاني !
مما تقدم يسهل على القاريء الكريم معرفة اهمية الدوافع الفردية ونوازعها في مسارات حركة التمرد الكردية التي قادها البارزاني ، واسباب اقامتها لاوثق العلاقات مع دولة اسرائيل المنبوذة من معظم شعوب ودول المنطقة ، ناهيك عن العلاقات الوثيقة بنظام الشاه المقبور والمخابرات الامريكية .
علاقة حركة الملا مصطفى البرزاني باسرائيل تمتد تصاعديا وبوتيرة متفاوتة منذ عقد الستينات وحتى الان ، حيث تعيش عصرها الذهبي ، وتحديدا بعيد انطلاق حركة التمرد العشائري الذي قاده البرزاني الاول ، حركة ايلول عام 1961 ، والتي لاقت دعما متعدد الوجوه من قبل جهاز السافاك الايراني وبرغبة شاهنشاهية حثيثة للتدخل المباشر بالشؤون الداخلية للعراق ، وايضا باسناد ودعم من قبل الكارتلات النفطية العاملة في العراق وتحديدا في حقول كركوك ، وقتها فقط تمكنت اسرائيل من الدخول على الخط والتغلغل الى قمة قيادة الحركة ومن خلال نفس المنفذين ، سافاك ايران والاجهزة الامنية التابعة لشركات النفط متعددة الجنسيات العاملة في العراق .
من المفروغ منه ان الموساد الاسرائيلي كان وبواسطة قسم شؤون العراق ، يجتهد لزرع ركائزتجسسية واستطلاعية واخبارية داخل العراق ، لما له من مكانة متقدمة في اهداف المشروع الصهيوني بمجمله ، وكانت تبعية العراق للمعسكر الغربي وتحديدا البريطاني والامريكي قد سهلت هذه المهمة ، ورغم ان حالة العراق وقتها محط غبطة المخابرات الاسرائيلية وخاصة فيما يتعلق الامر بتناقض سياسة النظام الملكي في العراق مع نظام ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر وخاصة بعد الحرب الثلاثية على مصر عام 1956 والتي شنتها بريطانيا وفرنسا واسرائيل ، بعد تنفيذ اجراءات تأميم قناة السويس من قبل الحكومة المصرية ، الا ان تلك المخابرات كانت لا تبخل في بث العيون وتجنيد المتعاونين وخاصة في الزوايا القريبة من دوائر صنع القرار ، وبطبيعة الحال كان لوجود كفاءات يهودية عراقية مهاجرة لاسرائيل ومتعاطفة اصلا مع الحركة الصهيونية قد ساعد على تحقيق بعض النجاحات البدائية ، وهؤلاء كانوا يعدون بالعشرات فقط من اصل حوالي 130 الف يهودي عراقي ،عاشوا قبل هجرتهم في وسط وشمال وجنوب البلاد ، وتحديدا في بغداد وكركوك والبصرة حيث اضطروا لمغادرة العراق بضغوط من الحركة الصهيونية ذاتها قبيل وبعد نكبة 1948 ومن خلال تفاهمات سرية غير مباشرة مع الحكومات العراقية ، وايضا بسبب مضايقات الغوغاء ، ومازالت الاكثرية فيهم وفية لاصولها العراقية ، على الرغم من عيشتهم داخل اسرائيل ومنهم من ترك اسرائيل وفضل العيش في بريطانيا وامريكا بعد هجرته من العراق !
بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 وتهديدها لمصالح شركات النفط الاحتكارية العاملة في العراق ، وجديتها في تطبيق قانون نزع الملكية الزراعية الكبيرة وتوزيعها على الفلاحين المعدمين ـ قانون الاصلاح الزراعي ـ ونتيجة للمد اليساري العارم الذي شهده العراق وقتها ، وتعزز قوة ومكانة العراق في المنطقة ، تكالب تحالف المتضررين منها داخليا وخارجيا ، اسرائيل ونظام الشاه وشركات النفط يدعمون البرزاني وتمرده العشائري ، الانظمة العربية المحافظة والتابعة للغرب ـ الكويت والسعودية والاردن ـ تدعم ضباطا وحركات مناوئة ، نظام عبد الناصر والقوميين والبعثيين يدعمون خيوطهم العسكرية والمدنية ، اتفق جميع هؤلاء المختلفين على الاطاحة بنظام الجمهورية الاولى ، وفعلا اثمرت جهودهم بقيام انقلاب 63 الذي رحبت به كل الاوساط اعلاه ، بعد الانقلاب كانت اسرائيل قد طورت من اتصالاتها المباشرة بالحركة الكردية وراحت ترسل البعثات التدريبية الى شمال العراق وتستقبل الوفود السرية في تل ابيب ، فالبرزاني الاب قد زار اسرائيل مرتين وكان حينها برفقة السيد محمود عثمان عضو البرلمان الحالي عن التحالف الكردستاني الذي لا ينكر هذه الزيارات ولا طبيعة تلك العلاقات خاصة وان هناك وثائق اسرائيلية معلنة تؤكد هذه الوقائع ، وقد ذكر ايضا ان للبرزاني بيتا مخصصا له في تل ابيب كان يقيم فيه بعد اندحار حركته عام 1975 وانه كان يتعالج هناك قبل وفاته !
بعد صدور بيان 11 اذار عام 1970 لم تنقطع علاقات البرزاني باسرائيل ، وبنفس الوقت لم تنقطع علاقاته مع نظام الشاه ، حتى جاءت اتفاقية صدام ـ الشاه عام 1975 حيث تم وقتها فقط اتخاذ الشاه قرارا بوقف كل اشكال الدعم للبرزاني ، والذي صابته خيبة امل في مواصلة السير لتحقيق غاياته فراح يعيش متنقلا بين امريكا واسرائيل حتى مات ، وعندما قامت الثورة الاسلامية في ايران 1979 اخذ النظام الجديد في ايران يقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به نظام الشاه بالنسبة للعراق من احتواء وتجنيد المعارضين والهاربين ، للتدخل في شؤون العراق وابتزازه ، ولكن هذه المرة بشكل اوسع واكثر كثافة ، فالاحزاب ** العراقية ـ كالدعوة والمجلس ـ اضيفت للاحزاب الكردية في خدمة الاجندة الايرانية بالضد من الحكم الوطني في العراق ، هذا التطور الجديد لم يشل العلاقات البرزانية والطالبانية مع اسرائيل بل انفتحت افاق جديدة فيه ، ومنها الاتصال والتواصل وتبادل المعلومات والقيام بمهمات خاصة وسرية للغاية ، بواسطة مكاتب تلك الاحزاب في دول اللجوء في اوروبا وامريكا كي لا تنكشف اوراقهم التخادمية المزدوجة والمحرجة امام طهران ودمشق !
في كل مشاهد حلقات مسلسل حروب الخليج الاولى والثانية والثالثة كانت لاسرائيل يد وعين فاعلة وغير ظاهرة في الصور الماخوذة عفويا عنها ، وذلك لحصاد ما يمكن حصاده من فوائد تصب اولا واخيرا لمصلحتها ، وكانت الاحزاب الكردية وجماعة المؤتمر الوطني العراقي الذي اسسه احمد الجلبي والذي استقطب مئات من عراقيي الخارج المستعدين للخدمة وتحت اي راية كانت مقابل التبني والتمويل وبعض الحماية ، من امثال اراس حبيب وانتفاض قنبر ومثال الالوسي ، كانوا جميعا جسرا لعبور السي اي اية ، والموساد ، واطلاعات الايرانية ، الى ادق دقائق مايسمى بالمعارضة العراقية ، والى بناء شبكات تجسس مموهة في شمال ووسط وجنوب العراق ، وكانت كواليس مؤتمرات المعارضة العراقية قبل احتلال العراق شواهد حية على صحة ماذهبنا اليه ، وذلك منذ انعقاد مؤتمر " نصرة شعب العراق " في طهران وبرعاية ايرانية ، اثناء حرب الخليج الاولى ، حتى مؤتمري لندن وصلاح الدين قبيل عملية غزو العراق واحتلاله ، مرورا بمؤتمري بيروت وفيينا اثناء حرب الخليج الثانية !
بعد احتلال العراق اصبح الباب مفتوحا على مصراعية امام الموساد لاقتحام مواقع ومناطق كانت عصية عليه في عراق ماقبل الاحتلال ككركوك والموصل وبغداد والبصرة ، وكانت مهمته اكثر سهولة من مهمة السي اي اية واطلاعات الايرانية لانهم ومنذ انشاء الجيب الامن في شمال العراق عام 92 كانوا من انشط الاجهزة عملا داخل الاقليم الشمالي وقد استطاعوا خلال تلك المدة تجنيد العشرات ليكونوا عيونا لهم في مدن العراق الاخرى ، اضافة لهيمنتهم على عقلية صانع القرار في الاقليم ، فهم من يدفعون امراء الاقليم لاتباع سياسة استثمارية نفطية بمعزل عن حكومة بغداد ، وبضماناتهم قامت الشركة النفطية ذات الماركة النرويجية والتي يشارك بادارة اعمالها حاليا السفير الامريكي خليل زادة بمباشرة اعمال الاستخراج النفطي في حقلي طقطق وزاخو ، ويتم تدبير مشروع متكامل يجعل الاقليم قادرا على تصدير النفط والحصول على عائداته وبشكل مستقل تماما عن وزارة النفط العراقية ، وتسربت بعض المعلومات السرية القائلة بوجود صفقة تقتضي بدعم السعي لضم كركوك الى اقليم كردستان مقابل تعهد كردي بتمويل اسرائيل بنفطها عبر احياء انبوب حيفا المغلق منذ نكبة فلسطين او ما يعوض عنه ، ومن هذا المنطلق هناك تركيز استخباري اسرائيلي على كركوك ، ومن نفس المنطلقات عملت ايباك وصهاينة الدين النفطي في امريكا من ال تشيني ورامسفيلد على اقناع زملائهم من صهاينة الحزب الديمقراطي على اهمية الشروع بخلق ثلاث دول نفطية داخل العراق ، واحدة كردية واخرى سنية وثالثة شيعية ، فكان مشروع بايدن الساري المفعول عمليا هو البوابة التي تهندس الامر سياسيا بعد ان طبخ نفطيا واستراتيجيا .
من الواضح ان التحالف الاسرائيلي الامريكي يسير حثيثا بهذا الاتجاه ، ولكبح جماح تركيا التي تعتبر نفسها المتضرر الاول من هذا السعي ، فانهم يحاولون اقناعها بوسطة تخييرها الميداني ـ كأمر واقع ـ بين انخراطها بالاتحاد الاوروبي مع دعم وحدتها واستقرارها ، وبين العزلة والاضطرابات في حالة وقوفها المعرقل للمشروع الجاري تنفيذه على ارض العراق من بوابة كردستانه ، وما يجري من صراعات خفية بين اسرائيل وتركيا هي في حقيقة الامر انعكاس لافتراق مواقف الجانبين حول هذه القضية التي تعتبر خطيرة بالنسبة للامن القومي التركي !
شروط التحالف الكردستاني الاخيرة للتشارك مع اي حكومة عراقية قادمة هي الاخرى مفعمة بمعاني الندية والابتزاز والتنصل بل والتلميح باعلان الانفصال ، ناهيك عن عرقلة اي توجه طبيعي لتسليح الجيش العراقي ، والاعلان عن استعداد امراء الاقليم للموافقة على اقامة قواعد امريكية في مناطقهم بمعزل عن موافقة او رفض حكومة بغداد ، ليس من العجائب اذن ان تكون اسرائيل وراء تصلب مواقف القيادات الكردية حتى ازاء بعض المطالب الامريكية التي تدعوهم لابداء المرونة هنا او هناك ، فاسرائيل تعتبر استقلال الاقليم نفطيا وماليا ، وضم كركوك له ، واعتبار جيش الاقليم هو المخول فقط للبت في امور الدفاع والسيطرة على حدود الاقليم ، ومن كل الاتجاهات بما فيها جهة الحدود الادارية مع المدن العراقية الاخرى ، ثم عرقلة قيام جيش عراقي قادر ومحترف ، وذلك من اجل استكمال جهوزية الاقليم وازاحة كل احتمالات نكوصها ، نحو اعلان نفسه كدولة مستقلة وبدعم استراتيجي مباشر من قبل اسرائيل وامريكا ، اما ايران التي ستروض بضربات قاسية او بتفاهمات يجري فيها تقاسم الادوار وربما بالاثنين معا ، فهي الاخرى تساهم في انجاح هذا المشروع من خلال دعمها لقيام دولة طائفية في جنوب العراق ، وكأن تقسيم العراق سيفتح الطريق امامها للمزيد من التوسع والقوة ، متجاهلة المخاطر المحدقة بها من جراء غض الطرف عن قيام دولة كردية على حدودها وبأجندة اسرائيلية ، متناسية ان تقسيم العراق سيحرك براكين خامدة ، تشعل المنطقة برمتها ، وهي اهل لها من باب ان ليس امام العراقيين الاصلاء غير السير في الطريق الموصلة الى واقع ،علي وعلى اعدائي ، حيث لا مكان في طقسه المشحون بالتعادي لدويلات المكونات ، المسيجة صناعيا ، فلا دولة كردية ، ولا شيعية ، ولا سنية ، ستكون صالحة للبقاء وقتها ، ولا يصح الا الصحيح .