لم أكن ممن يعير اهتماما كبيرا للأحلام وتأويلها ، وكنت أمر مرورا عابرا على كل حلم أراه وسرعان ما يغدو عندي في طي النسيان فلا أكاد أذكره. ولكني قبل بضعة أيام رأيت فيما يرى النائم حلما أرَّقني وعكر مني المزاج وما زالت صورته واضحة كأنها ماثلة أمام ناظريَّ .
رأيت كأنني تحت الأرض وكأن باباً مغلقا أمامي يشي بما خلفه، ورأيت خلفه خلقا كثيرا بأشكال غريبة لا توحي لي صورهم بالإطمئنان، ورأيتهم كأنهم متعجلون للخروج ، فساورني الخوف لمرآهم وسألت نفسي من عساهم يكونون! فسمعت صوتا من خلفي لا أعرف مصدره: يأجوج ومأجوج .
استيقظت فزعا متعوذا بالله من الشيطان الرجيم ، وتذكرت حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه استيقظ ليلة فزعا وكان عند زوجته زينب وقال " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يُرَدِّدُهَا ثَلاثَا، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " وحلَّق بإصبعيه ، فقالت زينب أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخَبَث " وهل يوجد خبثٌ أكثر مما نراه اليوم ؟ قصص یآجوج ومآجوج اختلطت فيها الحقيقة بالخيال ، فقد ذكرهم الكتاب المقدس باسم Gog and Magog ، واقترن ذكرهم في الخيال الغربي بآخر الزمان حيث تقوم المعركة بين الكفر المتمثل بالشيطان وأتباعه من يأجوج ومأجوج مع الإيمان المتمثل بالمؤمنين من أتباع المسيح، فيظهر المسيح ليطهر الأرض من رجس الشيطان وأتباعه . وهناك اسطورة تقول أن لندن أسسها عملاقان هما يأجوج ومأجوج، ففي بناية الگلدهول الشهيرة Guildhall في لندن هناك تمثلان منتصبان يمثلان يأجوج ومأجوج. وقد آطلق اسم يأجوج ومأجوج على كل الشعوب البربرية التي كانت تنطلق عادة من أواسط آسيا كقبائل الهون The Huns والمگیار Magyar الذين استوطنوا هنكاريا فيما بعد، وقبائل الفايكنگ Vikings الذين اندفعوا من مجاهل اسكندنافيا ، والمغول من منغوليا الذين عاثوا في الشرق فسادا فتركوه خرابا يبابا . وحتى إلى وقت قريب نعت رونالد ريگن الروس بیأجوج ومأجوج. اقترن ذكر يأجوج ومأجوج بالإسكندر المقدوني في كتابات اليهود القدامى والآباء المسيحيين عندما سار بجيشه فاتحا بلاد المشرق حتى وصل مطلع الشمس، وهي بلاد خراسان التي كانت عرضة لهجوم القبائل الهمجية من وسط آسيا فبنى سدا يصل بن جبلين من الحديد المخلوط بالنحاس، فلم تستطع القبائل المتوحشة أن تعبر الوادي الذي فيه ذلك السد ، وتمتعت تلك البلاد بعد ذلك بالأمان. وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في سورة الكهف في قصة ذي القرنين " قَالُوا يَاٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا" والقرآن يذكر لنا في سورة الأنبياء صورة مخيفة لما يجري في آخر الزمان " حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ " أي أن الله سبحانه قرن قيام الساعة حيث تشخص في ذلك اليوم الأبصار بخروج يأجوج ومأجوج وتدميرهم لكل شيء . فمن هم يأجوج مأجوج الذين عنتهم الآية ؟ لايوجد تأويل أو خبر يقين حولهم، وأكثر ما ذكر المفسرون هو من باب قصص الخيال التي لا يطمئن لها الإنسان المتعطش للمعرفة. وأعترف أنني كنت أمر على هذه الآيات مرورا سريعا لأنني كنت أعتبرها من الغيبيات التي طوى الله عنا معرفتها . ولكني بعد ذلك الحلم المرعب بدأت أتأمل الآيات المذكورة في القرآن الكريم لعلي أرى ولو قبسا خافتا يوضح لي ذلك اللغز الذي أثاره القرآن. لا أدعي أن ما أقوله هو اليقين ولكنه ظن مبني على استقراء الأحداث . فليس بالضرورة أن يأجوج ومأجوج في هذا العصر قبائل متوحشة ، فقد ذهبت تلك العصور التي كانت تعج بالشعوب الهمجية خاصة التي كانت تسكن أواسط آسيا أو في ظلمات البلاد الإسكندنافية، ولكننا الآن نرى تفجرا سكانيا لم تشهده الأرض مدى تأريخها مع قلة الموارد الغذائية وتصاعد مطرد في معدلات التضخم يصاحبها غلاء متصاعد مع دخل محدود لأكثر من الناس وفقر مدقع لملايين منهم . ونرى في الجانب الآخر قلة ثرية بالكاد تستطيع أن تعد ملياراتها لكثرتها، فهم في نهمهم للمال كشارب ماء البحر كلما شرب منه كلما ازداد عطشا حتى يدركه الموت. وهذه القلة لا يهمها أن تثير الحروب المدمرة لتحقيق أطماعها، بل لا يرف لها جفن لمقتل الملايين الذين تعتبرهم خسارة جانبية لا بد منها لتحقيق الأهداف المرسومة . إنهمCollateral Damage ليسوا إلا. فترى الفتن المظلمة تطلع بقرونها علينا تباعا ، كل فتنة أخبث من أختها. واختلطت المفاهيم وشاع الإلحاد وغامت الرؤى فلا يكاد المرء يرى يده لشدة الظلمات التي يضطرب في خضمها. لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، ولا أرى حكام الأرض بفسادهم وأطماعهم ونرجسيتهم بقادرين على ذلك، وأرى نخبة من أصحاب العقول في هذا العالم، ولكنها صامتة مقهورة لا تستطيع أن توصل صوتها، وإذا ظهرصوتها للوجود فهو صوت خجل ضعيف مختنق سرعان ما يخفت ، فلا أرى إلا ما يسمى في التراث المسيحي ِApocalypse أي نهاية العالم كما نعرفه اليوم، ولعل هذا يعني خروج الملايين من الجياع والمحرومين هائمين في الأرض باحثين عما أرادوه فلم يعطوه، فينتقمون ممن أجاعوهم وأذلوهم فيكونون كإعصار مدمر يأتي على كل شيء فيدعه كأن لم يكن . [size=32]جعل الله نومكم هانئا [/size] عدنان هاشم 21/03/2021