قرية ميسانية في جنوب الوطن ، دجاجها امسى بلا ديكة ، طرفة حقيقية سمعتها من شيخ ميساني مُسن رواها لي ونحن نحتسي قهوة لا طعم لها ، وتجمعنا هموم الوطن الذبيح.
قال الشيخ العجوز الميساني : ذات يوم جاء قريتنا معمم ، اصفر الوجه ، كسيح الأبتسامة المزيفة ، يتفنن بصنعها واصطناعها على الدوام ، تراه يوما يجالس كبار السن ، المشدوهين بأنين قلة الحيلة حيال شحة القوت ، وفوضى سيادة النغولة ، وشمخرة الدخلاء عَقِبَ الغزو البغيض ، وهو ينفث سموم دعوات الفرقة والإنقسام والتقسيم وقسمة المقسم الى اقسام ضائعة... ويوما ، يتوسط الشباب المندفع الى لا شئ ، والمستنفر لفعل كل شئ ، وهو يثير فيهم روح التحدي وكسر حاجز القيم ، والخروج على نُظُم المجتمع لتحقيق كسب المال غير المشروع ، والفوز بوجاهة سقط المتاع ، وإحلال الزائل محل الثابت وتحليل المحرم ، وتحريم الحلال ، وإفهامهم ان كل ذلك مباح ، لكنه مشروط بسماح اصحاب العمامة التي لم يُختَن غالبية اهلها... ويختفي يوما وكأنه يلبس طاقية الإخفاء ...
وهذا المعمم الدخيل على اهل القرية والغريب عنها يصول ويجول ويكبر يوما بعد يوم ...
يقول محدثي الشيخ الكبير ، انه ذات يوم طلب المعمم ان اوصله الى خارج القرية ، فأخذته بسيارتي المتهالكة وانا فَرح بجلوس صاحب عمامة بسيارتي وكأن ريش الطاووس على رأسي انا ، رأتني عجوز من معمرات القرية ، وهي تفترش الارض قبالة بيتها الذي لا سياج له سوى بضعة اعواد متكسرة من القصب والبردي، فاومأت لي بيدها المثقلة تستوقفني ، وقفتُ ، فقالت ، مَن هذا ابو عمامة ، اخبرتها انه السيّد ( يا جدة ) ، قالت هاااا ( من يوم لفى السيد ماضلت ديوكة تصيح بالقرية ) ...
لانهم كانو كل يوم يستضيف احد اهل القرية ويذبحون له ديك يتزقنبه فلم يبق سوى الدجاج ...
هكذا اذن حَكَمَ القرية رويبضة ، وأشاع شرعة الخراب واغتصاب اموال الخلق وهم راضون بحكمه وأحكامه مادامت مختومة بمهر السيّد . السيّد لديه اطماع ليس لها نهاية ، والهولوكوست طريقه السهل لتحقيق هذه الاطماع ...
صرت امقت الكلام واهل الكلام ، فقد بلغ السيل الزبى وفاض الصبر ولم يبق في القوس منزع ... انه وقت الفعل لا الكلام لهذا يا اهلي ، اهل العراق ، كان اسلافنا عندما يصفون رجلا بالشجاعة ، يقولون عنه انه قول وفعل ...
اعصموها برقبتي : فلا طريق لحلو الحياة الّا بالعز والشموخ فقد طال السكوت ، وكثر الهرج والمرج ، واعلمو ان كرامة الانسان فوق كل عنوان ، فأما حياة تسر الصديق او ممات يغيض العدا.