الكاردينال ساكو يشارك في يوم الشهيد العراقي واسبوع الوئام العالمي بين الاديان
الكاردينال ساكو يشارك في يوم الشهيد العراقي واسبوع الوئام العالمي بين الاديان
الكاردينال ساكو يشارك في يوم الشهيد العراقي واسبوع الوئام العالمي بين الاديان
اعلام البطريركية
اشترك صباح يوم السبت 5 شباط 2022 غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بالاحتفال الرسمي الذي نظمه سماحة السيد عمار الحكيم في قاعة بغداد ضمن مجمع تيار الحكمة بمناسبة يوم الشهيد العراقي واسبوع الوئام العالمي بين الاديان، وقد رافقة سيادة المطران باسيليوس يلدو والاب بسمان فتوحي.
وحضر الاحتفالية كل من فخامة رئيس الجمهورية د. برهم صالح، ودولة رئيس الوزراء الاستاذ مصطفى الكاظمي ودولة رئيس مجلس النواب الاستاذ محمد حلبوسي وسيادة رئيس مجلس القضاء الاعلى د. فائق زيدان، وقد القوا كلمات بعد كلمة سماحة السيد عمار الحكيم. وقد حضر ايضاً عدد كبير من الوزراء والنواب ورؤساء الاحزاب ورجال الدين والنخب الاكاديمية.
واليكم كلمة البطريرك ساكو
السادة الحضور الكرام، أحيي حضراتكم في هذه المناسبة الجليلة التي تجمعنا ضمن قواسم وجدانية مشتركة: ذكرى استشهاد سماحة السيد محمد باقر الحكيم ويوم الشهيد العراقي واسبوع الوئام العالمي بين الاديان.
الشهادة، هي الحب الأعظم. إنها شجاعة التضحية بالذات، في سبيل الايمان أو الوطن او قضية عظمى. وتاريخ الأديان مزدان بشهداء الايمان، ومسيرة البلدان معطرة بعبق شهداء الوطن. نحتفل بذكراهم، لنتعلم من مواقفهم وكلماتهم وأخلاقهم الحميدة.
نحن اذ نُحيي ذكرى مرور 19 عاما على الشهادة المأثورة للمغفور له سماحة السيد محمد باقر الحكيم وهو صائم وبعد إمامته صلاة الجمعة، نسأل الله ان تكون هذه المناسبة دافعاً للعراقيين بكل فِئاتهم، لا سيما السياسيين لكي يضعوا مصلحة العراق فوق أي مصلحة ويسعوا لإرساء السلام والاستقرار فيه بحيث يصيح نموذجا تحتذي به الدول التي فيها صراعات وانقسامات.
لقد خلق الله البشر حتى يكونوا بنات وابناء له، واخوة واخوات بعضهم البعض، ويعيشوا في غاية الفرح والسعادة، كمن يعيش الجنة على الأرض.
التعايش الاخوي السلمي هو مشروع حيوي يعده البشر مع بعضهم بنية صادقة عندما يطوعوا غرائزهم، ويغيروا فكرهم واحكامهم ومواقفهم التي قد تنجرّ لأن تحمل الكثير من التصلب والقسوة والكراهية والاحقاد وتصفية حسابات والفساد. لقد خلق هذا الفكر الملوَّث، في مجتمعنا تراجعاً للقيم والاخلاق، ونشر الفوضى وقوّض الاستقرار.
هذا الفكر أشد خطورة من جائحة كورونا. انه يتعارض مع تصميم الله، لذا أرسل الله رسلاً وأنبياءَ ليوجهوا الناس نحو سواء السبيل وإشاعة قيم التآخي والتسامح والتفاهم والاحترام والتعايش، بما يتضمن التنازلات ويستحق التعاون فيما بينهم مهما اختلفوا في التوجه الفكري والثقافي والقومي والجغرافي. هذه القيم ليست شعارات وعواطف، بل ينبغي ان تكون ضمير كل انسان ووجدانه وجزءً أساسياًّ من سلوكه.
كلُّ الديانات تؤكد على التاخي والتسامح والمؤدة والوئام بين البشر.
المسيح يوصينا بان نحبَّ بعضُنا بعضاً (يوحنا 13/34)، ويدعونا إلى ان نحب أعداءَنا ونحسن لمبغضينا (متى 5/44) ونغفر سبع مرات سبعين مرة ( متى18/22)، ومن ضربنا على خدنا ان نعرض له الاخر ( لوقا 6/29)، لان العنف يجلب عنفا آخر لا ينتهي؟ ويحذّر قائلاً: “من يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك” ( متى 26/52).
وفي القرآن الكريم جاء: “يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” (سورة الحجرات 13). لم يقل ايها المسلمون، بل ايها الناس، اي الكلام موجه الى الجميع.
المسيحية تشدد على المحبة، لأن الله محبة، والاسلام على الرحمة، لأن الله رحمن رحيم. ولقد ورد ذكر لفظة “الرحمة” في القرآن 268 مرة. المحبة والرحمة تعنيان الرقة، اي ليس فيهما أنانية ولا غيرة ولا حسد ولا قسوة. إنهما كالنسيم يُنعش.
في وصية أمير المؤمنين، علي بن ابي طالب لمالك بن الحارث الأشتر حين ولاّه مصر جاء: “اشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلَهم، فانهم صنفان اما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق”. اين المسؤولون من هذه الوصيّة!
في العراق فسيفساء أديان ومذاهب وقوميات وثقافات اصيلة بعمق تاريخ البلاد وليست جاليات انحدرت من كوكب آخر. وساهمت الى حد كبير في التاريخ العراقي والحضارة الاسلامية، لكنها للاسف اليوم مهمشة، بل مضطهدة مما دفع ابناءَها الى الهجرة.
فما هو يا ترى الحل لواقع عراقنا اليوم؟ إني ارى أن لا حل للعراق الا بإيجاد توليفة حقيقية تجمع هذا التنوع الجميل، وتحافظ عليه في مشروع وطني ديمقراطي بنظام مدني يحكم بقوانين ومؤسسات دستورية واجبة التنفيذ، وفي تساوي تام بين المواطنين.
القرآن يؤمن بالتعددية حيث تقول الآية الكريمة: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة، 62). وثمة تصريح رسمي للكنيسة الكاثوليكية حول احترام الاسلام والديانات الاخرى، جاء ذلك في وثيقة خاصة من وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني 1962. ان المسؤولية الأساسية للاعتراف بهذا التنوع الديني والقومي وقبوله والحفاظ على اللحمة الوطنية تقع على عاتق رجال الدين على تنوع أديانهم، وعلى الحكومة والتربويين والنخبة المثقفة.
واسمحوا لي ان أطرح بعض نقاط أراها مهمة لأن يتحقق هذا المشروع :
1. التربية: تأليف مناهج للتعليم جديدة بفكر واع ومستنير يقوم على الوحدة الوطنية وعلى عناوين عظمى مثل الاخوة واحترام التنوع الذي هو سمة العصر، وصيانة كرامة الانسان كما أكد البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق، وكما جاء في وثيقة الاخوة الانسانية في ابو ظبي سنة 2019، وقول المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني للبابا:”نحن جزءٌ منكم وانتم جزءٌ منا”. هذا التلاقي الانساني والروحي والوطني القائم على قيم أساسية ينبغي ان يعلم في البيت والمدرسة وبيوت العبادة والاعلام ورفع كل عبارات التجاهل والاستخفاف والاهانة من هذه المناهج حتى يتحول هذا الحس بالاخوة البشرية والكرامة، إلى حقيقة وقانون، فلا يشعر أحدٌ انه مستبعد.
2. تنقية الخطاب الديني من المعلومات المضللة، التي تفخخ الترابط المجتمعي، وصون الدين من التشويه والتسييس لغايات غير دينية، وانتهاج الفكر التنويري بدل التكفيري كما انتهجت الكنيسة الكاثوليكية منذ ستينيات القرن الماضي، وتقديم فهم معاصر لعدد من النصوص الدينية ضمن أطرها التاريخية، وتحريم اي تحريض على سلوك العنف كطريق لإلغاء الاخر، ونشر رسالة الانسجام والوئام من خلال الكنائس والمساجد والمعابد. كما يجب ألا تغيب عن التعليم الديني قيم الحياة والبيئة وكرامة الإنسان وحريته وحقوقه التي هي جزء أساسي من رسالة الأديان .
3. سَن قوانين جديدة لتنظيم أمور البلاد عوض التشريعات القديمة التي يعود بعضها الى العهد العثماني. تشريعات تركز على المواطنة الكاملة التي تضمن حقوق الجميع دون تهميش اي طرف.
الخلاصة: هذا هو الطريق لمستقبل أفضل لبلادنا قبل أن يستفحل حالُها من سيء إلى أسوأ، وهذه أراها البوصلة لتخطي الازمات المتراكمة والتوترات والصراعات التي صبت علينا نار جهنم. كفانا صراعات وانقسامات، لنتفرغ لتحقيق السلام والاستقرار وتوفير الخدمات وتحسين البنى التحتية، وتأمين مصادر الرزق، وفرص العمل، والتعليم، والأمن والعدالة الاجتماعية. البطل هو من يصنع المصالحة – والسلم الاهلي والاستقرار وتقدم البلد، وليس من يبحث عن مصلحته الخاصة ويصنع الفرقة والتوترات العبثية ويربك حياة المواطنين. شكرا.