"كأس الخليج" صداع جديد في العراق المثقل بالأزمات
الملعب الأولمبي في مدينة البصرة الرياضية الذي سيكون الملعب الرئيس لمنافسات بطولة "خليجي 25".
أندبندنت عربية / ماجد البريكان:يواجه العراق المثقل بالأزمات السياسية خلافاً جديداً، لكنه هذه المرة ذو بعد رياضي، على خلفية التحضير لاستضافة بطولة كأس الخليج لكرة القدم ومن سيكون المعني بتمويلها، حكومة البصرة أم الموازنة العامة للدولة العراقية؟
في عام 2008 طرقت الحكومة المحلية في محافظة البصرة العراقية أبواب الاتحادات الكروية الخليجية للمرة الأولى طلباً لاستضافة بطولة كأس الخليج لكرة القدم، لكن الموافقة على الطلب كانت عصية في ظل الانفلات الأمني، الذي كان يطغى على الواقع العراقي، والانهيار الخدمي الذي كان يعانيه العراقيون.
ثم توالت المحاولات والطلبات من دون استجابة جدية إلى أن جاء عام 2022 وظفرت البصرة في 30 يونيو (حزيران) الماضي بموافقة قطعية على منحها حق استضافة البطولة بنسختها الخامسة والعشرين، المزمع انطلاقها مطلع العام المقبل 2023، لكن التحضيرات المتعلقة بالبطولة اصطدمت في بدايتها بخلاف مالي بين البصرة وبغداد.
فما إن قرر مجلس الوزراء برئاسة مصطفى الكاظمي، الأسبوع الماضي، استقطاع مبالغ من موازنة البصرة لتمويل حزمة مشاريع تتعلق بالاستعداد لاستضافة البطولة، حتى أثار القرار ردود فعل شعبية وسياسية رافضة.
وطالب أعضاء من البصرة في مجلس النواب الحكومة العراقية بتمويل التحضيرات والاستعدادات من الموازنة العامة للدولة العراقية، باعتبار البطولة حدثاً رياضياً عراقياً ينطوي على بعد إقليمي، ولا يخص البصرة وحدها حتى تتحمل بمفردها أعباءه المالية.
حنق شعبي ودعوى قضائية
الحكومة المحلية في البصرة أعلنت رفضها تمويل البطولة من موازنة المحافظة. وقال النائب الأول للمحافظ محمد التميمي، في بيان، إن "موازنة البصرة للعام الحالي بحدود 1.2 تريليون دينار (نحو 800 مليون دولار)، وإذا حولت هذه المبالغ لدعم بطولة (خليجي 25) سيؤدي ذلك إلى توقف جميع مشاريع الخدمات العامة والبنى التحتية في المحافظة"، مضيفاً أن "الحكومة المحلية طلبت من مجلس الوزراء منذ البداية وضع موازنة خاصة لدعم البطولة بمعزل عن موازنة المحافظة".
بينما قال النائب عن البصرة عدي عواد، إن "التصعيد السياسي والشعبي قادم ما لم يتراجع مجلس الوزراء عن قراره في جلسته المقبلة"، ولم يقف عواد عند هذا الحد، بل رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية ضد رئيس الوزراء ووزيري المالية والتخطيط.
كما دخل على خط الأزمة التجمع الوطني للنقابات والاتحادات المهنية في البصرة، الذي أصدر بياناً عد فيه القرار "استغلالاً غير مشروع لأموال البصرة التي يجب إنفاقها على مشاريع حيوية تحقق تنمية اجتماعية وعمرانية، وليس على بطولة لكرة القدم".
وبعد أن تصاعدت وتيرة الرفض الشعبي للقرار في مرحلة يواجه فيها سكان البصرة معاناة قاسية بسبب تفاقم أزمة شح وملوحة المياه تزامناً مع تسجيل المحافظة أعلى درجات الحرارة في العالم، أفاد محافظ البصرة أسعد العيداني، الذي يعد المسؤول المحلي الأكثر حماسة للبطولة، بأن "قرار مجلس الوزراء في شأن تمويل البطولة من موازنة البصرة لن يمرر، وسأحضر جلسة مجلس الوزراء اللاحقة لمناقشة متطلبات استضافة البطولة".
أكثر من مجرد بطولة كروية
وقد شكلت لجنة حكومية عليا برئاسة الكاظمي وعضوية وزراء ومديرين عامين لمتابعة وتنسيق الجهود التحضيرية لإقامة البطولة، بينما وضعت الحكومة المحلية في البصرة خطة وصفتها بـ"الطموحة" ترتكز على حزمة مشاريع، منها تأهيل منفذ سفوان الحدودي البري الوحيد بين العراق والكويت، والإسراع بإنجاز طريق جديد يربط مطار البصرة الدولي بموقع المدينة الرياضية، وإكمال مشروع متعثر يقضي بتشييد جسر جديد على شط البصرة، وتنفيذ أعمال تشجير في مناطق مركز المدينة.
وتبنى فرع اتحاد المقاولين العراقيين في البصرة مبادرة تطوعية لدعم الجهود المتعلقة باستضافة البطولة. وقال رئيس الاتحاد في المحافظة مراد الحلفي لـ"اندبندنت عربية"، إن "مبادرتنا تقضي بتسخير الإمكانات المتاحة لدى شركات المقاولات البصرية المنضوية تحت مظلة اتحادنا لدعم الجهود والأعمال التحضيرية".
وأضاف الحلفي "يسرنا أن نضع تلك الإمكانات والموارد، من أيادٍ عاملة وخبرات هندسية وفنية وآليات إنشائية، تحت تصرف الحكومة المحلية والمؤسسات القطاعية المعنية للاستعانة بها عند الحاجة". وأشار إلى أن "الهدف من المبادرة إظهار البصرة بالمظهر الذي ينسجم مع أهميتها وأصالتها عندما يحين موعد البطولة".
وبحسب الصحافي الرياضي العراقي ستار المنصوري، فإن "كأس الخليج أكثر من مجرد بطولة كروية، إذ لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا يمكن تجاهلها".
وقال المنصوري إن "البصرة إذا نجحت في تنظيم البطولة، فإن ذلك سيوسع من آفاق تواصلها وانفتاحها على دول الخليج، وهذا ما يفسر الاهتمام الحكومي العراقي الذي يتفوق أحياناً على الاهتمام الشعبي بالبطولة".
جاهزية المنشآت الرياضية
في غضون ذلك، بدأت أعمال تهيئة المدينة الرياضية في البصرة، التي كان الهدف الأساسي من بنائها استضافة بطولة كأس الخليج، حيث وضع حجر أساسها عام 2009، بتكلفة تزيد على نصف مليار دولار، وتم إنجازها جزئياً وافتتاحها عام 2013، لكن لم تظفر المحافظة باستضافة البطولة بدوراتها السابقة لأسباب أمنية، وأخرى تتعلق بهشاشة البنى التحتية، بما في ذلك ندرة الفنادق، وهي عقبة تم تجاوزها في ضوء نمو الاستثمارات الفندقية في المحافظة بوتيرة متسارعة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وتتكون المدينة الرياضية من ملعب أولمبي بسعة 65 ألف متفرج، وملعب ثانوي بسعة 20 ألف متفرج، وأربعة ملاعب للتدريب، فضلاً عن مجموعة فنادق لإقامة الفرق والوفود الرياضية، وللمدينة 18 بوابة خارجية كل واحدة منها تحمل اسم محافظة عراقية معينة، كما تتوسط المدينة بحيرة صناعية على شكل خريطة العراق.
وفضلاً عن المدينة الرياضية يجري تنفيذ مشروع لإعادة بناء ملعب نادي الميناء الرياضي (أحد أعرق الأندية العراقية) بسعة 30 ألف متفرج، الذي تبلغ نسبة إنجازه نحو 90 في المئة، والملعب يعول عليه في إقامة بعض منافسات البطولة كملعب رديف للملعب الأولمبي في المدينة الرياضية.
فسحة زمنية حرجة
القرار الخليجي باستضافة البصرة بطولة كأس الخليج بدورتها الخامسة والعشرين أعاد إلى أذهان العراقيين الأداء المتميز لمنتخبهم الوطني في دورات البطولة خلال الثمانينيات، فقد توج بكأس البطولة عام 1979، وانسحب منها عام 1982، ثم عاد وظفر بالكأس مرة ثانية عام 1984، ونال الكأس مرة ثالثة عام 1988.
وتماهياً مع تداعيات غزو الكويت أقصى العراق من المشاركة ابتداءً من عام 1990 وحتى إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003، حيث عاد المنتخب العراقي للمشاركة فيها، لكن لم يقترب من حمل كأس البطولة إلا في عام 2013 عندما حل بالمركز الثاني، ولعله يستطيع تحقيق أداء أفضل عندما يلعب على أرضه وبين جمهوره في النسخة المقبلة من البطولة.
ومن المقرر أن تجرى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل قرعة البطولة في البصرة بحضور ممثلين عن المنتخبات الخليجية، تمهيداً لانطلاق منافسات البطولة خلال يناير (كانون الثاني) المقبل، بمشاركات منتخبات العراق والسعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين واليمن.
وفي ضوء ذلك ثمة فسحة زمنية ضيقة وحرجة أمام الجهات الحكومية لإصلاح ما يمكن إصلاحه من الوضع الخدمي المتداعي، مثل معالجة أزمة ملوحة وتلوث المياه، ومشكلة عدم استقرار التيار الكهربائي، والضعف المزمن في الخدمات البلدية والصحية، علاوةً على خلو المدينة من متطلبات تقليدية لأي بيئة حضرية معاصرة، مثل المتنزهات العامة، وأنظمة الإشارات الضوئية لتنظيم حركة السير ومرور السيارات.