الحاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة وإكسير حياة نحلم بها في الغربة
كاتب الموضوع
رسالة
البيت الارامي العراقي الادارة
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: الحاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة وإكسير حياة نحلم بها في الغربة السبت 9 أكتوبر 2010 - 5:06
الحاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة وإكسير حياة نحلم بها في الغربة
08/10/2010
كل حكام العراق زبائني الا الحاليين.. هؤلاء جهلة لا يعرفون عصيرنا! لايزال المحل الذي يبيع (شربت زبيب) منذ مئة عام، وقدم خدماته للحكام والمقاتلين والقوات الاميركية، يفتح ابوابه رغم ان العالم المحيط به اخذ بالذبول. وقد علقت على جدران المحل عشرات الصور، جعلت منه اشبه بمتحف يعكس اجمل ايام شارع الرشيد وهو الشارع الاكثر شهرة في العراق، بحسب لوس انجلوس تايمز. دكان الحاج زبالة جعل منه اصحابه متحفاً يضم عدداً كبيراً من الصور الفريدة عن بغداد القديمة، اذ يقول (محمود عبدالغفور) نجل (الحاج زبالة ): في حوزتي اكثر من 300 صورة تاريخية عن بغداد القديمة، فقد بذلت جهداً كبيرا في الحصول على هذه الصور. ودفعني بعضها الى السفر الى المحافظات العراقية من أجل الحصول على الصور النادرة، فأنا مولع بتاريخ بغداد، ليس بصفتي موطناً بغدادي الاصل فحسب. بل لاني انسان عراقي عاش نكبات هذا الشعب، وعرف قيمة هويته الثقافية الى جانب حبي للتراث البغدادي. ويبقى هادي ابو احمد في دكان عصير العنب في قلب بغداد كأنه يتوقع حدوث امر مثير ويبتسم كما لو ان هناك سرا او نكتة تضحكه. ويروي فيما هو يضع بضع اقداح في الصينية كيف احب صدام حسين أيام شبابه هذا العصير الذي دأبت عائلته على صنعه منذ اكثر من مئة عام. وكان صدام حسين يدفع للشرطة، في المرة التي سجن فيها لمؤامرة ضد قادة العراق، لكي يجلبوا له قناني العصير الى زنزانته. ويصر ابو احمد ان الشراب الذي اختصت به العائلة عنب خالص لامنكهات فيه. ونال استحسان العائلة المالكة والديكتاتوريين والممثلين والمطربين والراديكاليين الاسلاميين والجنود الاميركان. وعلى مر السنين كان دكان الحاج زباله مرآة لبغداد. ولم يعد العالم خارج الدكان في هذه الايام مثلما كان في ذروة ايام العمل. شارع الرشيد باعمدته المنقوشة وشرفاته المعدنية الرائعة آخذ بالذبول. واصحاب المحال فيه يقضون اوقاتهم منغمسين بالتنظيف. وعيونهم ترقب المخابز والمقاهي نصف الفارغة التي كانت تكتظ بالزبائن، والتي باتت اعمدتها سوداء مطلية بالقار بخشب متعفن. ويقول ابو احمد" لقد كان هذا الشارع الاكثر شهرة في بغداد". ويضيف الرجل الهادئ ذو الشعر الاشيب الذي بلغ 55 عاما" اذا المدينة جعلت الشارع وراء ظهرها فاننا نرفض موته، اننا نعتبره تاريخنا". ويصف نيد باركر شوارع بغداد بالقول: اليوم وبعد سقوط صدام حسين، انتعشت المدن الشيعية الواقعة في الجنوب والمدن الكردية الواقعة في الشمال. ومراكز هذه المدن تزدحم بالمشاة تماما في المساءات. لكن سكان العاصمة هم مجرد ظلال لانفسهم. ولم تعد بغداد تفخر بجاداتها التي كان الكل يختلط فيها مثلما كان يجري في شارع الرشيد. فالناس ينشدون الامان في مناطقهم المعزولة. ومع ان ابا احمد يلوم حظه السيئ على ما جرى من احداث بعد الغزو الاميركي عام 2003 ، الا انه يدرك ان الامور معقدة جدا. وقد حطم الزمن فترة السعد التي حظي دكانه بها. ففي الثمانينيات تراجع العمل عندما استدعت الحرب العراقية الإيرانيةَ ان يمضي الرجال للجبهة. وعندما اغلق صدام حسين المرور على الجسور التي توصل لقلب المدينة. وفي التسعينيات خسر شارع الرشيد زبائنه عندما بدأ افراد الطبقة الوسطى بالسفر خارج العراق. وبعد عام 2003 اصبحت بغداد تدريجيا مركزا للصوص والمجموعات المسلحة. ويقول ، مع ضحكة خافتة، ان افضل زبائنه قاموا بنهب المصارف والتوجه بعدها الى القاهرة ودمشق السورية. لكن الاحترام الكبير للمحل يساعد ابا احمد وعائلته على تجاوز الايام الحالكة الراهنة. وعندما هيمن المقاتلون المرتبطون بالقاعدة على شارع الرشيد وكانوا حينها يلقون بالجثث في البالوعات فانهم كما يقول" كانوا يقدمون للمحل ويشربون العصير هنا" ويضيف في اقرار للحقيقة" انهم على الرغم من سمعتهم الدموية كانوا دائما لا يتخلفون عن الدفع ". وكان يتكلم عن الاميركان بشفقة ويقول انهم وبعد كل قدح من العصير كانوا يرفعون ابهامهم استحسانا ويضيف" اتمنى ان يحكم الاميركان العراق بدلا من هؤلاء الناس". وهوس عائلة ابي احمد بالماضي جعلها تقلب الدكان الصغير الى " معرض" للايام الاحلى في شارع الرشيد. فهناك العشرات من الصور بالابيض والاسود معلقة على الحيطان الوردية. وهناك صورة معلقة للحاج زبالة والد ابي احمد الذي حمل الدكان اسمه ، مبتسما وشفتاه مزمومتان. وتروي الصور قصة عمل عائلة ابتدأ في عام 1900. وجادة الرشيد بدأها العثمانيون واكملها البريطانيون عام 1917 وهو ما اعطى بغداد شارعها الحديث الاول. ولشارع الرشيد مقاهيه ودكاكينه واسواقه وفيه مقرات وزارات حكومية. وكان الحاج زبالة وعماله يدقون على الصواني المعدنية ويغنون لجذب الزبائن. وكان الناس اذا ارادوا الاحتجاج على الحكم البريطاني فانهم كانوا يتجمعون على هذه الجادة وهم يعرفون دوما انهم سيرتشفون قدحا من عصيره العنبي. وحتى الطبقة الراقية وصناع القرار في العراق تذوقوا عصير حجي زبالة ، ومنهم نوري السعيد الذي كان رئيسا للوزراء لعدة مرات وكان يقف في الجانب الاخر من الشارع ويقوم الحاج زباله بنفسه بايصال العصير اليه. ويمكن تصنيف الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اطاح بالحكم الملكي عام 1958 كزبون دائمي. ويتذكر ابو احمد كيف صافح قاسم ايام كان صبيا. ويتكلم ابو احمد عن الرجلين باعجاب. ولا يتكدر لموت السعيد على يد جماعة من مناصري قاسم ولا علىاعدام قاسم بعد ذلك بسنوات قليلة. وتروي الصورالمعلقة على حائط الدكان ايضا قصةَ ايام بغداد التي ولت منذ مدة طويلة: حافلات بطابقين ملأت الشوارعَ مرّة؛ ساحة الفردوس عندما كان يزينها قوس معدني عملاق للجندي العراقي المجهول ولَيس تمثال صدام حسين الذي دمرته القوات الأميركية والعراقيون في نيسان 2003 بشكل علني. وهناك صور لفرق كرة القدم في بغداد ولممثلين عراقيين تألق نجمهم في الكوميديا الشعبية في الخمسينيات، ولمغنين مشهورين بالحانهم الحزينة. وليس هناك من صور لشخصيات اليوم السياسية في الدكان. ولا توجد صورة لصدام حسين ايضا. وعند سؤال ابي احمد عن السبب، يجيب "لا احد من المسؤولين يقدم الينا، فلمن اضع صورة ؟". ويضيف نابذا الفكرة"هم لا يعرفون شيئا عن عصيرنا ، انهم جهلة". ولايرى ان ثمة شيئا يدعو للابتهاج في بغداد هذه الايام. فاثار الطلقات في اعلى البنايات ونقاط التفتيش والكتل الكونكريتية التي لونها مثل شواهد القبور قد عزلت احياء بغداد. ويبقي ابو احمد متمسكا بتجارته . وفي بغداد فان خلاطات عصيرالفاكهة تزينها اهرامات البرتقال والرمان، لكن شربت الحاج زباله يقدم العنب فقط. وتؤمن عائلته ان للعصير قدرة على الشفاء فهو مفيد للجلطات والصداع وفقر الدم واضطرابات المعدة وامراض القلب. ويحصل المحل على عنبه من كردستان العراق في الشمال ويسافر افراد عائلته الى محافظة اربيل عدة مرات في السنة الواحدة للبحث عن الكروم. وكانوا يعصرون العنب بايديهم لكنهم في التسعينيات صمموا ثلاث مكائنَ فضيةَ لتقوم بالمهمة. ويحتقر أبو أحمد الطرق المختصرة التي يتبعها صنّاع العصيرِ الآخرون. ويقول "نحن نستخدم كميات كبيرة من العنب، اما الاخرون فيضعون مساحيق، نحن نحب ان نحافظ على سمعتنا ومن السهل ان نخسرها". وكثيرا ما تسمع العائلة ان العراقيين الذين هربوا من العراق منذ امد طويل يتساءلون احيانا"كيف هو حجي زباله؟" غير عارفين انه مات. والبعض الاخر من العراقيين يجيئون للدكان يدفعهم الحنين متذكرين كيف جاءوا اول مرة عندما كانوا اطفالا بعد ان انهوا عملهم في ورش الحدادة او قدموا مع اهلهم في سفرة من الجنوب.
بغداد/ واشنطن/ اور نيوز
الحاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة وإكسير حياة نحلم بها في الغربة