زَها حديد ... ملكة المنحنيات - الجزء الأول
الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
زَها حديد... ملكة المنحنيات- الجزء الأول
زَها حديد Zaha Hadid مهندسة معمارية عالمية شهيرة، عراقية الأصول موصلية الجذور، لها أسلوبها المُميز في العمارة، وقد انتشرت تصاميمها في أرجاء المعمورة، ونالت شهرة عالمية واسعة وحصدت جوائز عالمية عديدة.
اسمها مختصر (زَهاء)، وهي أوَّل امرأة عربية تحصل على جائزة بريتزكر المعمارية Pritzker Architecture Prize .
زَها حديد من أسرة (آل حديد)، وهي من الأسر الموصلية العريقة والثرية، وهم من عشيرة البو غافل - قبيلة اللهيب الزبيدية المعروفة. ويرجع نسبهم إلى قحطان.
وعشيرة الحديديّين من العشائر المنتشرة في أنحاء الموصل شمالي العراق، وقد انتقل العديد منهم إلى الشام وحلب، ويُعد الحديديون حاليا من أكبر عشائر محافظة حلب عدداً.
جد زَها حديد هو الحاج حسين بن محمد علي بن الحاج محمود بن رفاعي بن حديد، وكانت عائلته تسكن في محلة (باب السراي) في الموصل القديمة، حيث كان يتاجر مع سوريا قبل الحرب العالمية الأولى، ثم اتجه إلى الصناعة واستثمار العقارات.
ونشير إلى أن هناك في الموصل حاليا أكثر من عائلة تحمل لقب (حديد): فهناك من عائلة زَها حديد: شيخ القُضاة ورئيس محاكم استئناف الموصل (فيصل حديد) والمدعي العام (عبد الرزاق حديد) والدكتور (عبد الوهاب حديد) أول عميد لكلية طب الموصل والذي تزوج ابنته الدكتور (محمد صادق المشاط) رئيس جامعة الموصل ووزير التعليم العالي السابق، وقد سكن كل هؤلاء رحمهم الله وغيرهم في (حي الجوسق) المُميز في أيمن الموصل والذي تم إنشائه في ستينيات القرن الماضي في بساتين تعود ملكيتها إلى جد زَها حديد (الحاج حسين جلبي حديد). وهناك عائلة أستاذ الرياضيات الدكتور سمير بشير حديد وابن عمه أستاذ اللغة الفرنسية الدكتور حسيب حديد.
لقد كان الحاج حسين جلبي حديد (1863ـ 1958) ملاكا عقاريا ومزارعا كبيرا اُختير ليكون عضوا في المجلس البلدي ثم أصبح رئيسا لبلدية الموصل وكالة (1927-1929). كما كان من الشخصيات الوطنية التي اسهمت في بناء الدولة العراقية الحديثة.
أما والد زَها حديد فهو الأستاذ محمد حسين حديد (1907-1999)؛ وهو سياسي عراقي ليبرالي كبير، وهو أحد مؤسسي الحزب الوطني الديموقراطي ومؤسس الحزب الوطني التقدمي، وقد شغل منصب وزير المالية بعد ثورة 14 تموز سنة 1958.
و محمد حديد، هو من مواليد الموصل، وقد أكمل دراسته الثانوية في الجامعة الأميركية في بيروت ثم سافر إلى لندن ودرس في جامعة لندن وتخرج منها بتفوق، ثم عاد إلى العراق وعمل في وزارة المالية بوظيفة مفتش مالي.
لقد شجع الحاج حسين حديد ولده محمد حديد على الدخول في معترك الصناعة الوطنية، وقد أسهم في إنشاء ( مصنع للزيوت النباتية في بغداد) والذي اُفتتح عام 1942. وكان (دهن زبيدة) النباتي أول مُنتج له فضلا عن صابون (الجمال) وصابون (الهناء) ومسحوق (أمواج). وقد أُمم المصنع من قبل الحكومة العراقية سنة 1964.
لقد توفي الحاج حسين حديد يوم 5 تموز 1958 عن عمر يناهز الـ (95)، أي قبل تسعة أيام فقط من قيام ثورة 14 تموز 1958 والإعلان عن تأسيس الجمهورية العراقية وتعيين ولده ( محمد حديد) وزيرا للمالية.
ويذكر الدكتور إبراهيم العلاف أن من مآثر الحاج محمد حديد أنه تبرع برواتبه عندما كان رئيسا للبلدية وذلك بإنشاء بناية المكتبة المركزية العامة والتي كانت تقع بالقرب من حديقة الشهداء في أيمن الموصل.
لقد اُنتخب محمد حديد نائبا في مجلس النواب عن مدينة الموصل خلال السنوات 1937 و 1948 و 1954، وعُين وزيرا للتموين ثم وزيرا للمالية ضمن التشكيل الوزاري للحكومة العراقية الأولى بعد انبثاق ثورة 14 تموز 1958 حتى سنة 1960 حيث استقال من منصبة.
وقد شارك محمد حديد في الوفد العراقي الأول الذي غادر بغداد ليلة 17 تموز 1958 إلى دمشق لمقابلة رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر. وكان الوفد برئاسة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف وعضوية كل من: محمد صديق شنشل ومحمد حديد والدكتور عبد الجبار الجومرد والمقدم الركن محمد مجيد والرئيس الأول الركن عبد الستار عبد اللطيف والرئيس الأول الركن الطيار حردان عبد الغفار التكريتي.
لقد تزوج محمد حديد من (وجيهة مصطفى الصابونجي)، وهي ابنة المحسن الكبير والمهندس المعماري الحاج مصطفى الصابونجي (1888-1954م) والذي سبق وأن نشرنا سيرته الكاملة في الكاردينا.
والسيدة وجيهة الصابونجي من وجهاء المجتمع الموصلي وكانت فنانة فنون تشكيلية، وقد أنجب منها ثلاثة أولاد: المعمارية الشهيرة زَها حديد، والكاتب هيثم حديد، وخبير الشأن العربي فولاذ حديد (1937-2012) هو كاتب عراقي وخبير بالشؤون العربية.
زَها حديد:
وُلِدَت زَها محمد حديد في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1950، في العاصمة العراقية بغداد لعائلةٍ ذات سعة ونفوذ.
ساهمت تربيتها على يد والدها في تكوين شخصيتها الباهرة النجاح، كما كانت تقول: "لم أشك يومًا في إنني سأصير محترفة" .
في سن السادسة من عمرها، أخذها والداها معه إلى معرض خاص في دار الأوبرا ببغداد، فانبهرت كثيرًا بالأشكال التي شاهدتها. وفي سن الحادية عشر، حددت زَها اهتماماتها لتصبح معمارية، فقامت بتصميم ديكور غرفتها، وكانت تراقب التصميمات المعمارية للمباني.
تلقت زَها تربية عصرية، وكان تعليمها الابتدائي والثانوي بمدرسة الراهبات الأهلية في بغداد، كما درست في سويسرا، واستفادت من تربية والديها المُستنيرة لها ولدعمهما غير المشروط بوصفها بنتهما الوحيدة.
لقد كانت والدة زَها حديد تُحب الرسم وتمارسه بشكل جيد، وقد علّمت ابنتها الرسم وفنونه، حيث كان لها ذوق مُميز ونظرة حادة للأشكال الجميلة. كما عشقت زَها الحساب منذ طفولتها فضلاً عن الرسم والاستماع إلى الموسيقى.
لقد عشقت زَها حديد علم الرياضيات، وبخاصة الهندسة الاقليدية Euclidean Geometry ؛ وهي الهندسة التي كانت سائدة في مناهج الرياضيات آنذاك وتعتمد على المسطرة والفرجار لإنشاء الأشكال الهندسية. والتحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت، ودرست الرياضيات في الفترة (1968-1971) وحصلت على شهادة الليسانس في الرياضيات في العام 1971.
لقد زرع والدي زَها بها حب المعرفة وأهمية الدراسة والتحصيل العلمي كجواز سفر الإنسان في الحياة. وقد اعتبرتهما زَها بمثابة الإنارة في حياتها، الذين وفرا لها الدعم الكبير حين اختارت دراسة العمارة في الخارج.
وفي العام 1972، انتقلت زَها إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية في كلية الجمعية المعمارية Architectural Association School of Architecture وهناك تعرَّفت على العديد من الأساتذة والطلبة، مما كان سببًا في انطلاقها إلى الحياة العملية.
لقد تخرجت زَها حديد في العام 1977، وبدأت حياتها العملية في العام نفسه عندما انضمَّت إلى (مكتب متروبوليتان للعمارة Office for Metropolitan Architecture) في هولندا وبدأت التدريس في كلية الجمعية المعمارية.
ثم عملت كمعيدة في كلية العمارة، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في دول أوروبا وبأمريكا؛ منها جامعات هارفرد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل.
لقد حصلت زَها حديد على الجنسية البريطانية، وأنشأت مكتبها الخاص (مكتب زَها حديد المِعْمَاري Zaha Hadid Architects) في لندن وحققت نجاحًا هائلاً من خلاله، وقد بلغ عدد العاملين فيه أكثر من 350 شخصًا. واكتسبت تصميماتها المُبتكرة والتجريدية شُهرةً عالمية، وأثبتت زَها حديد ذاتها كأحد أشهر المِعْمَاريين في العالم.
كما مارست زَها حديد مهنة التدريس وباشرت بعض التصميمات الداخلية عالية المستوى، إلى جانب أعمالها المعمارية. ثم عُينت أستاذة في كلية الهندسة المعمارية بجامعة إلينوي في شيكاغو خلال حقبة التسعينيات. كما عَمِلَت أستاذة زائرة بعدة مؤسسات تعليمية، من ضمنها: جامعة الفنون الجميلة بهامبورغ في ألمانيا، وكلية الهندسة المعمارية بجامعة ولاية أوهايو، وكلية الدراسات العليا في الهندسة المعمارية والتخطيط بجامعة كولومبيا.
من الحسرات التي بقيت في نفس زَها حديد، كما ذكرت في إحدى المقابلات الصحفية معها: (أني فقدتُ والديّ قبل أن يشاهدا تطوري من طالبة إلى نجاحي كمهندسة معمارية).