احتجاجات الحجاب في إيران بين الداخل والخارج
هدى رؤوف
احتجاجات الحجاب في إيران بين الداخل والخارج
على مدار أسبوعين تشهد إيران احتجاجات بدأت في 16 سبتمبر (أيلول) إثر وفاة الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، ولم يكتف النظام بقمع التظاهرات في الداخل، بل صعد تجاه أهداف خارجية، بما يوحي بقلق إزاء الوضع الداخلي من قبل النظام.
التساؤل الآن لماذا تختلف هذه التظاهرات عن غيرها؟ ولماذا يزداد عنف النظام تجاه المتظاهرين؟ وما موقفه من رد الفعل العالمي تجاه الوضع داخلياً؟
تعد هذه التظاهرات الأقوى منذ احتجاجات 2019 التي كانت على خلفية ارتفاع أسعار الوقود، وكلما ازداد عنف النظام ارتفع عدد ضحايا المواجهة من معتقلين وقتلى.
ورغم عدم تهاون الأجهزة الأمنية في استخدام كل وسائل التخويف والقمع التي ربما أدت إلى تضاؤل حجم الاحتجاجات مقارنة بالأيام الأولى، فإن هذا لم يعن انتهاء الغضب، فقد طور المحتجون أشكالاً جديدة من تكتيكات التظاهر عبر استخدام أسطح المنازل والنوافذ وتكثيف الهتافات في الليل.
وكما سبقت الإشارة في المقالة السابقة فإن التظاهرات الحالية المرتبطة بوضع المرأة وتعرضها للقمع الذي أصبح يودي بحياتها، تختلف تماماً عن غيرها من الاحتجاجات المرتبطة بأسباب اقتصادية، لذا وجدت تعاطفاً دولياً على المستويين الشعبي والرسمي.
فقد تنوعت أشكال الدعم العالمي للمتظاهرين ما بين تحركات في كثير من دول العالم، إلى تقارير المنظمات الدولية حول قمع النظام الإيراني والمطالبة بمحاسبته، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة طالب النظام مراراً بضبط النفس، وهناك دعوة إلى تأسيس آلية أممية للتحقيق في الأحداث الداخلية ومساءلة طهران.
واتسع نطاق التظاهرات بحيث أعلنت نقابات المعلمين عن إضرابات ومقاطعة الطلاب للمدارس والكليات، وربما يسعى الإيرانيون إلى إطالة أمد الاحتجاجات حتى يشتد الدعم والتضامن العالميين، وهو ما يخشاه النظام لذا توجه نحو تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج عبر قصف ومهاجمة أهداف كردية.
الدعم العالمي الذي شمل حتى حكومات غربية تخلت عن حذرها تجاه إيران وساندت المحتجين على عكس الموقف الدولي عام 2009 حينما اندلعت تظاهرات احتجاجاً على نتائج انتخابات أحمدي نجاد لولاية ثانية وعرفت بـ"الحركة الخضراء".
حينها توجه اللوم الأكبر إلى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي صمت حتى لا ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران، كما أنه لم يرد المواجهة مع النظام في وقت كان يستهدف احتواء طهران وعقد اتفاق نووي معها.
هذه المرة أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دعم الاحتجاجات عبر خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما فرضت عقوبات على شرطة الأخلاق الإيرانية، وهناك أيضاً محاولات لتسهيل وصول الإنترنت إلى الإيرانيين عبر الأقمار الاصطناعية بعيداً من الرقابة الحكومية، إذ سمحت وزارة الخزانة الأميركية لشركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة بتقديم خدمات إنترنت إضافية في إيران.
كما قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن بلاده ستفرض عقوبات على المسؤولين عن مقتل مهسا أميني، بما في ذلك وحدة شرطة الأخلاق الإيرانية وقيادتها.
وكذلك استدعت ألمانيا السفير الإيراني في برلين لحث طهران على وقف حملتها القمعية والسماح بالاحتجاجات السلمية، كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية بأن بلاده ستنظر في جميع الخيارات مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وذلك حينما سئل عن احتمال إعادة فرض عقوبات على إيران.
كرد فعل على تطورات الوضع داخلياً وخارجياً شن الحرس الثوري الإيراني هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت مقار ثلاث مجموعات كردية منفصلة في كردستان العراق.
كما بدأ النظام الترويج لكون الاحتجاجات فتنة ومدفوعة من أهداف خارجية، فألقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي باللوم على الدول المعادية في إثارة الاحتجاجات.
ورغم عدم التيقن من متى تنتهي الاحتجاجات ومآلاتها فإنه من المؤكد أن تعامل النظام الأمني والعمل على إخافة المواطنين والربط بين الاحتجاجات والخارج ستدفع طهران إلى الإمعان في استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين بحجة مواجهة أخطار خارجية مسلحة، لذا استهدف النظام الإيراني التصعيد ضد الجماعات الكردية من أجل تشتيت الانتباه عن الوضع الداخلي بإثارة أزمة في العراق، وربما كذلك من أجل استدراج المعارضة الكردية المسلحة للرد، ومن ثم قمع الأجهزة الأمنية بإخماد التظاهرات بأبشع الوسائل للقضاء عليها في أقرب وقت.
كالعادة اعتبرت إيران أن الولايات المتحدة تدعم المتظاهرين، وتسعى إلى زعزعة استقرارها، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في بيان، إن "واشنطن تحاول دائماً إضعاف استقرار إيران وأمنها رغم أنها لم تنجح".
ورغم اختلاف تظاهرات الحجاب التي تعد الأقوى منذ 2019 نظراً إلى مركزية حقوق المرأة في العالم ستتعين المراقبة وانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في الداخل الإيراني.
أما خارجياً، فرغم التصريحات الرسمية للمسؤولين الأوروبيين والأميركيين الداعمة للمتظاهرين الإيرانيين فإنه من المؤكد عدم رغبة هذه الحكومات في التصعيد تجاه طهران، حتى لا تتعنت أمام المحاولات الضئيلة المتبقية لإعادة الاتفاق النووي، لا سيما في ظل مخاوف الغرب، خصوصاً واشنطن من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، سواء ما يتعلق بأزمة الطاقة في أوروبا أو التعاون العسكري بين روسيا وإيران.